الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سوق النفط: آثار ومتغيرات

14 ديسمبر 2014 23:28
عند الحديث عن انخفاض أسعار النفط باعتباره المتغير الأهم على الساحة الدولية، والذي يسيل الكثير من المداد، لابد من استحضار أبعاده المتنوعة، بدءا من جيوب المستهلكين في الولايات المتحدة وليس انتهاءً بالانعكاسات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، والتأثير على تماسك وتضامن دول «الأوبيك»، وأيضاً التداعيات على الاقتصاد الأميركي، لاسيما في الولايات التي تشهد طفرة في إنتاج النفط الصخري. والحقيقة أن ما تعرفه أسعار النفط من هبوط ليس غريباً، بل يندرج في إطار تقلبات سوق الطاقة العالمية المستمرة منذ ظهور الوقود الأحفوري، حيث تتأرجح الأسعار بين الصعود والهبوط لتصحح نفسها تحت وطأة السوق، لكن هذه المرة يختلف الأمر مع موجة الانخفاض الحالية في سعر النفط لأن ما يحدث مختلف عن المرات السابقة، فالنفط اليوم يتدفق من أماكن غير تقليدية ولا متوقعة، وفيما بدأت قبضة الدول النفطية الرئيسة على الأسواق ترتخي، قللت الدول المستهلكة من شهيتها، أما الدول التي كانت أقل استهلاكاً في الماضي فأضحت تطلب المزيد. هذه التغيرات البنيوية وغيرها تقول عنها وكالة الطاقة الدولية من باريس في تقريرها السنوي الصادر في نوفمبر المنصرم إنها «دشنت فصلا جديداً في تاريخ أسواق النفط». وما لم تحدث استثناءات تعيق تدفق الإمدادات، يعتقد أغلب المحللين أن أسعار النفط على المدى القريب على الأقل ستواصل هبوطها لتصل إلى ما دون 50 دولاراً للبرميل. فماذا يعني هذا الأمر؟ أولا يعني استمرار تدفق النفط من مناطق غير متوقعة بفضل تقنيات التنقيب الجديدة التي طورتها الشركات الأميركية في السنوات الأخيرة، والتي أتاحت فرصة استخراج النفط من تشكيلات صخرية كانت مستعصية في السابق، هذا فضلا عن القدرة المتزايدة على استكشاف احتياطات جديدة في أعماق البحار وعرض المحيطات. واللافت أن كثيراً من تلك الاكتشافات النفطية حدثت في الولايات المتحدة التي أصبحت اليوم تنافس السعودية على لقب أكبر منتج عالمي للنفط بفضل ثورة التكسير الهيدروليكي. لكن، وفيما تزايد إنتاج النفط على الصعيد العالمي، لم يواكب ذلك تصاعد الطلب الذي ظل محتشماً في السنوات الأخيرة. ففي أوروبا والولايات المتحدة استقر الطلب بسبب ترشيد الطاقة واستخدامها بكفاءة عالية، وأيضاً بسبب التغيرات الاجتماعية والتبدلات الذهنية، حيث ما عادت الأجيال الجديدة والشابة في الغرب تُقبل على شراء السيارات بنفس النهم الذي كانت عليه الأجبال السابقة. وإذا كانت الطبقات الوسطى الصاعدة في الصين والهند ودول أخرى قد حفزت الطلب على السيارات وعوضت استقرار الأسواق الغربية، فإن النمو الآسيوي القوي تباطأ في السنوات الأخيرة، كما أن تصاعد قيمة الدولار الأميركي أدى إلى تقليص الطلب على النفط المسعر بالعملة الأميركية. وبينما يرحب المستهلكون في الغرب بانخفاض أسعار النفط لانعكاسه المباشر على جيوبهم، وأيضاً لتأثير النفط على مناحي الحياة الاقتصادية الأخرى، مثل أسعار السلع وغيرها، يبقى من الناحية الاقتصادية سلاحا ذا حدين، بحيث يمكن لانخفاض الأسعار أن يشجع الاحتياطي الفدرالي الأميركي مثلا على خفض سعر الفائدة، إلا أنه من ناحية أخرى قد يؤدي الانحدار المتواصل لأسعار الطاقة إلى الوقوع في فخ انكماش الأسعار، هذا بالإضافة إلى تداعيات أخرى بدأ الحديث عنها، مثل تراجع الاستثمار في الطاقة المتجددة بعد عودة الوقود الأحفوري بأسعار منافسة، وما يستتبع ذلك من أضرار على البيئة وجهود مكافحة الاحتباس. لكن تأثير انخفاض النفط لا يقتصر فقط على الجانب الاقتصادي للدول، بل يمتد أيضاً إلى قوتها السياسية على الساحة الدولية. فقد كان النفط سلاحاً فعالا لممارسة النفوذ، ولا أدل على ذلك من قوة «أوبيك» طوال النصف الثاني من القرن العشرين. ولعل الدولة الأهم التي استفادت من المشهد المستجد في خريطة الطاقة العالمية هي الولايات المتحدة التي تعتبر الرابح الجيوسياسي الأول، فإلى حدود شهر نوفمبر الماضي وصل الإنتاج الأميركي من النفط 9 ملايين برميل يومياً، وذلك لأول مرة منذ الثمانينيات، وبحلول أكتوبر الماضي انخفضت الواردات الأميركية من النفط لأدنى مستوياتها منذ عام 1995، ما يعني أن أميركا ستنضم إلى الدول النفطية المؤثرة على الساحة الدولية. ديفيد أونجر * كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان سيانس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©