الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«دلافين» الإماراتي.. ينتصر لسينما المؤلف

«دلافين» الإماراتي.. ينتصر لسينما المؤلف
15 ديسمبر 2014 00:23
نوف الموسى (دبي) رغم وجهات النظر المختلفة التي يتبناها النقاد السينمائيون حول مفهوم سينما المؤلف، إلا أن أبرزها هي قدرة تلك الصناعة على بيان الرؤية الذاتية للمؤلف من خلال المنظومة الإبداعية، والتي من شأنها أن تعكس الشخصية الفنية لرؤية المخرج في العمل، ويبرز ذلك في تجليات الفيلم الإماراتي الطويل «دلافين» للمخرج وليد الشحي والكاتب أحمد سالمين. ولا تنفي أطروحة سينما المؤلف في الفيلم مدى عمق الاشتغالات البصرية الممتدة في تطور الحدث، وتشكيل هامش الشخصيات، وإنما تعيد بلورة قوة النص، في التماهي مع صناعة المشهدية. ويُحسب للقائمين على الفيلم في تجربتهم الروائية الطويلة الأولى الالتزام المهني والفني لماهية التكوين لمسارات وخطوط العمل، إلا أن الفيلم ظل يبحث عن متنفس العمق الزمني بنفسه الطويل، أمام فعل التجريب والتطوير لآليات الفيلم القصير التي يمتلكها المخرج، بحكم تجربته السابقة، بينما رأى المؤلف أحمد سالمين أن «دلافين» اجتياز للعتبة الذهنية والفكرية لتجربة الفيلم الطويل، عبر شخصيات تعيش محكمتها الداخلية الخاصة لمدة يوم كامل، قائلاً: «إنه صوتنا الداخلي وربما الصخب والكثير من لغتنا الخاصة التي لا تُسمع عادةً». استراتيجية المشروع أجمل ما يمكن استشفافه في فيلم «دلافين»، هو الاهتمام النوعي بفعل كلمة (المشروع) كاستراتيجية في صناعة الفيلم، كون المنطقة المحلية تعاني من قلة الإنتاجات السينمائية القائمة على المشاريع الفنية المرتبطة بالهدف الإبداعي بالدرجة الأولى، ويأتي دعم مهرجان دبي السينمائي للفيلم، كجزء من إيمانه بأهمية تأسيس خطوط عريضة للهوية الجمالية والثقافة السينمائية، ويبقى ما يترتب عليه من نتائج تفصيلية في طبيعة المحتوى مسؤولية يتحملها المنتج السينمائي. البحث في كيفية تشكيل المشهدية في الفيلم وكواليس الإعداد الإنتاجي ورؤية الممثلين وجهودهم الشخصية في الإضافة، على مستوى السيناريو أو الأداء عموماً، واختيارات المواقع واللغة البصرية، يتم فصلها في أغلب الأحيان عن الرؤية الكلية للفيلم عبر الشاشة من قبل المشاهد العادي، بينما يظل المتتبع للحركة السينمائية يتقصى حول تصنيفات صناعة الفيلم من الداخل وصولاً إلى خارج الـ «الفريم» أو الصورة الكلية للفيلم، وبالتالي المرور نحو إجابات تحمل طرقا وحلولا ابتكارية إلى آليات تطوير المسؤولية السينمائية في الإمارات. عندما تحدث الكاتب أحمد سالمين عن «دلافين» للمرة الأولى، أخفى الجزء السردي من النص، واسترسل في وصف القصة ذات الثلاثة مسارات، بعيداً عن تأويل الدعم المادي، الذي كون لديه حس الفضول تجاه (كل الأشياء) في آليات صناعة الفيلم، ولم يبد المخرج وليد الشحي هو الآخر، في حواره عن الفيلم، مسألة السيناريو التي تبناها، فكراً ومضموناً، والذي تجلى بوضوح في اختياراته لمنافي الشخصيات، عبر جغرافيا المكان، وبصريات اللحظة، لذلك تجسد الفيلم بروح الشمولية بين النص والإخراج، وبوتقة من الأفكار التي قام عليها السيناريو، جملةً وتفصيلاً، والسؤال الجدلي في هذا الصدد: هل الروح السامية للنص، وسطوة قوة أفكارها، تؤثر في المعالجات البصرية وابتكار مستويات الشكل السينمائي على مستوى حركة الحدث من خلال الممثلين والموسيقى والتفاعل مع المكان وقدرة تسلسل اللوحة الفنية في كل مشهد؟ خاصة أن القائمين على الفيلم يعيشون (حماسة) التجربة الروائية الأولى، والوقوع في منطقة تأصيل الفكرة في المشهد على حساب الحالة البصرية، يتحول إلى تحد، يمكن تفاديه مع الخبرة التراكمية في صناعة الفيلم الطويل. الانفكاك والبوح (ذكية) تلك اللقطات المتناهية في مفردات فيلم «دلافين»، بدايةً من رحلة الانفكاك الإنساني، والرغبة في البوح، ونهايةً عند قرارات الموت، التي حملت خصوصية التجلي، في المقدرة المتناهية على مواجهة الكون، كم مرة توقفت الشخصيات عند مرآة الحياة، وكم مرة تناوبت الولوج في محيط السكون، قالها الكاتب أحمد سالمين مره: «اخترنا اسم «دلافين»، لنُسعف المشاعر فيها»، وأكد عليها المخرج وليد الشحي بقوله: «الفيلم جعل كل شيء في حياتنا يتوقف». هذا الترادف بين البقاء والرحيل واحتمالية الاستمرار، وتصويرها في مناطق هادئة في المعيشة الإنسانية، مثلت قوة الحبكة في الفيلم، كونها سردت فعل الانكشاف الذي تستمد منه السينما قوتها وهيمنتها، ممثلةً هذا التحول من الشخصية العادية إلى بطلة مقدسة في احتماليات تطورها الطبيعي تارة، والمتمرد تارة أخرى. أغلب التأملات انتبهت لوصف سيارة الإسعاف، وحملها لقدرية الموت، إلى جانب شراع النجاة في وسط البحر، الذي استخدمته الشخصيات في بحثها عن معنى «دلافين»، إنه نفسه ذلك المكمل لوصف «الفزاعة» والخوف أيضاً، لولا اللون الأبيض الذي جسد أسطورة الكفن، وربما الوحي نحو السلام الأبدي، واللافت هو مفردة (الأم) التي شرعت للموت هناك بقرب الجبل، بينما شهدت عليه في البحر، طارحاً تساؤلا: «كم مرةً تموت الأمهات، لإحداث ولادات كونية جديدة». يُعد الاحتفاء بالكتابة في صناعة الأفلام الإماراتية، منطقة مهمة لإثراء المشهد المحلي، وما عمده الكاتب أحمد سالمين في توسيع اختزالات القصة بالفيلم، واحتمالات تطورها، إشارة لمدى الإمكانيات المتاحة على مستوى ابتكار اللحظة السينمائية، وأوضح سالمين أنه لم يمارس فعل تضخيم القصة، بل انطلق منذ البداية بنية صناعة الفيلم الطويل، مؤمناً أن الفيلم القصير كان سيحرم الكثير من البوح البصري من الاتساع والتمدد، مبيناً أن النص، تكون كأفكار قبل 3 سنوات، مرجحاً أن فكرة التقاطعات في القصة والمسارات المتعددة، قد يراها الكثير من السينمائيين بطرق مختلفة ومتباينة، بين مؤيد لاتصالها بشكل مباشر، وبين مفضل لانفصالها وحدوث الالتقاء الحسي والنفسي فيما بينها، وتبقى بالنسبة لكاتب الفيلم خياراً إبداعياً، بينما مخرج العمل يراها خياراً فنياً، وتظل العملية (نسبية) في إمكانية اعتبار تلك الطرق في الكتابة السينمائية تحتمل مكامن الضعف والقوة في إنشاء المشهد البصري.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©