الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شبح الاكتئاب يطارد الرجال

شبح الاكتئاب يطارد الرجال
6 مايو 2007 01:48
فداء طه: كثيرة هي الأسباب التي تجعل الاكتئاب بعيدا عن الرجل، على الأقل في ذهن العامة، فالصورة النمطية التي جرى تكريسها عبر مئات السنين وآلاف الأمثال الشعبية والحكايات والقصص، تؤكد ما يتمتع به الرجل من الصلابة والقوة التي تعينه على احتمال صروف الحياة بصمت وجلَد، وبالتالي عدم البكاء او البوح بما يعتمل في صدره من الأحزان أو الشكوى من الألم والمرض· والاكتئاب أيضاً يندرج في هذا السياق، فالرجل لا يكتئب! وعليه أن يكون رجلاً ويتحمل المسؤولية والضغوط اليومية الحياتية! لكن يبدو أن الصورة النمطية السابقة، تبددت اليوم وظهرت مكانها صورة أخرى حددت ملامحها المدنية الحديثة بما فيها من أعباء مادية وضغوطات في العمل، والتي يشير أطباء النفس إليها كأحد العوامل التي تدفع للشعور بالاكتئاب· والحديث عن الكآبة صار له شعبية بين الرجال، فضغوطات العمل وارتفاع الإيجارات وزحمة السير كلها من الأسباب التي تجعلهم يشعرون بالكآبة· ورغم أن ''عوامل الكآبة وأسبابها'' متوفرة بكثرة للجميع رجالاً ونساء إن على المستوى الشخصي أو على المستوى الجماعي، إلا أن الاكتئاب المرضي يلتصق بالنساء أكثر من الرجال، فهل يعني هذا أن الرجال لا يكتئبون أم أنهم يكتئبون و ''يكتمون''، فلا يدخل اكتئابهم في الاحصائيات؟ محمد قابيل الذي كان يتجول في السوق وحيدا قابل دعوتنا للحديث عن الموضوع بالترحيب· وعندما سألناه إذا ما كان يشعر باكتئاب أجاب: نعم، متسائلا عما إذا كان أحد في هذه الدنيا يشعر بالسعادة؟ وأضاف محمد إن كثرة المسؤوليات المادية الملقاة على كتفه وضغط العمل بالإضافة إلى الغربة والبعد عن الأهل تشعره بالحزن والكآبة· وقال إنه عندما تعتريه مثل هذه الحالة، وهي كثيرة، فإنه يفضل الجلوس لوحده ويكثر من التدخين ولا يرد على المكالمات الهاتفية، وحتى إذا رد على الضرورية منها فإن الكلام يكون مقتضبا· ورغم أنه شخص هادئ بطبعه إلا أنه يعترف بأن شعوره بالكآبة يجعله عصبيا ومتحفزا لافتعال المشاكل· زحمة يا دنيا زحمة ومن جانبه قال محمد علي إن الضغوطات المادية وارتفاع إيجارات الشقق وزحمة السير القاتلة تثير عصبيته وتشعره بالإحباط، وتدفعه للشعور بالكآبة· وأيده في هذا سعد رشاد الذي قال إن الأعباء المادية وضغوط العمل تسبب الاكتئاب ولهذا تتزايد حالات الانتحار في الغرب، ولولا أن ديننا يحرم الانتحار لوجدنا هذه الظاهرة في مجتمعاتنا· ويعتقد عبد الكريم محمد بأن الرجل يمكن أن يكتئب بسبب ظروف عائلية أو مادية صعبة وأحيانا بسبب فقدان شخص عزيز، والشعور بالحزن يدفعه لأن يصبح منطويا على نفسه ولا يفضل الحديث مع أحد· اكتئاب الرجل أصعب وفي الوقت الذي نفى فيه عادل ذبيان شعوره بالاكتئاب والحمد لله، أكد أن اكتئاب الرجل أصعب منه لدى المرأة التي تفضفض وتعبر عن نفسها في حين أن الرجل يفضل الكتمان، مبينا أن اكتئاب الرجل يؤثر على صحته الجسدية ويؤدي إلى وفاته مبكرا· ويرى ذبيان أن الفضفضة والتعبير عن المشاعر لها آثار إيجابية فالرجل الذي يتكلم لا يصاب بمشاكل نفسية، بعكس الرجل الكتوم فهو عرضة للكآبة والتي تجعله منطويا على نفسه معزولا عن الناس· اكتئاب الشباب أكثر لكن ابنه الشاب، بلال ذبيان، 18 عاما، رأى أن جيله من الشباب هم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب من الكبار، كونهم يفكرون في كل ما يدور حولهم من أمور ومشاكل ويحملون همه، بالإضافة إلى مشاكلهم الحياتية الخاصة والتي ترتبط بالنجاح أو الرسوب في الدراسة، بالإضافة إلى الأمور العاطفية· ويضيف بلال في العادة عندما يصاب أحد من الرفاق بالاكتئاب ندعوه للخروج معا ونمرح سويا، لكن هناك شباب يلجأون للتدخين أوالذهاب للنوادي الليلية، وربما تتطور الأمور إلى أسوأ من ذلك كتعاطي المخدرات· زوجات الرجال المكتئبين وتحدثت بعض الزوجات عن كيفية التصرف مع زوجها عندما يكون مكتئبا، فقالت إيناس زياد: إن الرجل عندما يكون مكتئبا يكون له تأثير سلبي على البيت فترى الجو مكهربا وكئيبا وعرضة للمشاكل، ونصحت المرأة عندما ترى زوجها مكتئبا بأن تتركه حتى يتحسن وضعه النفسي ويعود إلى سابق عهده· وقالت سهير محمد إنها تراعي ظروف زوجها، فعندما يكون مكتئبا يفضل الانعزال عن الجميع وتعتريه العصبية ويكون نزقا في البيت، أما دورها فهو أن تهون عليه الأمر وتصبر عليه وتراعي رغبته في أن يكون وحيدا وتنتظر منه حتى يهدأ ويتكلم لوحده· عوامل الاكتئاب ويؤكد الدكتور محمود فاضل، أخصائي الطب النفسي، أن الرجل يصاب بالاكتئاب لكن نسبته لا تصل إلى مستواها عند المرأة، فحين تبلغ نسبة النساء المصابات بالاكتئاب 6% فإن نسبة الرجال تبلغ 3% وهذا يعني أن تعرض النساء للاكتئاب يبلغ الضعف· وإذا كانت أسباب تعرض المرأة لهذا المرض النفسي تعزى إلى عوامل بيولوجية بالدرجة الأولى كالدورة الشهرية والحمل والولادة فإن هذا يفسر انخفاض نسبة تعرض الرجال له، كما أن وضع الرجل وصفته في المجتمع بحكم أنه المسيطر في أمور كثيرة هي من العوامل التي تقلص نسبة إصابته بالاكتئاب، بالإضافة إلى تركيبته النفسية وقدرته على تحمل المسؤولية والتي تجعله يقاوم ضغوط الحياة أكثر من المرأة، لكن هذا لا يعني أن الرجل محمي من الإصابة بالاكتئاب فهو معرض له أيضا والأسباب تعود إلى التكوين الخلقي، أو الظروف الحياتية المحيطة والتي غالبا ما تتعلق بالخسارة والفقدان؛ كفقدان شخص عزيز أو منصب أو خسارة مالية كبيرة، وكذلك قد تكون المشاكل البيتية المستمرة والكبيرة سببا من أسباب إصابة الرجل بالاكتئاب· ويرى دكتور فاضل أن المتاعب المادية ومشاكل العمل وكثرة الالتزامات هي ضغوطات ولكنها ليست سببا للإصابة بالاكتئاب، بل ربما يكون لها تأثير إيجابي عند البعض إذ تعطيه إحساسا بالقناعة والأهلية لتحمل المسؤولية وتشعره برجولته، وبالتالي تصبح محفزات أكثر منها محبطات، لكن كثرة هذه الالتزامات وزيادتها عن قدرة تحمل الرجل ربما يؤدي إلى دخوله في حالة المرض النفسي· ظواهر الاكتئاب إن حديث البعض عن إصابته بالكآبة جراء ضغط العمل وزحمة السير هو (كلام اجتماعي) قد نقبله لأنه ناتج عن عدم وعي الناس بالأمراض النفسية، لكنه ليس كلاماً علمياً، فهذه ضغوطات حياتية لكنها لا تعني بالضرورة وجود اكتئاب بالمعنى الحقيقي، فالاكتئاب له أعراض واضحة وظواهر محددة· وحول كيفية التعامل مع الزوج المكتئب يقول دكتور فاضل: في البداية يكون هناك نوع من الشفقة والعطف عليه، لكن على مدار الوقت يصبح التعامل مع هذا الزوج صعبا والحياة معه مزعجة، وقد تتحول الحياة بينهما إلى مشكلات زوجية بحيث ينسى موضوع الكآبة· وعلى المرأة إذا أحست بكآبة زوجها، وهو يتمثل في الحزن المتواصل لمدة تفوق الأسبوعين وعدم الرغبة في الحياة، أن تستشير طبيبا نفسيا· وفي حالة رفض الزوج ذلك فعليها أن تتجنب نصحه بطريقة مباشرة وأن تتحدث إليه بطريقة غير مباشرة تمهيدا لمفاتحته في الأمر وإقناعه بمراجعة طبيب نفسي· رجال ونساء تفيد بعض الدراسات أن الزواج بحد ذاته ربما يحمي الرجل من الكآبة، حيث أن نسبته بين المتزوجين أقل منها لدى العازبين، بينما نجد العكس تماما لدى النساء حيث أن نسبة المتزوجات المكتئبات تفوق نسبة العازبات· من منا لا يشعر بالكآبة؟ عندما سألت أحد الرجال حول موضوع الكآبة كان رده: ومن في أمتنا العربية لا يشعر بالكآبة، ثم مضى رافضا أن يعلق بأكثر من ذلك!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©