الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تمثيلية الزواج الفاشل

تمثيلية الزواج الفاشل
9 مارس 2008 04:15
خرجنا للتسوق أنا وابنة خالتي، وبالطبع فقد تعرضنا لملاحقات بعض الشباب الصايعين فتجاهلناهم تماماً لأننا لسنا من العابثات، ابنة خالتي تعمل معلمة وهي أكبر مني بسنتين، أما أنا فلا أزال طالبة في معهد التقنية، استغرقنا وقتاً طويلاً في التسوق فتخلصنا من مجموعة الشباب المزعجين بعد أن يئسوا من تجاوبنا ولم يبق إلا شاب واحد فقط كان مصراً إصراراً عجيباً على ملاحقتنا في كل مراحل تسوقنا حتى عدنا لسيارتنا، حيث تركنا السائق في انتظارنا، ولم أكن أتصور أبداً بأن ابنة خالتي قد امتلكت الجرأة لحفظ رقم هاتف ذلك الشاب وظننت أنها تمزح ولكنها أكدت لي بأنها قد حفظت الرقم من كثرة ما ردده على مسامعنا· بعد أيام وفي إجازة نهاية الأسبوع التقيت بابنة خالتي من جديد، فأخبرتني بأنها تحدثت مع ذلك الشاب، وعندما استنكرت تصرفها قالت إنها تمزح معي وإنها لم تكلمه، فشككت في أمرها وتظاهرت بأن الأمر عادي وليس فيه ضرر فشجعتها على البوح بالحقيقة، فاعترفت بأنها قد تحدثت فعلياً مع ذلك الشاب، وقد صدمها لأنه أخبرها بأنه معجب بي أنا وليس بها، وقد أخبرها أيضاً بأنه مستعد للتقدم لخطبتي، فاستهزأت به وطلبت منها أن تقطع تلك المكالمات قبل أن تقع في المشاكل· بعد فترة اتصلت بي ابنة خالتي من جديد وأخبرتني بأن ذلك الشاب جاد في رغبته بالتقدم لخطبتي، فقلت لها إن ذلك مستحيل وأنني أرفضه قلباً وقالباً، فقالت لي إنها ستخبره بأنني مخطوبة ليقطع الأمل نهائياً، فأجبتها: كما تشائين، ولكن أرجوك أن تقطعي مكالماتك مع هذا التافه قبل التورط معه في شيء، فأكدت لي أنها ستفعل· جاءتني بعد مدة لتخبرني بأنه سيتقدم لخطبتها هي بعد أن يئس من استجابتي وكانت سعيدة بشكل كبير بما حققته مع ذلك الشاب، وبالفعل فقد تمت خطبتها وبدأت بالاستعداد للعرس وهي في غاية السعادة وكأنها عثرت على كنز ثمين· في حفلة العرس وعندما دخل المعرس، كانت هي المرة الأولى التي أراه فيها بشكل واضح، تقززت نفسي من شكله ومن نظراته الجريئة لي فاستغربت وقلت في نفسي: ماذا يعجبها في هذا المخلوق؟ بداية المشاكل في رحلة شهر العسل اتصلت بي وكانت تبكي، أخبرتني بأنه وفي أول مناسبة أخبرها أنه قد أخطأ في الاختيار لانه لم يحبها هي وإنما أحبني أنا وأنه لم يقبل بها إلا لأنها كذبت عليه وأخبرته أنني مخطوبة، فيئس مني وتقبلها كبديل وليس عن حب أو قناعة، هونت عليها الأمر وقلت لها: كوني عاقلة وحاولي أن تكسبي زوجك قدر الإمكان وتحمليه حتى تتغير أفكاره مع العشرة والأيام· بعد فترة من زواجها دعتني لتناول الغداء في بيتها وأخبرتني أن زوجها ذهب في رحلة عمل ولن يعود إلا في آخر النهار، فلبيت دعوتها لأنني كنت متلهفة لسماع أخبارها والجلوس معها لأنها أقرب الناس إلي· فوجئت عند وجودي في بيتها بدخول زوجها البيت، وقد برر عودته بأن الرحلة قد ألغيت في آخر لحظة، عندها أصابني ارتباك شديد، أردت ان أتصرف ولكنها أجبرتني على البقاء· ذهبت إلى المطبخ لتجهز الطعام وتركتني في الصالة وحدي، فوجئت بزوجها وهو يدخل علي، اقترب مني ففزعت، أخبرني أنه يحبني وقد تزوج ابنة خالتي لأنها أخبرته أنني مخطوبة، وهو مستعد ليطلقها ويتزوجني، شعرت بضيق التنفس، وأنني ربما سيغمى علي من شدة الإحراج، كنت ارتعد واتصبب عرقاً وأنا جالسة في مكاني وهو يقترب في جلسته مني، فوصلت رائحته إلى أنفي فكرهتها ورغبت في التقيؤ، بصعوبة حملت جسدي المرتعش وهربت به بعيداً عن هذا المخلوق الكريه· تركت منزل ابنة خالتي من دون أن أخبرها بانصرافي وعدت لمنزلي وأنا في أسوأ حال، فحرصت أن أدخل غرفتي وأغلق على نفسي الباب من دون أن يشعر بي أحد· لم اتصل بابنة خالتي والغريب هو أنها لم تتصل ولم تسألني عن سبب تركي لمنزلها بهذا الشكل، فاستغربت لذلك وبقيت حائرة في تفسير كل ما حدث، ثم عرفت بعدها أن خلافاً كبيراً حدث بينها وبين زوجها، فتعاركا وضربها ضرباً مبرحاً، فأسقطت جنيناً كان في بطنها من دون ان تدري أنها حامل· تأخرت في زيارتها في المستشفى خوفاً من رؤية زوجها ولكني ذهبت إليها أخيراً لأنها كانت تلح في طلب رؤيتي، وقد أسفت كثيراً لأنني وجدتها في وضع صحي سيئ للغاية، وما أن شاهدتني حتى صارت تذرف الدموع وتعتذر مني لأنها كانت السبب في إحراجي، استغربت لقولها وطلبت منها تفسيراً لما تقول، فأخبرتني أنها قد دعتني إلى بيتها بناءً على إلحاح زوجها الشديد على هذا الأمر، وقد كانت متأكدة أنني سأصارحه بوضوح تام بأنني قد رفضته بإرادتي وبذلك ستنهي مشكلتها معه حين يعرف هذه الحقيقة· منطق غريب وعجيب، كأنني أعرف ابنة خالتي لأول مرة في حياتي، مع أني عشت معها طوال عمري إلا أنني لم أعرفها على حقيقتها، إلا في هذه اللحظة، انها إنسانة سلبية للغاية، ضعيفة الشخصية وغير واضحة، كما أن طريقة تفكيرها منحطة لدرجة كبيرة، لأول مرة في حياتي أشعر أنني لم أعد أحبها، وأننا مختلفتان تماماً· بعد تلك الحادثة بقيت ابنة خالتي في منزل أهلها لفترة، ثم تصالحت مع زوجها وعادت لبيتها من جديد· لم أعد اتصل بها إلا نادراً مع إلحاحها الشديد في إعادة التواصل بيننا، إلا أنني تغيرت من ناحيتها خلال هذه السنة التي مرت على زواجها، وبصراحة لم أعد أتقبلها كصديقة مقربة إلى نفسي مرة أخرى· حكاية سخيفة انتشرت حكايتها على كل لسان، ولم يبق أحد من أفراد الأسرة، إلا صار يردد تلك الحكاية السخيفة مع زوجها، فهو يؤذيها بكلماته الجارحة وسوء معاشرته لها، ثم يقول لها بكل قلة ذوق إنه لم يخترها كزوجة إلا بعد أن يئس من موافقة ابنة خالتها، وهو يردد باستمرار أن زواجه منها صفقة خاسرة تورط فيها ثم يضربها لاتفه الأسباب، مما جعلها تتشارك معه في الضرب، فيتقاتلان بالأيدي والأرجل وتنطلق الشتائم بينهما فتتاذى وتهرع إلى بيت أهلها وهي في أسوأ حال، تشكو همها وظلم زوجها، وعندما يتأثر أحد أخوتها ويقرر تأديب زوجها فإنها تمنعه من ذلك وتدافع عنه فيجن جنون الإخوة ولا يعرفون كيف يتصرفون معها· تمثيلية مستمرة تتكرر كل حين، وقد تعود الأهل عليها حتى صاروا لا يكترثون لها، يستمعون لشكواها بكل برود ولسان حالهم يقول: ما هي إلا ساعات أو أيام حتى يأتي بطلها المغوار فيعتذر لها ويدعوها لقضاء سهرة وعشاء في أحد المطاعم، فتجري مسرعة إليه وهي في غاية السعادة، وكأن شيئاً لم يحدث بينهما أبداً· كل هذا الأمر لا يعنيني في شيء، فهذه حياتها وهي راضية بها، ولكن الشيء السخيف الذي أثارني هو ذكر أسمي باستمرار على لسان زوجها، وهذا الشيء فيه إساءة كبيرة لي، فلماذا يزجان بي في خلافاتهما؟ ولماذا يجعلان أسمي يقترن بحياتهما الزوجية وخلافاتهما المستمرة؟ كان علي أن أضع حداً لهذا الوضع السخيف خوفاً من أن يصل إلى مسامع إخوتي، فتحدث مشاكل بين العائلتين، لذلك قررت أن اتصرف بنفسي لإنهاء هذه المهزلة· ذهبت إلى بيت خالتي وطلبت أن اجتمع بكل أفراد العائلة رجالاً ونساءً، وقد كنت منفعلة انفعالاً شديداً جعلني أتجاوز خجلي المعتاد، فانطلق لساني بطلاقة وطرحت المشكلة أمامهم وطلبت منهم وضع حل لها قبل أن تتعقد الأمور عندما تصل إلى إخوتي· تفهم الجميع موقفي وبمقدار الإساءة التي يسببها لي نسيبهم، ثم وعدوني بالتصرف حيال هذه المشكلة بأسرع وقت· مفاجأة جديدة عرفت بعد أيام قليلة بأن أولاد خالتي طلبوا حضور نسيبهم لأمر مهم، وما أن جاء حتى اجتمعوا عليه وأرهبوه وهددوه بعدم ذكر اسمي مرة أخرى على لسانه وإلا ستكون نهايته على أيديهم، وقد فوجئت عند سماعي أن ابن خالتي الأوسط قد أخبره أنني خطيبته كي يكف عن ترديد تلك الحكاية الغبية عني· استغربت لموقف ابن خالتي، فهل يحق له أن يكذب ليحل تلك المشكلة؟ أم أنه جاد في قوله؟ بصراحة فقد اجتاحتني مشاعر متضاربة، فقد تمنيت بداخلي أن يكون جاداً في زعمه، فهو شاب ممتاز ناجح ووسيم وأخلاقه عالية جداً، ولطالما تمنيت بداخلي أن أكون من نصيبه، ولكنه لم يظهر أي إشارة أو كلمة تدل على تلك الرغبة من قبل· بعد أيام قليلة عرفت أن ابن خالتي جاد في قوله لانه تقدم لخطبتي رسمياً، وقد أسعدني ذلك كثيراً وقلت بداخلي: رب ضارة نافعة، فهذا الإنسان هو فارس الأحلام الحقيقي الذي تحلم به كل فتاة، ولا يمكن مقارنته بذلك المعتوه الذي تزوجته ابنة خالتي· ياالهي·· كلما أتذكر منظره أشعر بالتقزز والاشمئزاز، انه مقرف بمعنى الكلمة، يتحدث بشكل كريه وهو يلوك الكلمات واللعاب يقف على طرف شفتيه الغليظتين يكاد يسقط مع كل كلمة أو انفعال، جسده متهدل كالخرقة من كثرة ما يتناول من المسكرات، يمشي وهو يترنح كأنما سيسقط في أي لحظة· لا أدري ماذا أحبت فيه زوجته، ولا استطيع أن أفسر صبرها على سوء عشرته وعدم تعامله معها تعاملاً لائقاً، هذا بالإضافة لخيانته لها وتعاطيه للمسكرات، لا أعرف كيف تتغاضى عن كل ذلك، وكيف رضيت به أساساً؟، فالكتاب يظهر من عنوانه ولا يحتاج للكثير من الذكاء للحكم عليه· سعاد جواد suad-jawad@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©