السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

حكاية المكان في الوعي والوجدان

حكاية المكان في الوعي والوجدان
15 ديسمبر 2014 23:25
محمد وردي (دبي) ارتباط الإنسان بالمكان هو جزء من وعي الذاكرة، وبخاصة ما يتعلق منها بمسألة الانتماء أو تشكيل الهُوية الذاتية في بعديها الإنساني، أو الوطني والقومي، لِما يمثله ذلك الانتماء من تفاصيل حميمية، تبقى لصيقة بوجدان المرء على مر الأيام وكر سنين العمر. هذه هي الفكرة التي تجمع بين فيلمي «مسكون» للمخرجة السورية لواء يازجي، و»قهوة لكل الأمم» للمخرجة الفلسطينية وفاء جميل، بعرضهما العالمي الأول، في إطار التنافس على جوائز الأفلام التسجيلية في «مهرجان دبي السينمائي الدولي» في دورته الحادية عشرة، التي تتواصل فعالياتها في مدينة جميرا في دبي حتى يوم غد 17 ديسمبر الجاري. ترصد يازجي في فيلم «مسكون» ـ وعلى مدى عامين وأكثر من تاريخ اندلاع «الثورة السورية» ـ حالة النزاع المرير، التي تعصف بحيوات مجموعة من الأسر الشامية، التي بدأت تهدد استقرارها، المعارك الطاحنة، التي يشنها النظام على بعض أحياء دمشق المعارضة، وبخاصة منها حي «برزة»، الذي يجمع أسراً مشردة من الجولان وفلسطين، بالإضافة إلى أبناء الحي من السوريين عينهم. فترصد الكاميرا بحس مرهف، بالغ الشفافية، ومضات الحيرة، المجبولة بالارتباك والقلق والخوف من المجهول، فتبدو الوجوه في بعض الحالات مستغرقة بالوجوم، وكأنها بعزلة غير متناهية، وفي حالات أخرى تتجاوز المفارقة حدود الكوميديا الساخرة، كما يفعل الشاب الجولاني، الذي لا ينفك يجمع حقائبه، استعداداً للرحيل، غير أنه سرعان ما يتراجع عن الفكرة، حالما يهدأ دوي القصف وأزيز الطلقات من حوله. وتصل المفارقة إلى ذروتها، عندما يتحدث عن طريق رحلته المنتظرة إلى الجولان، فيقول: « طريقي إلى القنيطرة، وهناك تتسلم المخابرات السورية هويتي، ويجري تسليمي إلى الأمم المتحدة، التي بدورها تسلمني على بعد حوالى مائة متر إلى المخابرات الإسرائيلية، فيعطوني الهُوية الإسرائلية، ويسمحون بالدخول والعودة إلى أهلي». ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة إلى الشاب الفلسطيني، الذي يعتزم العودة إلى مخيم الفاكهاني في بيروت، فيقول: «جمعت كل شيء بصناديق كرتونية وألصقت ورقة على كل صندوق بمحتوياته، ليعرفوا ما بداخله..» ويستغرق في الضحك، الذي لا نعرف له معنى، هل هو سخرية أم مرارة. كهف روماني أما فيلم «مقهى لكل الأمم»، فيرصد على مدى ست سنوات (من عام 2008) حياة المواطن الفلسطيني عبد علي، الذي أجبر الجيش الإسرائلي أسرته على مغادرة بلدة «الولجة» القريبة من «بيت جالا» و»بيت لحم» في رام الله، واللجوء إلى مخيم «الدهيشة». لكن عبد يصمم على العودة إلى أرض أجداده، ويعيش في كهف كنعاني عمره أكثر من أربعة آلاف عام، بعد أن جرفت قوات الاحتلال بقايا قريته ومن ضمنها منزلهم. وعلى مدى ثلاثة وعشرين عاماً يعاني عبد علي الأمرين - كما يقال-، حيث تحيط به المستوطنات من كل جانب، ولا يتردد المستوطنون في إيذائه، فيفرغون «تناكر» مياه الصرف الصحي، وأحياناً يغلقون عليه الممرات بالصخور والحجارة، لإرغامه على مغادرة الأرض طوعاً، إلا أنه يأبى الرحيل، ويقاوم كل مضايقاتهم بالصبر، والاستعانة بنشطاء السلام من كل الأمم. مواصلة زراعة أرضه وبيع غلاتها للنشطاء، لا بل نصب خيمة وجعلها «مقهى لكل الأمم» يستضيف به النشطاء، إلا أن القوات الإسرائيلية نفذت في أغسطس (آب) الماضي حكماً بهدم الكهف وجرف المقهى واقتلاع أشجار الزيتون والفاكهة، التي بدأت تؤتي أكلها، ولم تجد سبع سنوات من الاستئنافات المتواصلة، كانت تتطلب منه الكثير من المرارات بانتظار التصريح ومن ثم الانتقال إلى مقر المحكمة في القدس.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©