الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مُلهِم الأدباء

مُلهِم الأدباء
22 فبراير 2017 21:30
عرف اللؤلؤ منذ العصور القديمة واحتل مكانة مرموقة على مدى آلاف السنين، وذكر في الكتب السماوية كافة، واعتبر مقياساً للغنى والجاه، كما ارتبط بالنقاء والأناقة في ثقافات مختلفة حول العالم، واحتل مكانة هامّة لدى شتّى الحضارات القديمة. وبالنسبة لأهل الخليج عامة والإمارات خاصةً، فإن اللؤلؤ كان مصدر رزقهم الأول على مرّ العصور، إذ كان أغلب سُكان الخليج يزاولون مهنة صيد اللؤلؤ حتّى مطلع القرن العشرين. وعلاقة أهل الخليج العربي بالبحر قديمة قدم التاريخ، وقد عكست هذه العلاقة كثيراً من صور الكفاح والصمود، وتعددت على صفحات هذا البحر حكايات الإنسان الخليجي، مع التحدي والخطر، مع الغربة والسفر، مع الصبر والرضا، مع رهبة الوداع وفرحة اللقاء. فقد دفعتهم ظروفهم البيئية القاسية للاتجاه نحو البحر منذ القدم، حيث مارسوا حرفة الصيد والغوص على اللؤلؤ في مياه الخليج العربي، فضلاً عن القيام بدور الوساطة التجارية بين دول جنوب وشرق آسيا، ودول الجزيرة العربية والعراق وإيران وبلاد الشام. ويقول أحد الشعراء في أبياته مُعبراً عن مشقة الغوص: الغوص شدات وتكليف ورأس يضرب فيه طنان أخيرلك اتشاورها على السيف عن يجيسك برد لحصان صابتك يا الشاعر محاذيف من بعد ما كنت اتغوص خيران وقد احتل الغوص على اللؤلؤ مكانة رفيعة لدى المجتمع البحري القديم في الإمارات، فقد تشكلت في هذا المجتمع ثقافة خاصة، ذات صلة بالمجالس التراثية الشعبية والشعرية يتم من خلالها استعادة حكايات البحر، وقصص الغواصين المغامرين، وتنوعت أشكال هذه الثقافة ما بين نظم وإلقاء القصائد الشعرية المستمدة من بيئة البحر، إلى بيان التكافل والتآزر في المجتمع قديماً كحل المشكلات التي تعاني منها عائلات البحارة التي كانت تنتظر العائدين من البحر بشوق وحرارة، فشكلت هذه المفردات نسقاً اجتماعياً تراثياً ساهم في إخصاب مُخيلة الشعراء وتم توظيفه في أدب وتراث الخليج ليكون شاهداً على فترة زمنية عبرت عن حالة إنسانية مليئة بالخفايا والأسرار والعادات والتقاليد الأصيلة التي فقدناها في غمرة زحام الحياة، وزحمة التحولات في زمن العولمة. تقول الباحثة فاطمة خليفة أحمد في كتابها (نشأة الرواية وتطورها في دولة الإمارات العربية المتحدة): «نجد أن حياة الماضي والعلاقة بين الإنسان والبيئة شكّلت محوراً رئيساً في الإبداع الأدبي لدى كتّاب الإمارات، ومنها استمدت الرواية والقصة الإماراتية العديد من موضوعاتها وصورها الفنية، فالبحر والماء والصحراء والشمس والنخيل من أبرز الموضوعات في مختلف الفنون الأدبية لدى أدباء الإمارات، ولعل مرحلة الغوص كانت أكثر المراحل تأثيراً في حياة الإنسان على هذه الأرض، وشكّلت هذه المرحلة محوراً أساسياً لغالبية الكتابات الأدبية، ولعل أهم مظهر من مظاهر تحولات المهنة انحسار دور البحر ومهنة الصيد مع ظهور النفط وتخلّي الأبناء عن مساعدة آبائهم في مهنة الغوص والزراعة والصيد، بعد أن تبنّوا أعمالاً جديدة لدى الدولة». وللؤلؤ عدة تسميات لدى أهل البحر ومنها حصباة التي وصفها الشاعر المرحوم حميد بالهلي قائلاً: حصباة راسٍ هوب عوده اللي تواقم عشر حبّات وهنا يعني الشاعر بـ(الحصباة) رأس اللؤلؤة الكبيرة الحجم والمقصودة بـ(هوب عودة) أي أن الفتاة التي يتغزل بها الشاعر ليست بالكبيرة في السن. ومن كلمات الدكتور مانع سعيد العتيبة وهو يصف معشوقته بالحصباة والشيء الثمين الذي يصعب الوصول إليه: امشي على الاسياف طواش لاجلك وانافس للطواويش.. نوعك تميز نقوة قماش حصباة ما يتها المناقيش.. ارخص بعمري لاجلك بلاش و القلب لك دايم بتعطيش بالإضافة للشعر، كان للؤلؤ نصيب في الأمثال الشعبية الإماراتية. وسيبقى عالماً جمالياً كبيراً ضم بين ثناياه كثيرا من المعاني والتقاليد والأدبيات، حتى بات ركناً أساسياً لتدوين أدب وتراث أهل الخليج منذ عهود مبكرة إلى يومنا هذا، فقلّما يسلم عمل سردي من نفحة من نفحات التراث أو ومضة من ومضاته، بل إن أغلب الكتاب والشعراء يتنافسون ويتبارون في ميدانه الفسيح، كما يتمايزون ويتفاوتون في قدراتهم على توظيفه في الأعمال الإبداعية. ودخل اللؤلؤ وأنواعه وأشكاله في المعجم التراثي وقد أُحْيَتْ مفرداته، ونقل الكتاب والشعراء والروائيين من خلال كتاباتهم صوراً ومشاهد من تلك الحياة التقليدية القديمة التي تعكس أصالة المجتمع وعمقه التراثي الآسر، إضافة إلى الحديث عن الأسماء والأماكن التراثية، والعادات والتقاليد والممارسات الاجتماعية التي كانت شائعة في المجتمع مما ساهم في بقاء مُسميات اللؤلؤ حاضرة في أذهان الكثيرين حيث أخذت شكلاً محركاً للإبداع وملهماً له في الوقت ذاته.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©