السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الولادة من الخاصرة».. دراما سورية ترصد تسلل الهامشيين إلى متن الحياة

«الولادة من الخاصرة».. دراما سورية ترصد تسلل الهامشيين إلى متن الحياة
31 يناير 2011 19:55
يستعير الكاتب سامر رضوان عنوان مسلسله “الولادة من الخاصرة” من سجلات الطب، إذ أن ثمة نسبة من الولادات الآدمية المتعثرة، لا تتجاوز الواحد من الالف، تكون من الخاصرة، لتمنح مواليدها خصوصية ما لا يمكن الاعتداد أو التباهي بها. أما المولودون من خاصرة الزمن فلهم حكايا تعبق بالألم والخيبة، يحاول رضوان عرض بعضها في المسلسل الذي تتولى إخراجه الرائعة رشا شربتجي، والذي أدرجته قناة أبوظبي على لائحة أعمالها المرتقب تقديمها في الموسم الرمضاني المقبل. علي العزير (أبوظبي) - يُتوقع لمسلسل “الولادة من الخاصرة” أن يثير الكثير من حوافز الإصغاء لدى المشاهدين، وذلك لعوامل شتى قد تبدأ من القصة المركبة التي تنتظم فصول حلقاته، دون أن تنتهي عند الحشد الهائل من نجوم الدراما السورية الناهضة الذي يجسد احداثه، مروراً ببراعة سامر رضوان في صياغة البنى الدرامية لمسلسلاته، وتوقفاً عند الاحتراف المثير للاهتمام الذي تعتمده شربتجي في إخراج أعمالها. شخصيات المسلسل تبدو مختلفة منذ البداية، لا تشارك البشر الأسوياء مجيئها الطبيعي إلى حيز الوجود، بل هي تمارس مشروعية التباين المكلف وتصر عليها. تواطؤ جماعي كائنات مترددة مليئة بالخوف، تعكس نوعاً من الاصطفاء غير الطبيعي، تبدو للوهلة الأولى مختلفة عنا، لكن هل هي حقاً كذلك؟! الا يعكس موقفنا المترفع عن غرائبيتها شيئاً من التواطؤ المفتوح على بعض النفاق الاجتماعي؟! تواطؤ نمارسه لنوهم أنفسنا أننا بخير، وأن ما نشاهده ونشهد عليه من خلل اجتماعي إنما يطال الآخرين فقط. في المسلسل متسع للكثير من الخوف والقلق والظلم والقهر، وللحب الذي تسيره الرغبات الاستهلاكية أيضاً. وبعض ما يحاول المسلسل قوله أن مأسوية هذه النماذج البشرية هي فعل قدري وليست من صنع أيديهم، مهما بدت ملوثة بالدوني من السلوكيات. الفقر عنصر رئيسي يجري توظيفه في العمل بوصفه عاملاً مولداً لأزمات أخلاقية ونفسية وسلوكية متعددة، أما الفقراء أنفسهم فلا يميل السيناريو إلى تحميلهم مسؤولية تصرفاتهم مهما بدت مغايرة للمألوف. أحلام عابثة أناس مختلفون كان عليهم أن يمتلكوا آلامهم وأحلامهم وأساليب تفكيرهم المختلفة، لينطلقوا بعد ذلك في صياغة مشاريع عيش قد لاتجد قبولاً ممن ارتضى البقاء على ضفة المشاهدة، وإطلاق الأحكام بعقل بارد. لا بد للذاكرة المعبأة بالألم والحرمان أن تفرز أوهاماً تشبهها. السلطة أيضاً لها مكانها في المسلسل، وهي تتنوع وفقاً لتجلياتها المختلفة: العائلية والاقتصادية والاجتماعية، وإن كان وجود الشخصيات التي تستحق أن تطلق عليها صفة القيادية أمراً شائعاً ومشروعاً، فإن كونها كذلك لا يعفيها من الدخول في نزاعات متنوعة، لعل أقساها ذلك الذي يدور بينها وبين ذاتها، بحثاً عن امتلاك المزيد من القوة. صراع الأجيال أيضاً للأجيال وصراعاتها المتعددة المستويات نصيب من الحكاية، فالخلاف بين الآباء وأبنائهم قائم دوماً، لكن ما يختلف هو أسلوب التعبير عنه، وهو ما يحاول العمل تسليط الضوء عليه، حيث نقع على أبناء يبدون إستعداداً للإنسلاخ عن محيطهم الأسري، ورغبة جامحة في تحطيم كل ما يتصل بمفهوم الأسرة من حصانة وحماية، وما تضفيه عليها بعض المفاهيم التربوية من سمات تداني القداسة، وذلك سعياً وراء تحقيق آمال وأحلام يرونها مشروعة. محاور العمل في عائلة جابر المكونة من أب وأم وابنتين وابن، يرهن الأب منزله العائلي سعياً وراء قرض مصرفي، وذلك بناء على طلب ابنه الذي يرغب في إقامة مشروعه الاستثماري، لكن النقود تسرق من غرفة الابن، فيتهمه الوالد بالسرقة، ويطرده من المنزل مع زوجته وطفلته الصغيرة، ثم تتفاقم المشاكل عندما يقرر المصرف وضع اليد على المنزل تحصيلاً للدين، فيصاب أبوجابر بعارض يؤدي به إلى غيبوبة، ويدخل المستشفى فاقداً للوعي. استنطاق الأماكن بعد طرده من البيت العائلي يلجأ جابر إلى استئجار منزل متواضع في أحد الأحياء الفقيرة، صاحب الملك عسكري متقاعد يجد متعة في الإساءة للمحيطين به، كذلك سيطالعنا “أبو مقداد” البقال المغتر بقوته والذي سيجد في زوجة جابر فريسة سائغة، فهي جميلة من ناحية، وفقيرة من ناحية أخرى، مما يضعها بسهولة في مرمى الاستهداف الملتبس. جابر سيعمل في عيادة طبيب متخصص بالإجهاض، إشارة ربما إلى الأحلام المجهضة. يستفيد المسلسل من الأماكن التي يقود إليها شخصياته ليستنطق طبيعة العلاقات السائدة في أرجائها، وليسلط مزيداً من الضوء على سلوكيات الأفراد من حيث علاقتها بالمكان، حيث هي تؤثر وتتأثر بظروفه وشروط تكوينه، المستشفى مثلاً حيث يعالج أبو جابر ليس مكاناً للملائكة الآدميين ذوي الثياب البيضاء، لكنه أقرب إلى البازار الذي يحتمل مختلف أنواع النشاط التجاري، والذي قد يمنح العاملين في أرجائه فرصاً ذهبية للثراء، حيث يأتي بيع الأعضاء الآدمية في طليعة تلك الأنشطة الاستثمارية. تداعيات الفقر المحور الثاني الذي يتناوله المسلسل يجد متكأه في أسرة رؤوف، وهو ضابط في جهاز الأمن، واسع النفوذ والثروة، لكنه لم يستطع تخطي عقدة الميتم الذي تربى فيه صغيراً، مرة أخرى يبدو الفقر عاملاً محدداً للسلوكيات حتى بأثر رجعي، أي أن سطوته تبقى مستمرة بعد زوال قيوده، فبالرغم من أن الرجل قد تخلص من عوزه القديم إلا أنه لا يزال يتصرف بوحي منه، ونراه، تعويضاً عن ما شهده في بداية عمره، يمارس البطش والتنكيل بكل من تطالهم يداه. مدفوعاً بطفولته المقهورة سيعبر رؤوف عن فشله في الحياة الطبيعية بثلاث زيجات فاشلة، الجوع المتأصل للسلطة الذي يعمل في داخله لم يزرع الرهبة في نفوس الآخرين حياله، بل لعله شجعهم على ابتكار وسائل متعددة للنيل منه، علاقات مشبوهة تمارسها زوجاته مع المحيطين بهم انتقاماً من سطوته المبالغ بها، يحول رؤوف استخدام كل وسائل القوة المتاحة لديه لجعل الدنيا تدور وفقاً لمقاييسه المختلفة، لكنه يجد في النهاية أن للحياة قوانينها التي يطيب لها أن تسخر عبرها من أدعياء القوة. صراع غير متكافئ المحور الثالث يتعلق بأسرة واصل الرجل الثري الذي يمتلك مصنعاً، وعائلة، من بين عناصرها ولده علام، وهو مريض نفسياً مولع بتعذيب ذاته، يتورط في علاقات مسيئة مع إحدى العاملات في المصنع، مما يؤدي إلى نشوب صراع بين الأب وابنه الذي يعلم من خالته أن والدته قد سجلت له الثروة، بما فيها المعمل، باسمه، فيقرر الاستيلاء على الثروة وإذلال والده، يتواصل الصراع الذي يؤول في المحصلة إلى تراجع الوالد عن الكثير من مواقفه مدفوعاً إلى ذلك بمحبته لإبنه الذي لن يستطيع أن يتعامل معه بوصفه عدواً، مهما تباعدت بينهما المواقف واختلفت السلوكيات. إذ يبدو الصراع غير متكافئ بين ابن يستلذ بالعقوق وأب مستعد لأن يحمل بين أصابعه جمر الخطايا التي يرتكبها فلذة كبده. رؤى متنوعة تحكم مسلسل “الولادة من الخاصرة” تبرر القول أنه بداية لنوعية جديدة من الأعمال التلفزيونية المركبة أي التي تسير أحداثها وفق خطوط متوازية، وإن بدت للحظة أنها على تقاطع ظرفي وعابر. أهل العمل تشارك في مسلسل “الولادة من الخاصرة” نخبة من أهل الدراما السورية أبرزهم: سلاف فواخرجي، قصي خولي، عابد فهد، سلوم حداد، مكسيم خليل، سليم صبري، أيمن رضا ، مكسيم خليل، شكران مرتجى، قاسم ملحو، رنا ابيض، عدنان ابو الشامات، رنا شميس، ماهر صليبي، صفاء سلطان، وفاء موصللي، مها المصري، كندا حنا، إياد أبو الشامات، تاج حيدر، بسام لطفي، محمد حداقي، فادي صبيح، عبد الهادي الصباغ، ماهر صليبي، علي كريم، محمد الشيخ نجيب، رجاء يوسف، رافي وهبة، احمد خليفة، ناهد حلبي، حسن دكاك، أمية ملص، محمد قنوع، وائل وهبة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©