الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

استفحال ظاهرة «الحراقة» يؤرِّق العائلات الجزائرية

استفحال ظاهرة «الحراقة» يؤرِّق العائلات الجزائرية
31 يناير 2011 19:56
أدت عودة موجات الهجرة غير الشرعية للشباب الجزائري في “قوارب الموت” إلى أوروبا بشكل مكثف في الأسابيع الأخيرة، إلى تضاعف القلق لدى الأولياء الذين باتوا يخشون من خسارة أبنائهم، لاسيما بعد أن ثَبُت أن بعض الذين حاولوا الهجرة في الأيام الأخيرة قصرٌ وأطفال لا يتعدى عمر بعضهم الـ13 سنة، وهو ما يبعث على القلق والتوجس لدى العائلات الجزائرية. حسين محمد (الجزائر) - ضبط حرس السواحل الجزائري في حدود الساعة الواحدة والنصف من ليلة 17 يناير الجاري زورقين كبيرين في عرض البحر مقابل سواحل ولاية عنابة شرق الجزائر، وكان على متنهما 45 مهاجراً سرياً تتراوح أعمارهم بين 16 و37 سنة، وأفشل محاولتهم. وتعدّ هذه العملية هي الأكبر في السنة الجارية من حيث عدد المهاجرين السريين، ولكن مئات المحاولات سُجلت في السنوات الأخيرة، وانتهى بعضها بـ”النجاح” في الوصول إلى الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط، وبخاصة إسبانيا وإيطاليا، بينما كان مصيرُ محاولاتٍ أخرى مأساوياً بعد أن غرقت الكثيرُ من “قوارب الموت” وانتهى الأمر بأصحابها طعاماً للحوت في البحر. التضييق الأوروبي يُعرف المهاجرون السرِّيون في الجزائر باسم محلي شهير وهو “الحرَّاقة”، وكان هذا الوصف يُطلق في العقود الماضية على ركاب القطارات والحافلات العمومية الذين يتهربون من دفع أسعار رحلاتهم، ولكنه أصبح يطلق خصيصاً على المهاجرين السريين أو غير الشرعيين منذ بداية ظاهرة “الحَرْقة” في التسعينيات، وأصبح هذا الوصف يُتداول الآن بشكل واسع جداً حتى من طرف وسائل الإعلام المحلية والقوى السياسية بالجزائر. وظهرت “الحَرقة” في التسعينيات، وربما في أواخر الثمانينيات، تزامناً مع ظهور الأزمة الاقتصادية واشتدادها بالجزائر، حيث تفاقمت البطالة وبخاصة لدى فئة الشباب، فأصبح الكثيرُ منهم يرى أوروبا بمثابة الخلاص والحل السحري، ولكن بما أن إجراءات “الفيزا” معقدة بسبب التضييق الأوروبي على هجرة الجزائريين إليها، فقد بدأت محاولات الهجرة السرية إليها في ما أصبح يُطلق عليه “قوارب الموت”. ويرى الدكتور ناصر جابي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر، أن هذه الظاهرة “تعدّ تعبيراً صارخاً عن فشل اندماج الشباب الجزائري في مجتمعه”. ويرجع جابي السبب إلى “البطالة العالية للشباب، وظروفه الاجتماعية والثقافية”. واستغرب تفاقم الظاهرة في بلد بترولي ارتفعت احتياطاته من العملات الصعبة مؤخراً إلى 144 مليار دولار. تصاعد خطير لكن الدكتور نور الدين محمد جباب، أستاذ الفكر المعاصر بجامعة الجزائر، لا يرى أن السبب يكمن في البطالة والفقر بل في “رغبة الشباب الجزائري في تحقيق حياة الرفاهية والبذخ التي يتمثلها في ذهنه من فرط تأثره بالثقافة الغربية”، ويستدل جباب على كلامه باكتشاف حالات لشبان “حرَّاقة” أثرياء ضُبطوا على “قوارب الموت”، ويعتبر جباب أن ذلك إحدى نتائج فشل السلطات في “تجنيد الشباب حول مشروع وطني كبير كفيل بحشد الناس حوله”. في التسعينيات، كان هناك تعتيمٌ كبير على أخبار “الحرَّاقة”، فلم تكن تُنشر في وسائل الإعلام المحلية إلا لماماً لاسيما وأن الوضع الأمني المتردي الذي فرضه الإرهاب آنذاك كان يغطي على ما عداه من الأخبار، ولكن بمرور الوقت، تزايد عدد قوارب الموت و”الحراقة” بشكل كبير، وتكسر “التابو” في الألفية الجديدة وأصبحت أخبار إفشال رحلة “حرَّاقة” في عرض البحر، أو غرق قاربهم وتعرضهم للغرق، أو القبض عليهم في سواحل إيطاليا أو إسبانيا والزج بهم في محتشدات قبل إعادتهم، تملأ الصحف اليومية، وأصبح الأمرُ مادة للجدال الإعلامي والسياسي اليومي الذي لا ينتهي إلى نتيجة. ظاهرة“الحَرقة” وأدى التصاعد الكبير لظاهرة “الحَرقة” انطلاقاً من السواحل الجزائر، وسواحل بقية الدول المغاربية، إلى قيام أوروبا بممارسة ضغوط كبيرة على هذه الدول لضبط تدفق مهاجريها السريين عليها، فقامت الجزائر بتعزيز رقابة سواحلها التي يزيد طولُها عن 1200 كم، بمزيد من فرق حرس السواحل، كما قامت منذ عام بسنِّ قانون يجرِّم “الحرَّاقة” ويعاقبهم بالسجن وغرامات مالية، فحكمت بالسجن النافذ وغير النافذ والغرامات المالية، على عشرات “الحرَّاقة” المقبوض عليهم. وأثار هذا القانون ردود أفعال واسعة رافضة له، فقالت المحامية والحقوقية فاطمة الزهراء بن براهم إنه لا يعقل معاقبة “الحراق” الذي “حاول الهجرة السرية إلى أوروبا لتحسين أوضاعه المعيشية بعد أن سُدَّت عليه منافذ الرزق في بلده”. واعتبرت أن هذا القانون “يسيء إلى المنظومة القانونية الجزائرية” وطالبت بإلغائه. وترى لويزة حنون، رئيسة حزب العمال أن “الحكم بسجن “الحرَّاق” لمدة 6 أشهر، أمرٌ غير معقول”، ويؤكد فاروق قسنطيني، رئيس الهيئة الاستشارية لحقوق الإنسان، من جهته، أن عقوبة السجن “قاسية” ويطالب بالاكتفاء بـ”فرض غرامة مالية شكلية” على “الحراق” الذي يحاول الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا. تعديل قانون التجريم يستعد البرلمان الجزائري لتعديل قانون تجريم “الحرَّاقة” بإسقاط العقوبات عنهم وإبقائها فقط على منظمي الرحلات إلى السواحل الجنوبية لأوروبا، زو أصحاب “قوارب الموت” الذين كشفت تقارير أمنية عديدة، أنهم أصبحوا يشكلون شبكات منظمة تجني أرباحاً خيالية من خلال تنظيمهم هذه الرحلات الجماعية إلى أوروبا، حيث أن ثمن إيصال “الحرَّاق” الواحد إلى أوروبا يتراوح عادة ما بين 3 و6 آلاف دولار، وينتظر أن يُغلظ لهم القانون الجديد العقوبات. وتخشى دول جنوب المتوسط، أن تتفاقم آفة “الحرقة” ويتدفق آلاف “الحرَّاقة” على أراضيها في قادم الأيام بسب التوترات الاجتماعية بالجزائر ودول أخرى، بينما تؤكد الجزائر أن الظاهرة وإن عرفت تفاقماً في الأسابيع الأخيرة، فهي تبقى مؤقتة وظرفية، وستتوقف آلياً بمرور نجاح المخطط الاقتصادي الكبير الذي يهدف إلى توفير 3 ملايين فرصة عمل للشباب البطال قبل نهاية سنة 2014، ورصدت للمخطط الطموح 286 مليار دولار، وهو ما أثلج قلوب آلاف العائلات الجزائرية التي باتت تخشى “هروب” أبنائها إلى الضفة الشمالية للمتوسط في “قوارب الموت” بذريعة عدم توفر مناصب العمل بالبلد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©