السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بيوت الكتاب والأدباء··· مساكن للزمن المعلق

بيوت الكتاب والأدباء··· مساكن للزمن المعلق
26 مارس 2009 02:20
عاشوا وأبدعوا وماتوا فيها· مارسوا طقوسهم الغرائبية أحياناً بين جدرانها· خطواتهم معلقة على أعتابها· ضجيج أرواحهم في الزوايا وفوق الورق· غواياتهم تتسكع على السلالم· وجوههم في المرايا تحدث عن أخبارهم· عزلتهم ترتاح بكل بهاء في الأروقة وتتمدد على الأسرَّة· ندى الصباحات التي ناموا على حوافها أو أرقوا بانتظار شقشقة فجرها تروي ما مرّ على رؤوسهم من الرغبات والنزوات· المساءات المنعوفة بين الغرف تحكي عن عذابات الليالي وسهدها وجنونها، عن النزف الوحشي للأرواح المتعبة، أو الألق الاستثنائي النابت من فرح يطل فجأة في حياتهم إذ يحضر الحب وتتجلى الأنثى بكل بذخها وأشواقها لتصنع حضورها المادي والإبداعي في حياة الكاتب· إنها بيوت الكتاب والأدباء··· ممالك العزلة ومنازل الإلهام· الرحم التي ولدت فيها أجمل كتبهم أو احتضنت لحظات ألمهم ونزقهم وطيشهم··· فيها رتبوا عزلتهم ··· ضحكوا وبكوا، فرحوا أو شرقوا بالدمع، تعذبوا أو ارتشفوا السعادة، جنّوا أو هدأوا، مرضوا أو تمتعوا بالصحة، عزفوا على أوتار البيانو أو عزفوا عن الحياة··· هاجروا من الحياة إلى حيواتهم، غادروا العوالم البرّانية إلى عوالمهم الجوّانية وفي تلك اللحظات الحالكة، لحظات الوحدة النهائية، والسأم والضجر، لم يجدوا ما يسكّن أرواحهم المعذبة سوى مساكنهم··· ألم تكتب مارغريت دوراس ذات مرة: ''لا نشعر بالعزلة والوحدة الا داخل جدران المنزل''، هذي منازلهم وصورهم وبقاياهم الحميمية تدل عليهم وتشهد على ما قدموه لنا من عطاء وإبداع· دوراس: أنشأت عزلتي بعبارتها المركزة، تلخص مارجريت دوراس بكل الكثافة الممكنة علاقة الكاتب والمبدع ببيته بما هي علاقة فكرية وفلسفية ونفسية متعددة التجليات والمستويات، وتفتح مكامن الألق الكامن في ''مكان'' المبدع بكائناته وأشيائه، تقول: ''ما أعرفه أنني أنشأت عزلتي بنفسي من أجل ذاتي· أدركت أنني لا أشعر بالعزلة والوحدة إلا في بيتي هذا· ألفت كتباً لم أكن أعرفها ولم أخطط لكتابتها ولم يملها أحد عليّ· كتبت ''نشوة لولفيستنين'' و''نائب القنصل'' وكتباً أخرى بين جدران هذا البيت· وأدركت أنني إنسانة وحيدة مع الكتابة بعيدة عن العالم· كنت أكتب على الطاولة الكائنة في الصالون من دون أن أكون بحاجة إلى مكتب في بعض المرات''· في بيتها المسمى ''نوفل لو شاتو''، من بين الأضواء، من الحديقة، ومن أشعة الضوء المنعكسة على البحيرة، خرجت كتب مارجريت دوراس، وعاشت شخصيات مثل روبير أنتيليم وأخته الصغيرة ماري لويز وغيرها من شخصيات رواياتها· بليكسون: الحنين الإفريقي ''أمنيتي الوحيدة أن أختلق حكايات جميلة''، هكذا كتبت كارين بليكسون وهي جالسة على طاولة مكتبها محاطة بذكريات من أفريقيا· هناك بمحاذاة شاطئ كوبنهاجن، في بيت هادئ وقديم، يتحدى بقدمه الزمن، تروي الجدران قصة طفولة وذكريات حب مؤلم من النوع الذي لا ينسى· في غرفة مباشرة تحت سقف البيت كانت تختلي من أجل الكتابة والتأمل· وفي الطابق الأرضي تنفتح نوافذ المكتبة على البحر بأمواجه المتلاطمة، هنا أمام البحر تجلس لتكتب، وهنا أيضاً كتب الشاعر جوهانز إيوالد أحلى أشعاره عندما كان البيت عبارة عن فندق صغير في القرن الثامن عشر· كانت الكتابة بالنسبة لها طريقة للشفاء من الآلام، خصوصاً آلام الحب وذكرياته، وكل من شاهد فيلم ''خارج افريقيا'' المأخوذ عن كتابها ''المزرعة الأفريقية'' يشعر بعمق بالسعادة الخارقة التي يخلقها الحب، والألم الدفين الذي يتركه الفقد، والتشظي الروحي الذي تستطيع أن تصنعه الذكرى· في هذا البيت أيضاً، حققت الكاتبة أمنيتها وكتبت نصها الرائع ''الحكايات الغوطية السبعة''، لكنه شهد أيضاً أكثر لحظاتها حزناً وبرودة، وربما تسمع أنينها، في آخر أيامها، وهي تتلوى ألماً من المرض، وما يزال البيت يضم رفاتها المدفون تحت شجرة في الحديقة يربو عمرها على قرن من الزمن· كوكتو: الزمن المعلق في كنيسة ''سان بلاز ليسامبل'' يوجد قبر جان كوكتو الذي كتب عليه عبارته: ''إنني سأبقى معكم''· وبجوار الكنيسة تعثر على بيت كوكتو المسمى ميللي لافوريه الذي استقر فيه من ·1947 لا شيء تغير: نفس البيت الجميل ونفس الشعور بالزمن المعلق· في مدخل البيت تمثالان لأبي الهول كان كوكتو يحبهما كثيراً، وإلى الآن لا أحد يعرف سر علاقة كوكتو بأبي الهول الذي تواجد بقوة في معظم مسرحياته أيضاً، وفي الداخل تماثيل ولوحات ومكتبة ومخطوطات وفوضى عارمة صبغت عالمه القلق الذي نجد صورته في أعماله الإبداعية· في غرفة النوم يقبع سريره المكسو بقماش شحب لونه بسبب مرور الزمن وضوء الشمس الذي يتسلل من النافذة المطلة على الحديقة الهادئة· في مكتبه علقت مجموعة من صور الأصدقاء من بينهم بيكاسو الذي كان كوكتو يحبه ويصفه ''بالفنان الكامل''· هذا ليس كل شيء، فالبيت يعتبر المحيط الخصب للسنوات التي نضج فيها الشاعر، واختفت المشاكل وسوء الفهم وتهور سنوات الشباب حيث جمع الشاعر ذكرياته الثمينة والمهمة وإلهامه الأدبي وإبداعه الخصب والغزيز، وفيه عبر عن توتره الداخلي وإبداعه المميز· كان كوكتو يعمل طوال الوقت وليس لديه مكان محدد للكتابة، كان يكتب في الصالة أو في الحديقة أو على القنطرة ونادراً ما كان يكتب على مكتبه المكسو بجلد الفهد الذي وضعه في غرفة نومه وعلق عليه بعض ذكرياته· كل شيء هنا مسكون بروحه القلقة التي لم تجد راحتها سوى في الموت· دانونزو: نعش في بيت في قصر كارغناكو، حيث عاش غابريال دانونزو، تحكي لك كل مفردة غرام هذا الكاتب بحياة الرفاهية والثراء التي كانت مصدر إلهامه كما كتب ذات مرة· عباراته منقوشة على الأعمدة وفوق الأبواب وعلى النوافذ تعبيراً عن أحاسيس دفينة ومشاعر جياشة· ملاءات حريرية وسجاجيد شرقية مزركشة وجلود حيوانات مفترسة وشموع وبخور شكلت مفردات عالمه الخاص الذي يساعده على التحليق في أجواء بعيدة تمكنه من الانطلاق في عالم الإبداع· عالم من نقاء ميتافيزيقي، موسيقى ونوتات ومسرح دائري بين الأشجار وأقواس وأشكال هندسية، والبيت يبدو مثل كتاب مفتوح حيث جعل الكاتب لكل غرفة من غرفه اسماً وعالماً خاصاً يحكي حكاية أو حلماً· في غرفة الموسيقى، ثمة أعمدة متفاوتة الارتفاع دلالة على النوتات الموسيقية· كانت الموسيقى ترافق الكاتب في إبدعاته وتأملاته، وفي هذا الجو الرومانسي كتب دانونزيو كتابا كاملاً عن أعماله الكاملة يشمل إنتاجه الأدبي والمسرحي، وكتب ''كتابه السري'' على ورق صممه وصنعه خصيصاً له· فبالنسبة إليه ''الكلام شيء جد حميمي مثل الجسد والرغبة''· ولما بدأ يشعر بالحزن في غرفته قام بتصميم نعش وسط قبة، هناك كان يضطجع متأملاً موته وكأنه يغتسل من ذنوبه· دوسي: نقوش على مرمر إذا دخلت إلى منزل كارلو دوسي ربما ترن في سمعك كلماته وزخارف ذاكرته المحفورة على أعمدة بيته، ذي التصميم المميز والألوان الممزوجة بلوحات المرمر، حيث خصص أعمدة ليكتب عليها كلمات وأسماء لأصدقائه الذين رحلوا· وعلق لوحات جدارية قام برسمها صديقه الفنان كارلو أغازي، والتي كانت تمنح البيت نوعاً من الدفء في الأيام الممطرة· كما صمم رافعات لنقل الأغراض والحاجيات الثقيلة إضافة إلى جهاز إنذار وغرفة مظلمة لعرض الصور· في الطابق الأرضي، توجد قاعة الاستقبال حيث صالة البلياردو وصالة الموسيقى والرقص وغرفة الطعام ذات النوافذ الكبيرة المقنطرة· فيما قام النحات راباسكو بنحت مجسم على الشرفة يرمز إلى الفنون الثلاثة التي تزين الحياة وهي: الأدب والموسيقى والفن التشكيلي، وقد صممه على شكل شعلة خالدة· في المكتبة قام دوسي بترتيب كتبه وأرشيفه: كتب الأدب على جهة اليسار وفي الوسط كتب السياسة وعلى جهة اليمين كتب الأسرة والعائلة· كان دوسي شغوفاً بالتاريخ ويهتم بالتفاصيل· وشكلت الكتابة بالنسبة إليه مجالاً للحرية وفي الوقت نفسه مجالاً للصراع كما كان يقول: ''عندما تكتب فإنك تستهلك دمك''· كتب طيلة حياته مذكراته وأحاسيسه التي غلفها باللون الأزرق الفاتح، مخفياً أفكاره ومشاعره السرية· أما في سن النضج فكتب عن الهندسة والنحت والرسم· يتميز مكتبه بشكله المتفرد، وفيه خبأ كتابات كثيرة لم تنشر إلا بعد رحيله، حيث خصص لنفسه جناحاً حميمياً مكوناً من مجموعة من الغرف المتداخلة بعضها مع بعض كان يختلي فيها ليكتب من دون إزعاج· دوريل: عندليب الترحال لم يكن لورنس دوريل ينتمي الى مكان معين لأنه كان عندليب التجوال والترحال، لكنه عشق مدينته سوميير عشقاً لا يوصف· وبعد رحلة تسكع طويلة بين بيوت عدة عثر على منزله في الجنوب الفرنسي، فوجده منزل أحلامه وعاش فيه مع زوجته أجمل أيامه، لكنه عرف فيه أيضاً مرارة الفقد وقسوة الوحدة ووطأة الذكريات بعد وفاة زوجته· أحب لورنس الملقب بلاري ذلك المكان المسكون بملايين العطور والموسيقى، كما جاء في رسالته التي كتبها إلى صديقه ألن توما واصفاً المنظر الذي يطل عليه من نافذة منزله: ''الضوء أزرق خافت وثمة شجرتا سرو تتأرجحان بلطف برياح شرقية، وهما شامختان ومطلتان كصدر فتاة شابة، والبحر بنفسجي اللون حيث يشق القارب تلك الأمواج، والبحر يتدفق لينحني مع الساحل''· هكذا ولدت الصفحات الأولى من ''الكتاب الأسود'' الذي كان عبارة عن أول صرخة له في الأدب· البيت بديع يحيطه جدار حجري وتتخلله حديقة كبيرة بأشجار كثيفة ومتنوعة: صنوبر ونخيل وأشجار أخرى· وله شرفة مريحة تؤدى إلى حديقة كثيفة الزرع جعل منها الكاتب مكتباً ومرسماً له· في غرفة مكتبه علق الكاتب بعضاً من لوحاته على النوافذ ذات الزجاج الملون· كان يستيقظ باكرا ثم يجلس وراء مكتبه مديراً ظهره للنافذة الزجاجية ثم يشرع في الكتابة على آلته العتيقة· رغم ذلك، لم يتمكن من نسيان بيته في منطقة سوميير الذي حفر في قلبه وعقله أثراً لا يمحى، فعاد إلى بيته من جديد مثل عودة الابن الضال ليتعلم العيش وحده مع ذكريات زوجته الغائبة· وظل يحب منطقته سوميير ومنزله ومسبحه الذي شيده في عمق الحديقة بعيداً عن الأعين· جيونو: عاشق مانوسك تمر ببيت جان جيونو وتحدق في مطرقة أبيه الاسكافي الذي كان يضعها أمامه على المكتب، ويكتب· يخبرك عن عشقه وهوسه بمدينة مانوسك التي كان يتجول فيها ويستوحي منها أعماله الأدبية، وفيها اكتشف عالم الكتابة· لم يتسكع ولم يغادر المدينة لكنه كان متسكعاً في خياله حتى سمي ''الرحالة غير المتحرك، الثابت في مكانه''، يقول: ''ولدت في موناسك ولم أغادرها قط، لأنني أحببت المدينة وجبالها ووديانها وهندسة بيوتها الطينية''· كان مكتبه مفتوحا من جهة على سطوح مانوسك ومن الجهة الأخرى يطل على سلسلة التلال، وذلك الفضاء اللانهائي الذي تأتي منه شخصياته وتطرق أبواب مخيلته· وكان يجلس ويعطي ظهره لمدينة مانوسك· ويكتب من أربع إلى خمس صفحات في اليوم· كان يقرأ طيلة الوقت، فالقراءة بالنسبة إليه بمثابة ''غسيل للدماغ''· أما الطاولة التي يكتب عليها فهي الطاولة نفسها التي كانت أمه تعمل عليها في كيّ الملابس بعد أن غطاها بقطعة من القماش· كما توجد عليها عشرات الريش والأقلام المصنوعة من الخشب وغليوناته وهدايا الأصدقاء من اللوحات والمنحوتات التي تزين مكتبه· وأنت تقفل الغرفة وتلقي نظرة وداع على خاتمه، وغليوناته، وصورة أمه، وأوراقه الكبيرة الحجم، سترى معطفة الجلدي ملقى على الأريكة، ودفتراً كان يدون فيه حواراته وعبارات من رواياته، ومخطوطة أدبية كان منهمكاً بقراءتها قبل رحيله· فولكنر: منزل السعادة ''ووان أوك'' هو الاسم الذي أطلقه وليم فولكنر على منزل أحلامه، وهو اسم نبات يحمل السعادة بحسب الأساطير الاسكتلندية· هذا البيت، هذا المنفى الداخلي، شكل جزءاً من عالمه الضروري للكتابة· كان فولكنر يمضي لحظات كثيرة من الإبداع أمام طاولة صغيرة أهدتها له أمه، حيث يستيقظ في الرابعة صباحاً، ويجلس إلى طاولة العمل بالقرب من النافذة حتى ينبثق ضوء النهار ليداعب أوراقه البيضاء· وقبل أن يحصل على منزل أحلامه، كتب روايته ''كم أنا قلق'' في إحدى زوايا المصنع الذي كان يعمل فيه، وهي الرواية التي ستحقق نجاحاً مذهلاً بحيث تمكن من شراء منزل من إيراداتها· ولما لمع اسم فولكنر بعد حصوله على جائزة نوبل للآداب في عام ،1949 وذاعت شهرته في الولايات المتحدة إلى درجة دفعت بالفضوليين إلى الذهاب إلى منزله أملاً في رؤيته وهو يتمشى في الممرات المكتظة بأشجار الصنوبر بدأ الكاتب يفقد الهدوء الذي بحث عنه حين اشترى منزله، وكان يهرب من زواره ويتجنب رؤيتهم حتى وصل به الحد يوماً إلى تسلق إحدى الأشجار، نصف عارٍ· أكثر من ذلك، اضطر ذات مرة إلى تشييد جدار شاهق في حديقته من أجل الحفاظ على حياته الخاصة· وعلى الرغم من كل ذلك ظل يحب منزله· وفي عام ،1950 قام بتشييد غرفة إضافية وخصصها كمكتب له وسرير لينام عليه· همنغواي: أقاصي الأرض إلى أقاصي العالم، إلى كي ويست على وجه التحديد، ينبغي أن تذهب لكي ترى منزل ارنست همنغواي في آخر نقطة في المحيط الأطلسي، حيث تذوب الأمواج الزرقاء وتتكسر على حواف المحيط الواسع· المنزل الذي وجد فيه همنغواي جنته، وما زال يعبق بروحه، ويؤمه السياح من جميع أنحاء العالم باحثين عن اسطورة همنغواي الذي جعله حب المغامرة والكتابة والحياة يتخلى عن ''جنته''· كان يستيقظ في الساعة السادسة صباحاً، ويلجأ إلى غرفة عمله ليكتب· ولعل أهم ما كان متوفراً في هذا المنزل الواسع هو الملحق المستقل، المرتبط بالمنزل حيث توجد سلالم تقود إلى غرفة خصصها للكتابة والعمل الإبداعي، والتي تتكون من أدراج مليئة بالكتب على طول الجدران· وطاولة مستديرة، وكرسي مصنوع من الجلد، كان يأتي لهذه الغرفة كل صباح بصمت شعائري، ويعمل بصورة منتظمة لمدة ست ساعات متواصلة· وقد اتبع هذا النظام الصارم في الكتابة والإبداع سنوات طويلة''· في عام 1934 اشترى همنغواي باخرة صغيرة اسمها بيلار كانت تبدو مثل ''ملكة''، وقد حققت له السعادة ومشاعر الحرية· في مكتبته كان همنغواي يفضل الكتابة واقفاً· كان يقول: ''الكتابة وأنا واقف تساعدني على فقدان السمنة· إضافة إلى ذلك، فالكتابة في هذه الوضعية تمنحني الحيوية··· أفضل كتابة النصوص المتعلقة بالوصف باليد لكنني أستعمل آلة الكتابة عن كتابة حوارات بين شخصياتي··· فلقد لاحظت أن الناس يتكلمون بالسرعة نفسها لآلة الكتابة''· هيسه: بعيداً عن الصخب في أجواء الهدوء والعزلة، يقابلك هيرمان هيسه في بيته المنعزل، الذي كان يمنحه فرصة التأمل بعيداً عن صخب أوروبا· هناك في الهند، في منزل كاسا كاموتسي المشيد على تلال مونتانيولا وجد هيسه جوهرته: العزلة· ومنذ النظرة الأولى، شعر الكاتب بانجذاب وتعلق كبيرين بهذا المنزل، بهندسته وتفاصيل بنائه اللذين يوحيان أنه أقرب إلى القصر منه إلى المنزل· في هذا البيت ظهرت للخلود روايات في غاية الاتقان: ''كلين وفاغنر'' و''الصيف الأخير لكلينكسور'' و''سيدارتا'' وصفحات من الكتب الشهيرة: ''ذئب البوادي'' و''النرسيس وكولدموند'' كتبها وألفها وخططها في ليالي الصيف التي كان يسهر فيها وحيداً في أحضان ذلك البيت المنعزل· وقد اتضح جلياً تأثره بذلك المحيط في كل كتاباته خصوصاً في روايته: ''الصيف الأخير لكلينكسور'' حيث اختلطت مخيلة الكاتب بسحر المكان وانعكست في الأحداث الأخاذة للرواية· خلال فصل الشتاء كان الكاتب يرحل عن مونتانيولا ويذهب إلى زوريخ وبال وكان يعود إلى منزله كلما راوده الإلهام وملأه الشعور الملح للكتابة· ولما قرر الكاتب مغادرته بدأ يرسم من دون توقف عشرات اللوحات: وكان ذلك إشارة استعداده لتوديع المكان الذي طالما أواه وتعلق به· فكتب يقول: ''الرحيل عن هذا البيت الجميل والأخاذ، يعني لي الكثير وهو الأقرب إلى قلبي من جميع البيوت التي سكنتها أو اقتنيتها وهو بالنسبة إليّ الأجمل وعلى الرغم مما عانيت فيه، فستبقى الأيام التي شهدها هذا البيت هي الأفضل والأعز إلى قلبي والأكثر إنتاجاً بالنسبة إليّ''· وبعد··· القائمة طويلة، والبيوت تتعدد وتتنوع فهذه سلمى لاجيرلوف وقد استعادت فردوسها أو بيت طفولتها لتعيش فيه، وتلك فرجينيا وولف تطل من نافذة بيتها الذي أحبته الى الحد الذي تصورت أنه جزء من الجنة، أما فيتا ساكفيل - ويست فاختارت قصراً يحتوي على 4 أبراج و100 مدفئة و365 غرفة!· بينما اختار ديلان توماس عوامة لتكون منزله، وعاش وليم بتلر ييتس في بيت على شكل برج··· وثمة كتاب آخرون لم تتسع لهم هذه القراءة، لكن كتاب ''أين كانوا يكتبون: بيوت الكتاب والأدباء في العالم''اتسع لهم، وخصص لكل منهم غرفة فيه ليستزيد من شاء الاستزادة· ولأنهم كانوا باذخين في العناية ببيوت أحلامهم جاء بيتهم / كتابهم في حلة طباعية فاخرة حتى بدا أقرب إلى نص بصري لما احتوى عليه من صور فاتنة تعكس قدرات المصورة إريكا لينارد التي حاولت أن تلتقط روح المكان، مما جعل الصورة تلعب دوراً موازياً للكلمة· على مدى 275 صفحة تتسلل إليك رائحة الحبر والورق التي كانت تملأ أماكنهم، وتشم رائحة تبغهم أو قهوتهم، ويتناهى إلى سمعك ''طرقعة'' أزرار الآلة الطابعة على مكتب ألبرتو مورافيا، فيما طيور وسناجب حديقة مارغريت دوراس تحلق حولك··· وكلما أمعنت في القراءة تنتقل إلى غرفة أخرى من غرف هذا الكتاب/ البيت الذي تبلغ عشرين غرفة سكنها على التوالي: كارين بليكسون، جان كوكتو، عابريال دانونزيو، كارلو دوسي، لورنس دوريل، وليم فولكنر، جان جيونو، كينيت هامسون، ارنست همنغواي، هيرمان هيسه، سلمى لاجيرلوف، غوسيب توماسي دي لامبيدوسا، بيير لوتي، ألبيرتو مورافيا، فيتا ساكفيل، ويست، ديلان توماس، مارك توين، فيرجينيا وولف، وليم بتلر ييس، ومارغريت سونار
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©