الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مزيج من الموهبة في عالم مفعم بالألوان

مزيج من الموهبة في عالم مفعم بالألوان
26 مارس 2009 02:25
يشي اسم الكتاب ''الدراسة النقدية التحليلية'' التي صدرها لنا مؤخرا كل من الدكتور اسماعيل عبدالفتاح عبدالكافي، والدكتور أحمد عبدالبديع عن الدار الثقافية للنشر بالقاهرة بعنوان ''أضواء على الصورة الشعرية عند علي بن سالم الكعبي'' بمعان كثيرة، أولها: الكشف عن مواطن الجمال في تجربة شعرية لواحد من كبار الشعراء الإماراتيين ينفرد بحصوله على جائزة الأوسكار في مهرجان الغناء بمصر العام الماضي عن قصيدته ''الوفا من طباعي''، كما عرف بخوضه مجالات شعرية جديدة مثل: الشعر الخاص بالسير الذاتية والشعر الاجتماعي والسياسي، بل خاض المجالات المعروفة للشعر كالفخر والرثاء والوصف والغزل بأسلوب جديد ومعان جديدة متأثرا بشكل واضح في كثير من قصائده بالتجربة الشعرية للمغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ''طيب الله ثراه''· حضور متميز لمن لا يعرف الكعبي، فهو من مواليد مدينة العين عام ،1961 عمل مديرا لمكتب صاحب السمو رئيس الدولة بدرجة وزير، ومديرا عاما للدائرة الخاصة لسمو الشيخة فاطمة بنت مبارك ''أم الإمارات''، وله حضوره المتميز على خريطة الساحة الأدبية وبخاصة في مجال الشعر الغنائي، وهو عضو اتحاد كتاب مصر، وعضو اتحاد الكتاب العرب· ونستخلص من الدراسة التي نحن بصددها أن شعر الكعبي يتميز بالصدق الفني وتدفق المعاني وبساطة التناول وتلقائية الأداء، كما يتميز شعره بسيطرة العاطفة وحدتها وهي ثمرة من ثمار الامتلاء بالتجربة وتغلغلها في أعماق النفس الشاعرة ثم الصدق في التعبير عنها، كما أن ألفاظه فيها دقة ورقة وثراء الدلالة مع البعد عن كل صور الإغراب والتعقيد، والموسيقى في شعره عذبة، ولها دور كبير في نقل المشاعر والكشف عن حدة العاطفة وسيطرتها على الأداء الفني وغلبة الأوزان الغنائية الطويلة في صورتها التامة· ومنذ ذلك يشعرنا الكعبي بأن كل بيت في قصائده هو قطعة من قلبه وقطرة من دمه ومزيجا من الموهبة والإلهام تنطلق بالقارئ الى عالم مفعم بالألوان والحياة في إطار ''لهجة واضحة'' يتسم بها الشعر النبطي الذي نبت وترعرع في منطقة الخليج العربي، وقد أبدع أيضا في قرضه للشعر العربي الفصيح ومن ذلك ديوانه الشهير ''رذاذ القوافي''· وفي قصيدته ''الخيل تاريخ'' نرى مقدرته في مدح سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان وزير شؤون الرئاسة بأسلوب يجمع اللهجة النبطية والفصيحة، ويقول أولا بالشعر النبطي: الخيل تاريخ والصحراء قريناها جبنا لحاضر خيول العرب ماضيها الرمح والسيف الأحدب رعاياها والنصر والمجد فرض من مساعيها أرخت رسنها لبو زايد وعنَاها كم زخرفت قمة عليا خطاويها وفي نفس القصيدة ''الخيل تاريخ'' يقرضها شعرا عربيا فصيحا فيقول: سنقرأ الخيل تاريخا صحاريها أنَا سبقنا وجئناها بماضيها الرمح والسيف نفل من نوافلها والنصر والمجد فرض من مساعيها أرخت أبا زايد فخرا أعدتها وزخرفت منك صحراها خطاويها كما أننا أمام قصائد يطأ فيها الشاعر على جراحه وآلامه، وبنظرة سريعة على عناوين مجموعة القصائد التي تطرقت لها الدراسة سنجد مصداق ذلك من مثل: حدَ الحسام، غيم الليالي، الوقت ما يصفى، أهداب عينك، عقد فيروز وغيرها من القصائد· قصيدة غير منقوطة جاءت الدراسة في ثمانية فصول استهلت بالمميزات الشعرية عند الكعبي، ونقف عند دوره في موضوع التجديد في الشعر العربي، ففي قصيدة واحدة لم يستخدم أي حرف من حروف اللغة العربية المنقوطة، فقد تمكن في قصيدة كاملة من استخدام الحروف التي ليس بها أي نقط، ومن ذلك ما جاء في قصيدته ''حد الحسام'' حيث تجد تجديدا شعريا يدل على موهبة فذة ومهارة فائقة: أرسل سلام أعلام لطوال الأعمار أهل الكرم والحلم للعالم صدور أهل المعارك والمدارك والأدوار الدار والالماس والساس معمور في باب السيرة الذاتية تطرقت الدراسة الى أكثر من عشرين قصيدة من قصائد الكعبي، فهو مثلا يقدم لنا صورة شعرية وتجربة إنسانية رائعة، حين يقول عن حياته وعن عادات قومه في بلاغة ورقة في آن واحد: وما حدَ رمس بالنقص عن طول خطوتي لي طوحت بنت السنا في حجابها عاداتنا نكبر عن العد والعدد لي نقصت بعض اللحا في حسابها في حين نجد تنويعات مختلفة في قصيدته ''ريم البوادي'' وهي قطعة غزلية رفيعة يمتزج فيها العناد بالدلع عند المحبوبة فهي: لفتة الوداد وغزالة الوادي وبحر العيون، وهي يردد اسمها القلم والحروف ـ أي جميع أدوات القراءة والكتابة ـ وهي قمة الدلع والأسر والنغمات· مما يوحي بمقدرة الشاعر على استخدام حشد من الكلمات الوصفية المكثفة ليوحي بدلالات عديدة: تعاندني وأنا نفسي عنيدة تحب اللي يبادلها العنادي عناد مع دلع موضة جديدة أراها فيك يا ريم البوادي واسمك يا الغلا أحلى قصيدة يرددها القلم والحرف صادي القصيدة الغنائية أصبحت استقلالا في عصر الرومانسية، ومن خلالها سجل الكعبي اسمه في قائمة أهم الأصوات المجددة في هذا المجال، فكل نصوصه الشعرية تقريبا تصلح للغناء كونها تجمع بين جزالة اللفظ وقوة العبارة ورقتها وفصاحة المعنى ووضوح الهدف في إطار صور غنائية بديعة· ولذلك وجدنا أن كبار الملحنين تهافتوا على تلحين اشعاره ومنهم على سبيل المثال: علي كانو وسعيد الكعبي، كما غنى بعض قصائده المطرب السعودي محمد عبده ومنها قصيدة بعنوان ''الله يا زين الزعل'' ونرى فيها جماليات النص ومطلعها: الله يا زين الزعل في محياك من شاف زينك ما تمنَاك ترضين كلك حلي لكن زعل وجهك أحلاك محلاك من بعد الزعل يوم تهدين هذا يدفعنا بالضرورة الى قصيدته الرائعة ''الوفا من طباعي'' الفائزة بجائزة الأوسكار في مهرجان الغناء العربي بشرم الشيخ بمصر والتي غناها المطرب الإماراتي محمد المزروعي من ألحان علي كانو، ومطلعها: انتِ وأنا ما همنا غدر الزمان ترى الوفا داخلك من طباعي إذا زعلتي لو رضا كل زعلان ما حس قلبي للرضا هان ما كان وما دام عينك راضية هان ما كان لو تزعل الدنيا لها ما براعي ولا شك أن هذه القصيدة المغناة تتسم بموسيقى جميلة تنعش الوجدان، كما أنها تتمتع بألفاظ قوية موحية، وفيها تتابع حي للصور البلاغية، أما الحكمة فتملأ القصيدة في رشاقة لفظية توحي بأنه ومحبوبته لا يعملان حسابا لغدر الزمان ولا بد أن يسود الوفاء بين المحبين· في شعر الفخر، يعكس الكعبي صورة مشرقة عن انتمائه لوطنه ومجتمعه وأهله وقومه، فهم بالنسبة إليه ارفع قدرا وشأنا، كما نجد ذلك في قصيدته ''زايد عزوتي سادة القوم'': لو خيروني كل ما في نفسي تروم يبقى رضاهم مطلبي واختياري ويقول أيضا في قصيدة ''افخر بداري'': لي قدر عند شيوخي الشٌم محشوم أغلى علي من ألف منصب إداري أبكم يا بو خالد مدى الدهر ملزوم ذا منهجي ومبدا ضميري وقراري وفي قصيدة مؤثرة له يمدح الكعبي الشيخ زايد ''رحمه الله'' بطيب الأصل ونقائه وانه ذو بأس شديد، لا يأبه للأعداء، وفيه إباء وعزة وكبرياء، وقد حباه الله بأكبر نصيب من كرم الطبع وحسن الشمائل، ويقول: يا زايد الخيرات يا مشتت الياس يا بو خليفة والأمل فيك مأمول لك يوم حرب أكتوبر الموقف الساس اللي تسقف به قرارات وحلول ثم يواصل الكعبي في مدح صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ''حفظه الله'' بقوله: محروسة بالله ثم عزم شيخها خليفة اللي كل عليا مشى عليها من ظهر زايد سيدي نبض خافقي بعد ظهور الإنس عقت عيالها عزاي فيه إن أكرم الخلف يخلفه وعزاي أخوه ذراع في كتف آلها الصور البلاغية في هذه القصيدة متعددة، فهو يشبه صاحب السمو الشيخ خليفة بأنه طوق النجاة للبلاد بعد رحيل والده حكيم العرب الشيخ زايد، كما يشبه بزوغ الشيخ خليفة بن زايد في سدة الحكم بأنه نبض حي، لأنه يقتفي أسلوب ومنج والده المؤسس في الحكم والعلاقات الإنسانية· تختتم الدراسة ببابين مهمين في الوصف والرثاء، ومن خلالها يتعرض لظواهر وقضايا الساعة، وعلى رأسها (الإرهاب) وما يمثله من خراب ودمار، ومن قصائده في هذا المجال ما كتبه بعنوان ''سوق الإرهاب'' وجاء في مطلع قصيدته: سعر القنابل يرفعه سوق الإرهاب ودم البشر يصبح رخيص الدَوال كنا بكابل للمثل نضرب أطناب وأصبح لنا بالمشرق عشرين كابل يا هل ترى أي العواصم يا الاعراب من بعد بابل ممكن تكون بابل في تقديري أن هذه الدراسة الناضجة التي وضعها أستاذان متخصصان في الإعلام التربوي والأدب العربي، تستحق التقدير والانتباه لمضمونها في إطار النقد الأدبي التحليلي التطبيقي الذي كشف لنا عن الكثير من الخبايا عن شاعر إماراتي قدم لمسيرة الشعر المحلي مجموعة من الدواوين المهمة تجلت في قصائدها جماليات اللغة والقول الشعري الى إيقاعات غنائية تجمع أصالة التعبير ورقة الإحساس والمشاعر التي جعلت من الوطن عند الكعبي قصيدة محلقة في الفضاء
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©