الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خريطة طريق تعيد القراءة إلى مكانتها اللائقة

خريطة طريق تعيد القراءة إلى مكانتها اللائقة
24 نوفمبر 2012
«اقرأ».. هي أولى كلمات القرآن الكريم التي نزلت على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك تعتبر القراءة أمراً سماوياً وطريقاً للمعرفة ينير للجميع سبيلهم في الحياة على اختلاف توجهاتهم وثقافاتهم، وهو ما جعل من القراءة هواية محببة للكثيرين وظلت فترات زمنية طويلة واحدة من أرقى الاهتمامات التي يتوجه إليها الناس، غير أنها الآن صارت نسياً منسياً في ظل تعقد الحياة الحديثة وتعدد الانشغالات، فضلاً عن ظهور وسائل متطورة وجذابة استقطبت الكثيرين وفتحت المجال واسعاً لهوايات جديدة هزت عرش القراءة وجعلتها في غير المكانة التي تستحقها؛ إلا أن إمكانية استعادة القراءة لمكانتها قائمة باتباع جملة من الخطوات تبدأ بتشجيع الطفل على ممارستها وتنتهي بجعلها عادة يومية. نظرا لأهمية القراءة في دعم شخصية الإنسان وإكسابه معارف وخبرات متنوعة، حرصت «الاتحاد» على تحري أسباب عزوف الناس عن القراءة، وكيفية تحفيزهم على ممارسة هذه الهواية المفيدة، وتوضيح أهمية القراءة وأثرها النافع للفرد والمجتمع. في هذا الإطار، اقترحت خبيرة التنمية البشرية الدكتورة نوال الكتاتني خريطة طريق تتضمن عددا من الآليات والخطوات التي تسهم في التشجيع على القراءة، واستغلال المناسبات والفرص لحض الأطفال على ممارسة القراءة ما يعيدها إلى مكانتها اللائقة. أسباب العزوف حول أهمية القراءة، قالت الكتاتني إن القرآن الكريم يوضح أهمية القراء، ولذا جاء أول خطاب إلهي وجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه دعوة إلى القراءة والكتابة والعلم، لأنه شعار دين الإسلام «اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم» (العلق 3-5). وتأثر الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم بهذا الأمر وانكبوا على قراءة العلوم وفروعها ومناحيها المختلفة، وكان لهم إسهامات فعالة في إثراء مختلف العلوم وتطوره. وعن أسباب عزوف الناس عن القراءة، أجملتها الكتاتني في الافتقار إلى معرفة فوائد القراءة، وضعف الهمة والعزيمة والإرادة، وضعف المعرفة بكيفية القراءة والمطالعة، والانشغال بالأمور الحياتية الهامشية على حساب الأهم، وضعف تنظيم الوقت وإدارته بشكل متميز وفعال، وضعف وجود الحوافز المادية والمعنوية. واستعرضت الكتاتني أهمية القراءة في صياغة شخصية الفرد، وإكسابه خبرات ومعارف جديدة، وتنمية الشخصية، وتوسيع مدارك الفرد ورؤيته الشاملة للحياة، مبينة أن القراءة تعمل على التكيف الشخصي للمتغيرات السريعة والمستحدثات العصرية، واكتساب الآراء والأفكار والخبرات، وإشباع الحاجات النفسية والاجتماعية، وتنمية الفكر والوجدان والعاطفة، والقراءة ترفع الفرد فوق الاهتمامات اليومية، وهي تكسر الحواجز بينه وبين البشر، فنجده يتفاعل مع أفكارهم، إذ أن القراءة فرصة لمعرفة الآراء والأفكار والتعبير ما يقرأ ويبدي ملاحظاته وآرائه فيه، وهي أداة للتميز والتفوق التحصيلي، كما إنها من أهم الوسائل التي تنقل ثمرات العقل البشري، وتنمي وتنشط القوى الفكرية، وتهذب الأذواق، وتشبع حب الاستطلاع النافع، القراءة تجعل للفرد قيمة عالية في المجتمع. وأسهبت الكتاتني في استعراض أهمية القراءة، موضحة أنها فرصة للتفكر والتأمل للتخطيط لتحقيق الآمال والطموحات، وتساعد في حل المشكلات والأزمات، وتثير روح النقد للكتب والمجلات والصحف، وتكسب الفرد شعور بالانتساب إلى عالم الثقافة، وتساعد في اكتساب الفهم والاتجاهات وأنماط السلوك المرغوب فيه، ولها أثر في تنمية الثقة بالنفس والشعور بالراحة النفسية وتدعيم الشخصية، وتسهم في تحقيق التفاهم والحوار المتبادل والانسجام بين أفراد المجتمع. وسائل تحفيزية حول الوسائل الواجب اتباعها لتحفيز أفراد المجتمع على القراءة، قالت الكتاتني «خذ بالعزيمة والإرادة للقراءة والاطلاع، واقرأ على شكل وحدات متتابعة، وقسم ما تريد قراءته إلى وحدات، أو فصول، واغتنم ما يتلاءم مع الميول والاهتمامات والسهل من الموضوعات، ولخص ما تمت قراءته في دفتر مذكرات، أو أوراق وأحفظها في سجل، واستعن بالحيل مختصراً كلمات عند قراءة الكتاب لتتذكر ما قرأته، واربط ما تتعلمه بأشياء موجودة في ذاكرتك، فالذاكرة تحفظ الأشكال وتسترجعها أسهل من الكلمات، وارسم على شكل شجٌرة، أصلها العنوان الرئيس وفروعها العناوين الصغيرة، وتفريعاتها العناوين الأصغر على شكل خرائط ذهنية، ولا تهجر القراءة طويلاً فالوقت المنظم أعون على القراءة من الوقت الممزق، وأجواء المسجد ذات بركة، والبيت الهادئ، أفضل للقراءة. ووقت الصبح بعد الصلاة وافر العطاء، وفي الضوء المعتدل راحة أكثر للقراءة وللصحة وسلامة العين علي تشغيل العقل». وعن دور الأسرة في غرس حب القراءة لدى كافة أفرادها، لفتت الكتاتني إلى أهمية أن يكون البيت عامراً بمكتبة ولو صغيرة، تضم الكتب والمجلات المشوقة، وكان أفراد الأسرة ولا سيما الأب من القارئين والمحبين للقراءة، فإن الطفل سوف يحب القراءة والكتاب؛ فالطفل عندما يرى أباه وأفراد أسرته يقرأون، ويتعاملون مع الكتاب، فإنه سيقلدهم، ويحاول أن يمسك بالكتاب وتبدأ علاقته معه، منبهة إلى عدم إغفال الأطفال الذين لم يدخلوا المدرسة. وأضافت «لا بد أيضا من تشجيع الطفل على تكوين مكتبة صغيرة له على أن تضم الكتب الملونة، والقصص الجذابة، والمجلات المشوقة، ولا تنس اصطحابه للمكتبات التجارية لشراء الكتب والمجلات، وترك الاختيار له، وعدم إجباره على شراء مجلات أو كتب معينة، فالأب يقدم له العون والاستشارة فقط. كل هذا يجعل الطفل يعيش في جو قرائي جميل، يشعره بأهمية القراءة والكتاب، وتنمو علاقته بالكتاب بشكل فعّال». استغلال المناسبات أكدت الكتاتني أهمية استغلال الفرص والمناسبات لترغيب الطفل بالقراءة، وقالت إن «استغلال الفرص والمناسبات لجعل الطفل محباً للقراءة، من أهم الأمور التي ينبغي على الأب أن يدركها؛ فالمناسبات والفرص التي تمر بالأسرة كثيرة، ونذكر هنا بعض الأمثلة، لاستغلال الفرص والمناسبات لتنشئة الطفل على حب القراءة ومنها استغلال الأعياد بتقديم القصص والكتب المناسبة هدية للطفل. وكذلك عندما ينجح أو يتفوق في دراسته، استغلال المناسبات الدينية، مثل الحج والصوم، وعيد الأضحى لتقديم القصص والكتيبات الجذابة للطفل حول هذه المناسبات، والقراءة له، وحواره بشكل مبسط والاستماع لأسئلته، واستغلال الفرص مثل الرحلات والنزهات والزيارات، كزيارة حديقة الحيوان، وإعطاء الطفل قصصاً عن الحيوانات. واستغلال الإجازة والسفر، بحيث تتحدَّث الأم مع أفراد الأسرة عن المقالات والكتب التي قرأتها. وتخصيص وقت للحوار والنقاش فيها. بوجود الأطفال، والسماح لهم بالمشاركة في الحوار، وحاورهم في قراءتهم، وشجعهم على القراءة وعلى كتابة ما يعجبهم من القصص في دفتر خاص بذلك». وعرجت خبيرة التنمية البشرية على الآثار الإيجابية لانتشار القراءة بين أفراد المجتمع، قائلة إن «القراءة وسيلة الفرد للتنمية الفكرية والوجدانية، وهي وسيلته لإثبات ذاته في مجال عمله، حيث تجعله أكثر قدرة على أداء عمله والتجديد فيه والابتكار والتطوير فيه، ومن ثم التميز والتفوق على أقرانه، والقراءة تعتبر مصدر ابتكارات الأفراد فبمقدار ما يقرأ الفرد يسمو فكره وتظهر مواهبه وتتسع آفاقه وتبزغ ابتكاراته، وهذا ما يظهر في ابتكارات العلماء والأدباء والفلاسفة العظماء، كما إن القراءة هي وسيلة الفرد للقيادة الفكرية والاجتماعية والسياسية، حيث يرتقى الفهم والاستمرار في القراءة بالفرد من الطبقة الأدنى لطبقة الصفوة». وأضافت «القراءة هي وسيلة الفرد للمتعة والراحة النفسية؛ حيث ينتقل الفرد بالقراءة من المحيط الذي يعيش فيه إلى آفاق أرحب وأجواء أفسح لا تعقيد فيها ولا أزمات وخاصة في ظل هذا العصر الذي تعقدت وتأزمت فيه أمور الناس لدرجة كبيرة». هواية مفيدة حول عاداته القرائية، قال هاشم المهيري (موظف حكومي) إن القراءة تعتبر من أكثر الهوايات فائدة وإمتاعاً لمن يمارسها، فقديماً قالوا إن الكتاب هو أوفى صديق وهو بالفعل ما أثبتته الأيام والتجارب الواقعية التي مر بها، فكم من الأصدقاء يبتعدون عنك بسبب خلاف بسيط أو عدم تقدير لظروف وانشغالات الحياة، بينما الكتاب لا يفارقك ابدا وكل ما اقتربت منه استفدت اكثر من حيث المعلومات المتجددة والخبرات المتنوعة التي نكتسبها من القراءة. ولفت إلى أنه يحاول قدر استطاعته إيجاد وقت مناسب للقراءة ولو لساعتين أو ثلاث أسبوعياً، وعلى الرغم من أن هذه الفترة تعتبر قليلة نسبياً بالنسبة لشخص محب للقراءة مثله، إلا أن التزاماته الأسرية وضغوط العمل والحياة، تجعل من هذه الساعات القليلة فرصة ذهبية للذهاب في رحلة ممتعة مع عالم القراءة والإبحار في أفكار وتجارب البشر وهو ما لا يمكن أن نجده سوى بين الأوراق والسطور. زميله رائد الشيباني تَأَسَّف كونه فارق القراءة منذ سنوات عديدة عقب انتهائه من دراسته الجامعية وانخراطه في الحياة العملية، مؤكداً إيمانه بأهمية القراءة في توسعة الأفق وإكساب الشخص المثقف سمات شخصية مميزة، لافتا إلى أن العمل صار يأخذ منه أغلب ساعات النهار والباقي يقضيه بين الأهل والأصدقاء، بالتالي لم يعد هناك فرصة كافية للقراءة والاطلاع، غير أنه يقرأ بين الحين والآخر كتب تتعلق بالتنمية البشرية والعلوم الإدارية كونها ترتبط بشكل مباشر بطبيعة وظيفته الإدارية وتساعده على تطوير أدائه الوظيفي. من ناحيته، ذكر مهندس الإنشاءات إحسان كمال أن القراءة تعتبر جزءً أساسيا من طقوسه اليومية، غير أنها لم تعد تعتمد فقط على الكتاب الورقي كما كان الحال في الماضي، بل يطالع ما يتوافر منها على الشبكة العنكبوتية، فضلاً عن مطالعة عدد من الصحف العربية والبوابات الإلكترونية التي تنشر أحدث الأخبار. وأكد كمال أنه ليس من الضروري أن يتمسك الشخص بالنمط التقليدي للقراءة حتى يعتبر نفسه قارئا أو مطلعاً، بل قد يكون ذلك عبر الكتب المنشورة عبر التقنيات الحديثة مثل شبكة الإنترنت وغيرها من وسائل التكنولوجيا المتطورة، ومع ذلك يبقى للكتاب المطبوع نكهة خاصة لدى قراءته، ومتعة كبيرة لا يدركها إلا من جبل على تصفح الكتاب وملامسة صفحاته بأطراف أصابعة، فضلا عن أن الكتاب المطبوع أكثر صدقية من غيره من مصادر المعرفة. وتعتقد روان عبدالحميد (ربة بيت، وأم لأربعة أبناء) أن ارتفاع أسعار الكتب القيمة، وكثرة الضغوط المادية والمشاغل الحياتية جعلت الكثيرين يعزفون عن القراءة، خاصة وأن كثيرا من هذه الكتب صارت متوافرة أغلب الوقت على الشبكة العنكبوتية، ما يجعل الفرد يشعر أنه يمكنه أن يقرأ منها ما يشاء وفي أي وقت يشاء، وفي النهاية لا يقرأها وبالتالي يبتعد عن القراءة شيئاً فشيئاً، وهو ما حدث معها بالفعل، حين قامت بتنزيل مجموعة من الكتب الدينية وقصص الأنبياء من الشبكة العنكبوتية على أن تقرأ منها يومياً بشكل منتظم، ولكنها بعد أن فعلت ذلك مرت شهور بل وسنوات، ولم تقترب من هذه الكتب ولا زالت تأمل في إيجاد الوقت المناسب لقراءتها.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©