الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المكتبة الوطنية بباريس كنز من المخطوطات الإسلامية

المكتبة الوطنية بباريس كنز من المخطوطات الإسلامية
24 نوفمبر 2012
المكتبة الوطنية بباريس واحدة من أكبر المكتبات في العالم، وتمتلك عدداً كبيراً من المخطوطات العربية والإسلامية، ولا سيما المزودة بالتصاوير، فضلا عن مجموعة ضخمة من العملات الإسلامية، ويصعب على دارسي الفنون الإسلامية تجاهل المقتنيات الثمينة لتلك المكتبة إذا ما كانوا راغبين في منح أعمالهم العلمية صبغة الجدارة الموضوعية. أحمد الصاوي (القاهرة) - تخضع المكتبة الوطنية بباريس، التي تعد مؤسسة عامة بإشراف وزارة الثقافة، وهي مفتوحة للجمهور للاطلاع على مقتنياتها ولا سيما من الكتب المطبوعة بفرنسا، والتي يوجب القانون إيداع نسخ منها بالمكتبة. ومن الناحية التاريخية عرفت أولا بمكتبة الملك، حين قام الملك شارل الخامس “الحكيم” بإنشاء مكتبته الغنية بالمخطوطات ببرج الصيد بالصقور الملحق بقصر اللوفر في عام 1368م ثم جاء من بعده لويس الحادي عشر “1461-1483م” ليعزز من رصيد المكتبة من الكتب حتى يعد المؤسس الحقيقي للمكتبة الوطنية. الإيداع القانوني نقلت المكتبة بعد ذلك لمبنى مستقل في “بلوا” ثم شيد مبنى جديد لها في “فونتين بلو” في عام 1522م بأمر من آنا فرانسوا، وفي عام 1537م أمر الملك بإلزام الناشرين كافة وضع نسخ من مطبوعاتهم بالمكتبة الملكية، فيما يعرف باسم الإيداع القانوني. وبدءاً من عام 1666م خلال عهد لويس الرابع عشر نقلت أعداد من المخطوطات من قصر اللوفر للمكتبة، كما دشنت سياسة تلقي الهدايا من المكتبات الخاصة، ما أدى إلى نمو هائل في حصيلة ما تملكه المكتبة. وكان لانضمام “نيكولا كلمنت” في عام 1670م لإدارة مكتبة الملك أثر فعال في تزويدها بالفهارس العلمية لمقتنياتها. وفي عام 1720م صدر مرسوم ملكي بفتح المكتبة أمام الجمهور للمرة الأولى، وذلك لمدة ساعتين من 11 إلى 1 ظهرا في يوم واحد فقط بالأسبوع. وعلى الرغم من الاضطراب الذي رافق أحداث الثورة الفرنسية، والذي أدى لإغلاقها فإنها سرعان ما استعادت عافيتها وشهدت في عصر نابليون قفزة نوعية كبيرة بفضل الحروب التي خاضها في القارة الأوربية وفي مصر والشام أيضا إذ حرص نابليون على تزويد المكتبة التي عرفت لاحقا بالمكتبة الإمبراطورية بما استولى عليه من الكتب والمخطوطات إبان حروبه. والمكتبة الوطنية بباريس مدينة بمجموعاتها الأولى من المخطوطات العربية والإسلامية بل والعملات الإسلامية لعلماء الحملة الفرنسية على الشرق “1798-1801م”، والذين قاموا بنقل مكتبات بكاملها من قلب القاهرة إلى باريس ومنها مكتبة الجامع الأزهر ثم زادت هذه الحصيلة بشكل ملحوظ مع احتلال فرنسا لبلدان شمال أفريقيا من المغرب إلى تونس، وعقب الاحتلال الفرنسي لبلاد الشام في أعقاب الحرب العالمية الأولى. ومن المعروف أن النمو الهائل في أعداد المقتنيات بالمكتبة والحاجة لتطوير الأداء لخدمة روادها أدى لإنشاء مجمع مبانٍ جديدة للمكتبة الوطنية في عام 1988. أعمال فنية نادرة تتميز المكتبة الوطنية بباريس بما تصدره من فهارس وكتالوجات لمقتنياتها أخذا في الاعتبار أنها تمتلك أعدادا هائلة من المخطوطات والكتب والخرائط والنقود والميداليات من مختلف أنحاء العالم. وتقدر أعداد المخطوطات والكتب العربية والإسلامية بالمكتبة الوطنية بباريس بنحو 6 ملايين مخطوط وكتاب. وتجدر الإشارة هنا إلى أن المكتبة أصدرت في نهاية القرن التاسع عشر أول كتالوج للعملات الإسلامية المحفوظة بها على يد العالم الفرنسي “هنري لافوا” وتوالي المكتبة تحديث هذا الكتالوج إلكترونيا حتى يومنا هذا. أما حصيلة المخطوطات العربية والإسلامية المحفوظة بالمكتبة فهي فضلا عن ضخامة أعدادها وتغطيتها الواسعة لمختلف أقاليم العالم الإسلامي من الهند شرقا إلى الأندلس غربا، تضم بعضا من الأعمال الفنية النادرة ولا سيما من المخطوطات المزوقة بالتصاوير التوضيحية لموضوعاتها الأدبية والعلمية والتاريخية. ومن أهم المخطوطات التي تقتنيها المكتبة الوطنية بباريس نسخة من كتاب “مقامات الحريري” أقدم كتاب أدبي عربي للقصص القصيرة وهي تعرف باسم ناسخها ومصورها “يحيى بن محمود الواسطي” وهو رسام ولد بقرية واسط جنوب العراق، وقد أنجز تلك المخطوطة في عام 1237م، وزودها بمائة صورة تعبر عن أحداث مقاماتها الخمسين. وعلى الرغم من أن للواسطي مخطوط آخر من المقامات بمكتبة بطرسبرج في روسيا إلا أن مخطوط باريس يتميز بسلامة تصاويره من أعمال التشويه التي لحقت بمخطوط بطرسبرج. وكان الواسطي يستعمل الحبر الأسود ويخلطه ببقايا حرق ألياف الكافور ويمزجها بزيت الخردل وبعض الألوان الأخرى التي كان يقوم بتحضيرها بنفسه. أجمل تصاوير من أجمل تصاوير الواسطي بهذه النسخة من المقامات صورة توضح الاحتفال برؤية هلال شهر رمضان وهي تمثل مجموعة من الفرسان على ظهور الخيول، وقد خرجت في موكب احتفالي حاملة الرايات والبنود بينما يقوم شخص بقرع طبل يحمله على فرسه وينفخ آخران في الأبواق، ويبدو واضحا أنها كانت طريقة التنبيه بقدوم رمضان شهر الصيام في بغداد وما حولها من مدن العراق. ونلمح في تلك الصورة الأسلوب الخاص للواسطي أبرز فناني المدرسة العربية للتصوير أو مدرسة بغداد إذ كان حريصا على إضفاء طابع من الحيوية والحركة على تصاويره مثلما نرى في تنويعه لحركات الخيول وألوانها أيضا على الرغم من أنه رسمها جميعا على خط واحد وتعطينا رسوم الأشخاص فكرة وافية عن الملابس والعمامات التي كانت شائعة الاستخدام بالعراق في تلك الفترة من القرن السابع الهجريِ. وبالمخطوط عدد من الصور التي توضح بعض مظاهر الحياة اليومية بالعراق مثل موكب الخروج للحج والصلاة داخل المساجد وحياة القرى والمزارعين. ومن المخطوطات المهمة بالمكتبة نسخة من كتاب “كليلة ودمنة” أنتجت بإيران خلال العصر التيموري ونسخة عربية من كتاب “الترياق” لجالينوس تم إنجازها في عام 595هـ “1199م”. ومن تصاوير تلك المخطوطة واحدة تمثل أشخاصا يعملون في حقل. وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام، في أوسطها ثلاثة رجال يرتدون ملابس العمل وأحد هؤلاء العمال يحصد الزرع وأحدهم يحفر الأرض، ونجد سيدة تحمل فوق رأسها صينية عليها أطباق وتمسك بيدها دورق وفي القسم السفلي من الصورة رجل يجلس على النورج ورجل يمسك مدراة وبجانبه رجل أخر يظهر خلفه حمار. كما تمتلك المكتبة بعضا من الصور الشخصية لحكام ووزراء من الهند أثناء حكم أباطرة المغول، ولتلك الصور أهمية تاريخية توثيقية إلى جانب أهميتها الفنية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©