الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جماليات الخط العربي بالريشة الفارسية

جماليات الخط العربي بالريشة الفارسية
26 مارس 2009 02:34
تعتبر مساهمة الخطاطين الإيرانيين في تطوير الخط العربي ـ الإسلامي من أبرز المساهمات الفنية في هذا المجال، وذلك إلى جانب بعض الدول الإسلامية مثل تركيا والباكستان وغيرهما· وربما كانت المساهمة الأبرز تتمثل في ابتكار الخط الفارسي المتميز الذي يجمع بين النسخ والتعليق حيث قام الخطاطون الإيرانيون بعملية دمج ومزاوجة بين خطي النسخ والتعليق العربيين وبذلك أصبح يعرف في ما بعد باللغة الفارسية بخط ''النستعليق'' الذي قدم جماليات الخط العربي على نحو غير معهود· فهو يمتاز بسهولته ووضوحه وانعدام التعقيد فيه· ولا يتحمّل التشكيل، رغم اختلافه مع خط الرقعة· ويعد من أجمل الخطوط التي لها طابع خاص يتميز به عن غيره، إذ يتميز بالرشاقة في حروفه فتبدو وكأنها تنحدر في اتجاه واحد، وتزيد من جماله الخطوط اللينة والمدورة فيه، لأنها أطوع في الرسم وأكثر مرونة لا سيما إذا رسمت بدقة وأناقة وحسن توزيع، وقد يعمد الخطاط في استعماله إلى الزخرفة للوصول إلى القوة في التعبير بالإفادة من التقويسات والدوائر، فضلاً عن رشاقة الرسم· وقد طوّر الإيرانيون هذا الخط، فاقتبسوا له من جماليات خط النسخ ما جعله سلس القياد، جميل المنظر، لم يسبقهم إلى رسم حروفه أحد، وقد (وضع أصوله وأبعاده الخطاط البارع الشهير مير علي الهراوي التبريزي المتوفى سنة 919 هجرية)· ونتيجة لانهماك الإيرانيين في فن الخط الفارسي الذي احتضنوه واختصوا به، فقد مرّ بأطوار مختلفة، ازداد تجذراً وأصالة، واخترعوا منه خطوطاً أخرى مأخوذة عنه، أو هي إن صح التعبير امتداد له· وبمرور الزمان حظي خط النستعليق بالإعجاب والتقدير من قبل الأمم والثقافات العالمية الأخرى وأصبح له مهتمون ومعجبون كثر وبات معروفاً وشائعاً لدى المهتمين بهذا الفن حيث أصبح النستعليق له هويته المستقلة وشخصيته الخاصة لينتخب بعد ذلك بأنه الخط الرسمي للإيرانيين· كما أنه يوصف بـ'' عروس الخطوط'' نظراً لجماله ولما تمتاز به حروفه من اختزال أدبي ومعنوي وروحاني يكون القاسم الثقافي المشترك لشعوب العالم الإسلامي معتبراً النستعليق الجسر الحضاري المتين الذي يربط إيران بالدول العربية والإسلامية· ورغم هذه المساهمة المهمة يكاد يكون الفن الإيراني غائبا عن المشهد الفني العربي، لولا بعض المعارض القليلة التي تقام هنا وهناك· ومن هذه المعارض معرض غلب عليه حضور أعمال الخط العربي أقامه غاليري ''اللمسة الأخيرة''، في القرية العالمية في دبي، لستة من الفنانين الإيرانيين، حيث جمع المعرض بين أعمال الخط العربي لأربعة من الخطاطين، وعدد من الأعمال الزخرفية ولوحات الطبيعة الصامتة، والخطاطون المشاركون في المعرض هم محمد نباتي ومحمد حيدري ومجتبى سبزة وحسين تنكابني، وتشارك طاهرة رضائي بعدد من لوحات الطبيعة الصامتة، بينما يشارك بهمن شريفي بأعمال زيتية تعبيرية· في المعرض تنوعت أساليب الفنانين وأنواع الخطوط، فقدم كل منهم نمطا مختلفا من الخط العربي والزخرفة الإسلامية، متخذين من الآيات القرآنية نموذجا لإبراز جماليات الحرف العربي، حيث برزت في المعرض حروف الألف واللام والميم لدى البعض، بينما اعتمد البعض الآخر على حروف الجيم والحاء بما تمتلك من إمكانيات الرسم والتصوير· تتميز أعمال محمد نباتي بحضور كثيف للزخرفة التجريدية حول الآية القرآنية، فهو يتكئ على عبارة ''الله جل جلاله'' بالخط النسخ التقليدي، كما يلجأ إلى بعض الآيات القرآنية الشهيرة كآية الكرسي، وقد يكتفي بالإطار الزخرفي بلا كلمات· أما طاهرة رضائي فهي تميل إلى استخدام الزخرفة لتأطير زهورها البيضاء والحمراء· ويستخدم الفنان محمد حيدري خط الثلث لتقديم لوحة حروفية تتداخل حروفها ويستغل فيها جماليات حروف مثل الميم والقاف والامتدادات التي تنطوي عليها· وفي أعمال حسين تنكابني نلتقي بامتزاج الزخرفة مع الأشكال الهندسية من دوائر ومربعات ومزهريات مذهبة، أما أعمال مجتبى سبزة فهي تقوم على استغلال حرف الهاء في صور مختلفة، مؤطرا الآيات القرآنية بأطر زخرفية تقليدية، مازجا ذلك باللون الذهبي· وهكذا، يجمع هؤلاء الفنانون في نماذجهم بين الومضة الفنية والإضافة الذكية والقدرة على التجديد· وهنا نتعرف على نقطتين أساسيتين هما الشكل الفني لديهم أولاٌ والبناء الإنشائي في الوصول إلى التكوينات الجميلة ثانياً· كما نكتشف أهم مواطن جمال الخط الفارسي من حيث ليونة حروفه واستدارتها التي تدل على روعة وفن في التنسيق والرشاقة والمد والدوران وذلك يرجع إلى طريقة كتابة حروفه خصوصاً عند اتصال بعضها ببعض بضخامة أقل فتظهر الحروف جلية ويبرز جمالها نظراً للتباين واختلاف ضخامة الكتابة في الكلمة الواحدة الأمر الذي تفتقده بقية الخطوط· وفي ما يتعلق بتطور هذا الفن في ظل الدولة الإسلامية الإيرانية، يرى أحد الفنانين ومن الطبيعي أن تدعم الدولة مثل هذه الأعمال ذات المغزى والمضمون والتوجه الديني والعرفاني والمعنوي، لأن الدولة هنا دولة إسلامية، ومن الطبيعي أن تشجِّع وترحب بمثل هذه الأعمال، وعلى ذلك فبالإمكان الاستنتاج أن عدداً كبيراً من الفنانين أصبح لديهم توجُّه واهتمام بما تريده وتهتم به الدولة، وفي هذا السياق شاع فن الخط وتنامى أكثر، ربما بمرات مقارنة بالفنون الأخرى، وهو ما يصب في اتجاه تبيين وتصوير الكلمات المقدسة والكلمات ذات المغزى والمضمون والتي شاعت في أوساط المجتمع، وقد كان تأثير ذلك إيجابياً، لأن عامة الناس عندما ينظرون لمثل هذه الأعمال الفنية يشعرون بأنهم يستلهمون منها ما يرتفع ويحلق بنفوسهم إلى آفاق أفضل، فالخط اقترن بالمعاني المقدسة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©