الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خالد محمد أحمد.. فكرة تنجب أفكاراً

خالد محمد أحمد.. فكرة تنجب أفكاراً
4 ديسمبر 2013 19:21
أبو خلود.. في البقعة ما بين نهري الكتابة، في منطقة الزمن الجميل، تخبئ أنت كراستك، متفادياً الضجيج، ولكنك في المشهد تراك العيون، من خلاله مرآة لم يصبها بعد الغبار، في الذاكرة، تتمادى الصورة، في بث اللواعج كأنها قطرات الندى، كأنك يا سيدي، ماشياً على رمل التاريخ، تقرأ الملامح عن بعد، وتفضي إلى زقاق المعرفة، بعقل يزدهر بألوان الطيف الثقافي، كأنك يا سيدي ذاهباً في الذاكرة ترتل آيات حبلى، في هدأة المكان، مستدعياً كل ما جاءت به الفصول على مراحل العمر، التي أصبحت شجرة وارفة الظل، طيورها أفكار ما بعد هدير الموج. راحة الحبر أبو خلود.. لا يسع الفكرة إلا أن تنجب أفكارا، والأجنحة أحداث تلاحقت وتلاقحت، حتى امتلأ وعاء القلب بالماء الساخن، حتى بدت الروح كأنها سحابة شفيفة، تعانق أنفاس امرأة والهة، وأنت.. أنت يا سيدي الذي من رائحة الحبر لونت أفكارنا، ومن جلسات نصف النهار، أثريت أوراق أشجارنا، ولما ذهبت أتيت ثانية تحدق في صفحات الأيام، ودون أن تحضر أحضرت كل الأوراق والأشواق، ثم اكتفيت بالغياب متذرعاً باللاجدوى. أبو خلود.. مهنة المتاعب، أنهكت الكثيرين، ولكن جملك يا سيدي لم يزل يقطف من أعشاب هذه الغافة العظيمة، وينظر إلى الصحراء بحصافة الصحف، ولباقة النبلاء، ويكتفي بالبوح صمتاً مجللاً، بالشؤون والشجون، وفنون ما يجيش في الوجدان من وجد، ومجد الأيام الخوالي. أبو خلود.. كيف للأنهار أن تتحاشى تربة الخصب، ولا تنمو زهرة الرمان، عند خاصرة الكون الفسيح.. كيف للجياد أن تثب، والفرسان لم يطلقوا العنان، وكيف.. وكيف يا سيدي للتاريخ أن يصبح كثيباً مهملاً، تتقاذفه رياح النسيان، وأنت يا سيدي الجبل، وأنت المقلة المحدقة في غضون السماوات، تبحث عن نجمة غابت تحت وشاح غيمة جاهمة، وأنت في العذوبة ماء وبرد، ذبت في التعب، ذبت في المكان، والأسئلة لم تزل تفتح أفقاً مديداً، يمتد مداده ومداه، حتى آخر نفس، حتى آخر شهقة تبلل جدران الوقت، ولا تخفي سراً.. أبو خلود.. لم تزل أنت في المكان والتاريخ، وفي عبقرية العطاء، النار والسوار، والطور والحوار، تتجلى كائناً ازدهر بالحُلُم والحِلمِ، وما ضعفت إرادة الحالمين في تعداد أوصاف حِلمك. أبو خلود.. تمتزج السنوات بالعمر والتطلعات، نصير نحن المدنفين بالخلود، طيوراً تحط على أغصان الشجر، نقطف الثمرات بمرارة، ثم نصفق الأجنحة مبتعدين ذاهبين في المدى، وتتبعنا الأسئلة، ووجوه من أحببنا ورافقنا وتقاسمنا معهم رغيف الشغف، لأشياء كانت صغيرة، لكنها كبرت الآن، واستدارت أقمارها، أصبحت في فلك الذاكرة، كأنها الكون بحذافيره.. أبو خلود.. ربما أصبحت المسافة ما بين الأجساد أبعد من التضاريس التي تحيطنا، ولكن يبقى للأرواح أجنحة، ورائحة وقنوات حبلى باستيلاء الصورة، فتبدو هذه واضحة، ناضحة بالمعاني، ناصعة ساطعة، تتلألأ في مرايا الفكرة كأنها النجوم، الهاربة من غيمة غاشية.. أبو خلود.. ربما تحتال الأزمنة علينا، وتخطفنا المراحل منا، ولكن هناك في العقل الباطن، مساحة للمشهد الأصيل، يتجذر كأنه السدرة العريقة، كأنه الصورة الأنيقة، كأنه الشفق يتشقشق من بين أحشاء الكون ويرسل خيوطه الذهبية، لينسج حرير الذاكرة بالحياة والحيوية. أبو خلود.. الكلمات لا تكبر بمن تصفهم، ولا تنضج إلا بمن تحتفي بهم، ولا تتفتح أزهارها إلا عندما تشم رائحة الذكرى المنسابة من حقول زمان فيه الإنسان سيد المكان، وكان المكان زاهياً بالأحلام النبيلة. هلموا للنجاح أبو خلود.. كجناح الطير رفرف على غصن الاتحاد، ثم حلق في فضاءات العزلة، كقديس يغفو في دياجير الدجى باحثاً عن لغته، رافعاً الأسئلة متوحداً مع ذاته المفعمة بالنشيد الكوني، الذاهب في تلافيف الحب الوجودي القابض على جمرة الصبر، المحدق في صفحات النجوم، متوهجاً بالنقاء والصفاء، كبصمة الأنبياء، بجبين يشرق بالحلم الوضاء، وابتسامة تورق على الثغر كأنها ثمرة اللوز معبقة برائحة الأرض، بعشب الماء، مستفيقاً أنت دوماً، ناهضاً نحو غايات الوفاء، في طلتك، تزهو الأقمار، والأزهار، والأوار، والأدوار، والديار، لأنك أنت السُّوار، وأنت المدار والحوار المسهب بالنث والحث، وما دار في خُلد السماء من خَلْقٍ وأخلاق، معتنقاً استثنائيتك في الوصف والنَّعْت، وأنت من نحت الحرف في الصحائف والكتب، أنت من استثناه الليل ضياء، وحاوره النهار إصطفاء، وجاورته السحب، سعياً لاستقطاب ما يبديه ويسديه القلب الكبير من نث، وحث، وبث، وأنت يا سيدي الذي لجيل من بعدك، هذي بلادكم وأنتم عمادها وعتادها، وأنتم شموخها ورسوخها وأنتم النون والقلم وما يسطرون، وما ينقشون على وجه القمر من صور وسور، ومن نار وثلج، ومن صبوة المهج، أنت يا سيدي من أسرجت الجياد، لعلها تتذكر وتفكر ولكن قلّما اليوم من يحتفظ بقلب نبضة الحب، ولونه لون الزهر.. أنت يا سيدي من رَبَتَ على الأكتاف قائلاً: هلموا للنجاح، فالوطن وعاء، أنتم زاده ومراره وسواده، وأنتم.. أنتم، الحبر والقلم، وأنت الخبر وخير الكَلِم. أبو خلود.. يقول أحد الفلاسفة: “إننا نحتضن كل شيء ولا نقبض إلا الهواء” وهكذا هي الحياة يا سيدي، فعندما لا نشعر بأهمية الأشياء في وجودها، فإننا نفتقدها عند الغياب، بل تكون أكبر حجماً، وقامة ومقامة واستقامة وتوأمة، أنت يا سيدي القائمة والقوامة، أنت الاستدامة في الذاكرة، لأنك بداية الفكرة وآخر العِبرة، وما جاش في الخاطر يبدو كأنه الموجة المتهدجة عند ساحل هجرته الطيور، ولم تبق سوى المحارات الفارغة، تغذي جفافها بالضجيج دون جدوى، وستلقي على رمل البلل كأنها في حالة مخاض يائس.. أنت يا سيدي، التصريح الأخير في الذاكرة، وأنت السفينة المسافرة في محيطات الزمن، وأنت الموجة المحاورة لسكون الليل وهدأة المكان، وأنت.. أنت الجملة المجاهرة بالحقيقة. أبو خلود.. في المدينة العامرة، تحفظ أو ربما لا.. نشيد الأيام ونخوة الزمن الجميل، وتسكب رحيق الذاكرة، متأملاً المشهد ببصر وبصيرة، مزملاً بالحب، لمشاهد وصور، وشخوص مروا من هنا، من زقاق القلب من بقعة غائرة في الروح، تتذكر أشياؤك الثمينة، في المكتب الموقر، وتتذكر من مروا ثم فروا، ثم غادروا وتنحوا عن وظيفة الكلام، بغية الاسترخاء في حضن الأرض، في جوف كون أبعد من التضاريس، تتذكر أساتذة وتلاميذ، وفصولا ومفاصل من زمن لم يطوِ سجله، ولم يقل سآوي إلى جبل يعصمني من الكلام، تتذكر والأحلام أجمل ما يملكه الإنسان حين تكون الحقيقة أشبه بالطائرة المخطوفة. تتذكر يا سيدي، وأنّا لك الذكرى، لك الصورة ممنتجة بأنامل محترفة، غارفة من معين الفكرة، ما يجعلها تضيء صفحة الحياة، وتملأ الجهات بالهديل الجميل. أبو خلود.. النعيم يا سيدي، يكون طوق الأعناق، حين تكون الأحداق أشبه بالنجوم، تجدل ضفائر الوقت، بخيط الحرير، وتغني للحياة، كائنات طرّزت قماشة الروح بالأمل، وفي المعصم أسور الفرح، وأنت يا سيدي أنعمت على الكلمة بفيض من تفاني وإيثار وطهَّرت الحبر بماء الجبين، وأمعنت في الحنين إلى جبال من ذكريات إلى وجوه قد تكون التجاعيد قد حفرت أخاديدها على التربة القديمة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©