السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تمايزات الفقيه والمثقف

تمايزات الفقيه والمثقف
4 ديسمبر 2013 19:22
يصدر كتاب د. خالد زيادة “الكاتب والسلطان.. من الفقيه إلى المثقف” في وقته تماماً، حيث فجرت الأحداث الراهنة، مجموعة من التساؤلات حول دور المثقف بالنسبة للدولة وللمجتمع، القضية ليست جديدة، كانت مطروحة دائما، لكن الآن بات الإلحاح عليها اكثر واشد، فقد اتهم المثقف العربي بأنه ساند، في كثير من الأحوال، الاستبداد والتسلط السياسي، ولم يكن انحيازه دائما إلى الجمهور، من جهة أخرى لا ينكر احد أن من تصدى للاستبداد طوال الوقت وطالب بالإصلاح حيناً أو التغيير السريع “الثورة” حينا آخر كان هو المثقف أيضا، أي أن شريحة من المثقفين هي التي قاومت الاستبداد. يناقش د. زيادة هذه القضية في فترة تاريخية ممتدة من مطلع القرن السادس عشر وحتى القرن التاسع عشر في فترة البداية كانت دولة المماليك تتداعي أمام دولة العثمانيين حين غزا سليم الأول مصر والشام، صحيح أن سليم ترك على حكم مصر “خاير بك” احد رجال الغوري وكذلك ترك في دمشق “جان بردي الغزالي” وكان معينا، من قبل، في زمن الغوري أيضاً، لكن بعد سليم جاء ابنه السلطان سليمان الذي أخذ يغير النظم المعمول بها، خاصة فيما يتعلق بوضعية الفقهاء والعلماء، الأمر الذي رصده ابن اياس بدقة شديدة وانتبه إليه كل من خاير بك والغزالي، لكن، لم يكن بإمكان أي منهما أن يفعل شيئا، تجرع كل منهما المرارة والسم، فقد خان كل منهما السلطان الغوري لصالح سليم الأول طمعا في مقعد السلطة. كاتب الديوان الكاتب الذي يتحدث عنه المؤلف، هنا ليس هو المثقف الكاتب بالمفهوم المعاصر الذي يبدع نصاً أدبيا أو يقدم موقفا فكريا، لكنه كاتب الديوان وبمعنى أدق من كان يطلق عليه في مصر حتى وقت قريب “الباشكاتب” الذي يعمل في الديوان ويكتب القرارات والأوامر ومحاضر الاجتماعات وغيرها، وهؤلاء في العصر العثماني كانوا يكتبون بخط صغير وبطريقة لا يفهمها غيرهم، بمعنى انه كان لديهم ما يمكن أن يطلق عليه سر المهنة الذي لا يمنحونه لاحد غيرهم. الكاتب والمثقف المعاصر يقابله في الدولة العثمانية وما قبلها الفقيه، ويضع د. خالد يده على نقاط التمايز بين الفقيه والمثقف، ليس من باب المفاضلة فكل منهما كان نتاج الظرف السياسي والاجتماعي المعاصر، لم يكن الفقيه معارضا للسلطان ولا للخليفة، بل لم يكن الفقيه يهتم بأن يكون له دور سياسي، ويرصد المؤلف اكثر من موقف لعلماء مصر والشام، كان يطلب لأسباب خاصة منهم الاضطلاع بأمور السياسة والسلطة، فكانوا يأبون، لان ذلك ليس دورهم ولا شأنهم، حدث ذلك في مصر حين جاء نابليون وأراد من العلماء أن يتحملوا هم مسؤولية الحكم بدلاً من المماليك والأتراك فرفضوا بشدة، وهل ننسي موقف السيد عمر مكرم نقيب الأشراف الذي قدم السلطة لمحمد علي في عام 1805 ولم يرد بخاطره أن يأخذها لنفسه ولا لغيره من العلماء أو الفقهاء. كان للفقيه تميزه الخاص، فقد كان ينتمي إلى المجتمع المدني اكثر، مرتبط بمدينته ومنطقته، أو المجتمع الأهلي، بمعنى أن دخله المادي والاقتصادي لا يعتمد على السلطان والسلطة، قد يمنحه السلطان هدية ما، لكن دخله ومعاشه يعتمد على الأوقاف، التي يوقفها أهل الخير عليهم وعلى مدارسهم أو للدور الذي لعبوه في الالتزام، فقد نالوا حصصا من الالتزام، الأمر الذي مكن بعضهم من تكوين ثروات ضخمة، ويلاحظ د.زيادة أن الفقهاء والعلماء في مصر كانوا يأتون من عامة الناس وفقرائهم ثم يصعدون السلم الاجتماعي بعلمهم وفقههم فقط، أي أن العلم والفقه لم يكن يورث، وتلك عملية ديمقراطية تلقائية كانت تتم، في زمن كانت السلطة فيه تورث من الأب لابنه، بينما كان العلماء في الشام يتركزون في بعض العائلات ومن ثم كان العلم يورث من الأب إلى الابن، والعائلة العلمية كانت ترتبط ـ غالبا ـ مع بيت الامارة والحكم. الفقيه كان يمكن أن يمارس عمله طوال حياته ولا يذهب إلى السلطة أبداً وليس محتاجا إليها ولا مضطرا لفعل ذلك. المثقف المعاصر أمره مختلف تماما، والنموذج الذي يتوقف عنده خالد زيادة هو رفاعة الطهطاوي ثم علي مبارك في مصر وخير الدين التونسي في تونس، هؤلاء جميعا كانوا أبناء الدولة، فهم تعلموا في مدارس الدولة وذهبوا إلى بعثات تنفق عليها الدولة والأخطر من ذلك أن المثقف الذي تكون في مدارس الدولة لن يكون لديه عمل إلا في الدولة، هكذا كان دور الثلاثة، كل في موقعه ونطاق اختصاصه. ابن الدولة المثقف هو ابن الدولة من اللحظة الأولى ويعمل في سياقها، وقد حقق كل منهم مشروعه الإصلاحي والثقافي من خلال الدولة، هكذا لعب الطهطاوي دوره في تطوير وازدهار مدرسة الألسن، زمن محمد علي وكذلك أسس علي مبارك مدرسة دار العلوم في عهد الخديو إسماعيل ودار الكتب الخديوية، وضمنت الدولة لهذه المؤسسات أن تستمر ويتواصل عملها حتى اليوم. ولمصر خصوصية في ذلك، تتمثل في أن لديها دولة مركزية قديمة منذ العصر الفرعوني، وكان كاتب الديوان موجودا منذ ذلك العصر، لمحناه في أزمة الفلاح الفصيح واستمر هذا الدور فيما بعد، تحت مسميات مختلفة، لذا لم يكن غريبا أن يستمر دور الكتبة الأقباط حتى مجيء محمد علي، حيث فتح المدارس التي جعلت هذه المهنة متاحة للجميع وليس كما كان من قبل يتم توارثها بين بعض الأقباط. صدر هذا الكتاب لأول مرة عام 1991 في بيروت وكان عنوانه مختلفا “كاتب السلطان.. حرفة الفقهاء والمثقفين” ومع إلحاح الظروف الحالية وشدة اللغط والجدل حول دور المثقفين وعلاقتهم بالسلطة وبالدولة في أنحاء العالم العربي تم تغيير عنوانه وإعداد مقدمة جديدة له. مؤلف الكتاب أكاديمي ومثقف لبناني متميز، له العديد من المؤلفات والأعمال العلمية، وعلى الرغم من أنه سفير لبنان لدى مصر ومندوبها الدائم في جامعة الدول العربية لكنه معروف في مصر بخلفيته الأكاديمية وإنجازه الثقافي والعلمي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©