الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحيوان.. هذا الفيلسوف الحكيم

الحيوان.. هذا الفيلسوف الحكيم
4 ديسمبر 2013 19:24
قد يثير عنوان هذا الكتاب: “هل ان الحيوان فيلسوف؟” L’animal est-il un philosophe?: Poussins kantiens etbonobos aristotéliciens الاستغراب، أو ربما يدعو إلى الضحك، ولكن المتصفح لمختلف فصوله يكتشف صفحة بعد أخرى، وفصلاً بعد آخر، أن ما يجري في «رؤوس» الحيوانات وأجسامها هو حقاً عالم مدهش، فالمؤلف يفتح لنا أبواباً كثيرة للمعرفة واكتشاف عالم نجهله ليستنتج ـ اعتماداً على بحوث قام بها ومعاينات ـ أن الحيوانات عندها «شيء آخر» غير الغريزة، وإنها قادرة على «إعمال العقل!» وعلى التواصل مع بقية الفئات، ومنها الإنسان. يقول المؤلف: «نحن نعلم أن الحيوانات تلعب، وتمزح، وتضحك، وهي أيضاً في بعض الأحيان متوحشة، ولكني أؤكد أنها تتخيل، وتكذب، وتحزن، وتعشق، وتستمتع، وتحس، وتخطط، وقادرة على احترام قواعد أخلاقية!». ويؤكد المؤلف أن الحيوانات تعرف معنى الألم، ومعنى الفرح، ومعنى الموت أيضاً، وأن هناك عدالة تسود عالم الحيوانات أكثر مما هو موجود في عالم الإنسان، وإنه خلافاً لما يشاع ويقال فإن الغاب لا يحكمه قانون الغاب! والمؤلف إيف كريستن (66 عاما) هو عالم بيولوجي فرنسي مشهود له بالكفاءة، وسبق له أن ألّف عديد الكتب، من بينها كتاب عن عالم الحيوانات المفرطة الذكاء والموهوبة، وهو يقدم للقراء ـ مستندا إلى أدلة وحجج علمية ـ استنتاجات مفادها بأن الحيوانات تحمل «نظرة» عن العالم الذي حولها، ولذلك فهو يعتقد اعتقاداً علمياً راسخاً أن الحيوان هو فعلا «فيلسوف» مثلما جاء في عنوان هذا الكتاب، والفلسفة هنا بمعنى أن الحيوان قادر على تكوين فكرة عما يحيط به، وأن له قدرة على تحليل الوضع الذي حوله والتفاعل معه، فهو ـ وفق ما جاء في الكتاب ـ لا يكتفي بالتعامل سلباً مع محيطه ولكنه يعطي معنى للأشياء. والمؤلف يلح على هذه الفكرة جازماً بأن الحيوان فيلسوف بطبعه. طرافة فكرية يقول إيف كريستن في كتابه: «لقد تفطنت إلى أن عالم الحيوانات عالم ثري على المستوى «العقلي» و«الطرافة الفكرية!»، وإن لدى الكلب مثلاً ـ على غرار حيوانات أخرى ـ «عقلاً» يجعل منه عنصراً فاعلاً”، والعقل الذي يتحدث عنه المؤلف هو بمعنى الآلة التي تتمثل العالم. ويضيف إيف كريستن: «عندما نجمع كل الخصائص التي يتميز بها الإنسان كالعقل والفكر والضمير واللغة والأخلاق والأحاسيس والثقافة الخ.. فان الاعتقاد السائد أنها خصائص يتميز بها الإنسان عن بقية المخلوقات، ولكن هذه النظرية انهارت أمام الأبحاث الحالية التي أثبتت أن الحيوانات لها هي أيضاً «ثقافات»، ولها لغات وتفكير منطقي وأحاسيس أيضاً!”. والباحث الفرنسي المولود بمدينة “مرسيليا” بالجنوب الفرنسي يريد في هذا الكتاب فسخ الفكرة القائلة بأن الحيوان له غريزة فقط، وأن لا تفكير ولا عقل له، مطالباً بكسر الحاجز الذي يفصل الإنسان عن الحيوان، مكرراً في الآن نفسه بأن الحيوان مخلوق قادر على الفهم وتحليل العالم الذي حوله، وملاحظاً على سبيل المثال أن طيور الحمام لها ذاكرة عجيبة ولها قدرة خارقة على تصور المجرد تفوق في بعض الأحيان قدرة الإنسان. ولأن المؤلف هو أيضاً صحفي مختص في المسائل العلمية فإن أسلوبه في هذا الكتاب جاء سهلاً مبسطاً يفهمه كل القراء، واختار لغة سلسة بعيدة عن اللغة العلمية الجافة والمجردة، وقد عمل مطولاً مسؤولاً عن الصفحات العلمية في مجلة «الفيغارو». كما تولى رئاسة تحرير مجلة «بحوث»، المتخصصة في المسائل العلمية، وهو يروي في كتابه قصصاً عاشها أو سمع بها، وحكايات عاينها أو رويت له من ثقاة، ويورد طرائف حصلت له هو شخصياً، وكلها تثبت كذب الحيوانات ومراوغاتها ودهاءها، معتمداً دائماً في استنتاجاته المعاينة، ومستنداً على التجارب والدراسات، جازماً بأن الحيوان هو كائن بذاته فريد من نوعه. والكثير من تجارب المؤلف أجراها في مخابر متخصصة، وفي مستشفيات معروفة، مثل مستشفى «سان لوي» (القديس لوي) بباريس، وأيضاً بمعهد «باستور» ذائع الصيت. استغلال بشع ويلاحظ المؤلف أن الإنسان، وهو الأقوى على هذه الأرض، يستغل الحيوان أبشع استغلال، مؤكداً أن هذا الاستغلال لن يتقلص في المستقبل، ولن ينتهي، بل سيزداد متسائلاً بكل جدية: «من ينقصه شيء ما؟ هل هو الإنسان أم هو الحيوان؟»، وبصفته من المدافعين عما يسميها «حقوق الحيوان» يشير إلى انه يتم في كل عام وفي الولايات المتحدة الأميركية وحدها القضاء على ثمانية مليارات حيوان لتلبية حاجيات الإنسان الغذائية، أي بمعدل مليون حيوان كل ساعة، من دون اعتبار الـ200 ألف حيوان التي يتم اصطيادها والعشرة ملايين من الحيوانات التي تقتل من أجل استغلال جلدها وفروها. والملاحظ أن ما يقدمه المؤلف في هذا الكتاب كـ«حقائق» عن تصرف الحيوانات هي محل نقاش وجدل من علماء ومختصين آخرين لهم رأي مخالف، ولهم تحفظ على منطلقات إيف كريستن واستنتاجاته، وهم يؤكدون أنه ذهب بعيداً في نظرياته، في حين أن المؤلف يصر على القول إن ما نشره في كتابه هذا يستند إلى تجارب علمية دقيقة، وإلى معاينة ودراسات ذات صدقية، وهو يشير ـ على سبيل المثال ـ إلى أن النمل بخصالها ونظام حياتها ونمط معيشتها وقوانينها وأسلوب تعاملها جديرة بالاهتمام والدراسات المتعمقة التي تثبت النظريات التي انتهى إليها في كتابه. وفي فصل من كتابه يشير المؤلف إلى أن بعض الجرذان هي أكثر تشاؤماً من جرذان أخرى! وله في هذا المثال وغيره تحاليل وتفسيرات، وهو يعلن أن الحيوانات ـ لو قدر لها قراءة ما كتبه عنها «ارسطو» ـ فإنها ستضحك من رأيه واستنتاجاته، وعلى الرغم من أن الفيلسوف والعالم اليوناني أرسطو أفنى سنوات طويلة من عمره في دراسة الحيوانات إلا أن خلاصة بحوثه تتناقض مع استنتاجات إيف كرستن، فأرسطو ـ وهو استاذ افلاطون ـ الّف ثلاثة مجلدات عن الحيوانات، وقام بمقارنة بين الإنسان والحيوان، مبيناً أن الإنسان حيوان اجتماعي بدرجة أعلى من بقية الحيوانات لأن اجتماع الحيوانات ـ حسب أرسطو ـ يتأسس على فطرتها وغريزتها، في حين أن الاجتماع الإنساني ينبني على مبادئ عقلية وتشريعات أخلاقية، وهي نظرية يدحضها إيف كريستن في هذا الكتاب، ويقدم نقيضها تماماً. والمؤكد أن إيف كريستن لم يسمع يوما بكتاب «الحيوان» للجاحظ، وهو أول كتاب جامع وضع باللغة العربية في علم الحيوان، وقال عنه مؤلفه: «هذا كتاب تستوي فيه رغبة الأمم، وتتشابه فيه رغبة العرب والعجم»، وحسب بعض المراجع فإنه سماه كتاب «الحيوان»، لأنه يتشبع مما في حياة الحيوان من الحجج على حكمة الله العجيبة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©