الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عاشق بهية المحروسة

عاشق بهية المحروسة
4 ديسمبر 2013 19:25
إزاي أحبك يا بلد وانتي مش حباني إزاي أعيش وأموت وأندفن في أرض رفضاني بنام وأحلم ببكرة ألاقي بكره زود أحزاني آه يا بلد لو بإيدي كنت أهدك وابنيكي من تاني” ..وغادر أحمد فؤاد نجم الشهير بالفاجومي مرتحلا، مودعا، تاركا إرثا وميراثا خالدا ومحبة راسخة في القلوب ودموع لا تكاد تجف حزنا وحسرة على “النجم” الذي انطفأ. عاش نجم 84 سنة (من مواليد 1921)، وهو يصرخ “آه يا بلد لو بإيدي كنت أهدك وابنيكي من تاني”.. كان “عم نجم” كما اعتاد محبوه ومريدوه مخاطبته، حكاية لوحده، تجربة خاصة وفريدة ومتميزة بمفرداتها وسياقها وتجلياتها خاصة مع الشيخ إمام، ومن ينسى الثنائي الفني الفذ الذي هز الدنيا وشغل الناس منذ النصف الثاني من الستينيات، وحتى أواخر الثمانينيات، الثنائي الأشهر “نجم والشيخ إمام”، اللذان التقيا في حوش قدم بالأزهر، وكان هذا المكان أحد بؤر الجذب وملتقى للمثقفين والمفكرين والكتاب والأدباء من كل التيارات، وخاصة اليسار المصري في فترة من أبرز فترات توهجه السياسي والثقافي. اختلف مع نجم كما شئت معه وكيفما شئت، اغضب منه وثُر عليه وربما تقاطعه لفترة تطول أو تقصر، لا تتحمل جموحه وكرباج لسانه اللاذع (كان لسانه هذا ـ رحمه الله ـ سببا في دخوله معارك عنيفة مع عدد من كبار مثقفي جيله، سيد حجاب والأبنودي مثلا) ولكن، ورغم كل ذلك، فلا يمكن الجدال حول موهبته العظيمة والفريدة، ولا حول أنه لم يكن ينطق أبدا إلا بصوته هو، أو كما قال معبرا عن نفسه ورأيه في الشعر: “أنا الأديب أما أتكلم ما بخليشي.. لأني جاهل وفاجومي ومخي مفيشي.. وأي تغيير في حياتي ما يتعبنيشي.. وأنا اللي قولي علي نولي مش من بره.. الله الله يا بدوي مش من بره.. ابدأ كلامي عن الاشعار واللي زانوها.. بيرم وخيري وكل الناس اللي صانوها.. اما الكلاب عند الجواسيس واللي خانوها.. فدول كلاب وما ينذكروش هنا بالمرة.. يا عم بيرم و حياتك و اللي اماتك.. وخلا ناس مأبين عايشين على مقالاتك.. و واد مباحث يتطاول علي مقاماتك.. لأجعل من الشعرا الاندال مسخه وعبره.. الله الله يا بدوي مسخه وعبره.. الطبل غير الشعر يا واد ما تهبلشي.. واي شخص يكون شاعر م يطبلشي.. يا تقول كلامك من جواك يا متقبلش” كان “نجم” مثالا حيا وتطبيقا فذا لمقولة “أنه ليس مطلوبا من الفنان سوى أن يعبر عن نفسه بطريقته الخاصة”.. وقد فعل نجم ذلك باقتدار وبراعة وعظمة، حاولت سلطة السادات استمالته في أوائل السبعينيات وقامت بالسماح له والشيخ إمام بالغناء في الإذاعة لكف أذاهما عنها، بحسب اعتقاد أي سلطة وكل سلطة، لكن الإبداع الحر والموهبة الجموح لا تخضع لقانون ولا تحدها حدود ولا تشتريها سلطة، فكان نجم ومعه الشيخ إمام منصة إطلاق لشواظ من نار ضد الظلم والاستبداد وسياسات الإفقار والانفتاح.. ورث نجم، مع أقرانه من كبار شعراء العامية في مصر، تركة الآباء العظام بيرم التونسي وفؤاد حداد، وأبدع من نسج الخيال وكنوز التراث ما استقر في الوجدان الجمعي للشعب المصري، بل العربي، ذلك أنه كان بحق “ترموتر” الشارع، أو ميزان المياه الحساس لكل ما يعتمل في نفوس المصريين من شجون وآلام وآمال وتطلعات وإحباطات ومخاوف وكوابيس.. إلخ، كان هو “الحس العالي” لثورات المصريين، انتعش واستعاد عافيته وبريقه وتوهجه مع اندلاع ثورة 25 يناير 2011، نزل إلى الميدان والتف حوله الشباب الثائر ورفعوه على الأعناق واستعادوا كلماته الحماسية واناشيده وأهازيجه وأغانيه مع الشيخ إمام، كانت أغاني وكلمات أحمد فؤاد نجم هي تعاويذ الميدان وترانيمه، هي التمتمة والهمهمة والصوت العالي، وظل نجم حاضرا مشاركا وثائرا ودافعا للحراك الثوري. وعندما سرق الإخوان الثورة واستلبوها لصالح انتهازيتهم ومطماعهم، انتفض “الفاجومي” هادرا عنيفا صاخبا كموج البحر وأنوائه، صب عليهم لعناته، وطاردهم بكلماته التي كانت أقسى عليهم من حد السيف و”دونها الرقاب” كما كانوا يهددون ويتوعدون، ولم يترك نجم فرصة أو مناسبة إلا وكان في طليعة المحذرين والمنددين والمنتقدين لنظام الإخوان ومخاطره وتهديداته ليس على المصريين فقط بل وعلى العالم العربي كله. ولم يكن مستغربا ولا مثيرا للدهشة أو الاندهاش أن يكون أحمد فؤاد نجم في طليعة الداعين والثائرين والمتمردين في 30 يونيو، خرج هاتفا وداعيا لإسقاط حكم الإخوان، وحدث ما خرج من أجله ودعا له، ذلك النظام الذي رأى فيه نجم، ومعه ملايين المصريين، جميع المساوئ التي رآها في الأنظمة السابقة. وكأن نجم قبل أن يرحل مودعا ويغادر دنيانا إلى دار القرار، كان يلقي بنظرته الأخيرة على العالم، وفي القلب منه مصر، أم الدنيا، منتظر أن تنجز دستورها الجديد وتنتهي من مواده، وكأنما أبى أن يرحل إلا وهو مطمئن على أن بداية الطريق قد بانت واستبانت. وكما قال صديقه الشاعر الكبير محمد فريد أبو سعدة “رحل كبيرنا، رحل المعلم، رحل شاعر ثورة ظلت تتقد وتخبو منذ 67، رحل مع أفق واعد بجمهورية جديدة، حلمنا بها وكان منشدنا الأثير.. رحل أحمد فؤاد نجم، رحل أبو النجوم مطمئنا أن أناشيده لم تضع سدى”.. وكانت هذه رسالة وداع عم نجم: “بيقولك تعديل دستوري إحنا عايزين تعديل إنساني كل إنجازات البلد أنفاق وكباري بلد بتموت وشعب في حالة سكوت وكانها لعبة اتاري من كتر الظلم والضلمة بقول ياريت ايام الملك والانجليز ترجع تاني ? ? ? أه يا بلد مليت بحبك الدفاتر مع العلم أنك قتلاني مين اللي قال أن عبارة السلام غرقت ومين اللي قال أن ممدوح إسماعيل قاتل وجاني اللي غرقت مصر واللي غرق ما بيطلعش حي تاني هو يطلع من صالة كبار الزوار وأنا اتحبس في سجن المطار واتعرض علي البحث الجنائي ? ? ? انا اللي من صغري أخترتك سكتي أتريها سكة أحزاني أنا اللي من صغري أخترتك كلمتي ألاقيكي مقيداني أه يا بلد نفسي قبل ما أموت الاقي زمانك وزماني إتغربت أكتر من سبع سنين ورجعت لاقيت الغربة هنا شكل تاني ? ? ? بلد بتعاني بكل المعاني بكياني وانا أملي أحس بكياني عشرين سنة مخلص محبوس بين جدران دكاني نفسي أعيش من غير ما أنافق السلطان والسلطاني نفسي أعيش من غير ما أنافق ولا حتي أبويا اللي رباني ? ? ? بكرة نتحاسبو على السكوت وعلى العيشة العمياني إبني مكملش سنتين نايم جنب مني بيشد في شعري ويحط صبعه في وداني ويضربني بالقلم ولسان حاله بيقول ليه يابا خلفت تاني وأنا في سري بأقول ياريتك يا أحمد يابني ياباني إبن ياباني ? ? ? مع إن وجودك في الدنيا عمل فيا وخلاني أحب البلد أكتر وأهد جدران دكاني شيخ الأزهر بيقول المعارضة حرام وانا نفسي أعرف آية الحلال في بلد الميت مليون حرامي” الفاجومي.. إضاءة وبطاقة تعريف .ولد أحمد فؤاد نجم يوم 23 مايو 1929 بقرية كفر أبو نجم بمدينة أبو حماد محافظة الشرقية، تزوج العديد من المرات أولها من فاطمة منصور، وأنجب منها عفاف، ثم تزوج من الفنانة عزة بلبع، ثم من الكاتبة الصحفية المعروفة صافيناز كاظم وأنجب منها نوارة نجم، الكاتبة والناشطة السياسية المعروفة، ثم تزوج من ممثلة المسرح الجزائرية صونيا ميكيو، ثم حياة الشيمير، وأخيرا السيدة أميمة عبد الوهاب التي أنجب منها زينب. عمل نجم، الذي اشتهر بلقب “الفاجومي” في معسكرات الجيش الإنجليزي متنقلا بين مهن كثيرة. وفي فايد وهي إحدى مدن القنال التي كان يحتلها الإنجليز التقى بعمال المطابع الشيوعيين. وكان في ذلك الحين قد علّم نفسه القراءة والكتابة وبدأت معاناته الطويلة تكتسب معنى. واشترك مع الآلاف في المظاهرات التي اجتاحت مصر سنة 1946 وتشكلت في هذه الأثناء اللجنة الوطنية العليا للطلبة والعمال. تعرف الفاجومي على الشيخ إمام في حارة حوش قدم، ليقرر أن يسكن معه ويرتبط به ليكونا ثنائيا معروفا حاز شهرة عريضة وكبيرة ليس في مصر وحدها بل في جميع أرجاء العالم العربي من مشرقه إلى مغربه، وأصبحت الحارة ملتقى المثقفين على اختلاف تياراتهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية، وقد نجحا في إثارة الشعب وحفز هممه قديما ضد الاستعمار ثم ضد السلطة الحاكمة آنذاك. في سنة 1959 التي شهدت صداما بين السلطة واليسار في مصر على أثر أحداث العراق انتقل نجم من البريد إلى النقل الميكانيكي في العباسية أحد الأحياء القديمة في القاهرة، وكانت أول مرة يُسجن فيها مع 4 من العمال، ثم عاش فترة شديدة التعقيد من حياته إذ وجهت إليه تهمة الاختلاس، ثم السجن لمدة 3 سنوات، وعارض السادات بشدة بسبب معاهدة السلام فحُكم عليه بالسجن لمدة 18 عاما. سياسيا انضم أحمد فؤاد نجم إلى حزب الوفد منتصف يونيو عام 2010، ثم انتقل منه إلى تأسيس حزب المصريين الأحرار. من أهم أشعار أحمد فؤاد نجم كتابته عن جيفارا، وكذلك يعيش أهل بلدي، جائزة نوبل، الأخلاق، الخواجة الأمريكاني، استغماية، الأقوال المأسورة، هما مين وإحنا مين، شيّد قصورك، الثوري النوري. في عام 2007 اختارته المجموعة العربية في صندوق مكافحة الفقر التابع للأم المتحدة سفيرا للفقراء. توفي نجم فجر يوم الثلاثاء 3 ديسمبر الحالي بعد صراع طويل مع المرض عن عمر ناهز 84 عاما.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©