الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شريف الجيار: الشخصية العربية معطوبة

شريف الجيار: الشخصية العربية معطوبة
4 ديسمبر 2013 19:26
شارك الدكتور الجيار في أربعينية عميد الأدب العربي طه حسين، التي أحيتها مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية على مدى يومين في دبي نهاية الشهر الماضي. فالتقيناه على هامش الندوة، وكان هذا الحوار: ? لماذا استعادة أدب وفكر طه حسين في المرحلة الراهنة؟ ?? إن تجلي طه حسين وإنتاجه الفكري مرة أخرى في هذه الأيام، يعكس مدى احتياج الأمة العربية للآراء التنويرية، خاصة من روادها، وعلى رأسهم طه حسين، الذي طرح مشروعاً فكرياً ثورياً لتغيير طريقة فهم العالم العربي، وتوجيهه باتجاه ما يعرف اليوم، باسم العلوم السياسية الدولية الحديثة، وقد اعتمد في ذلك على المنهج العقلي العلمي، الذي افتقدناه كثيراً في تعاملنا مع قضايانا، التي تزداد تعقيداً وتشابكاً، لا سيما قضايا التعليم والمرأة والتراث، التي رسمها طه حسبن برؤاه، واعتمد فيها على الشك بكل ما هو ساكن، والانتقال إلى التحرك نحو حياة علمية إنسانية. ? أين أصبح مشروع التنوير العربي الذي انخرط به طه حسين، وآخرون من قبله ومن بعده، وماهي المآلات التي انتهى إليها؟ ?? ربما تكلمنا كثيراً في العالم العربي عن الدولة الحديثة وعن الحداثة، ولكن غاب عنّا التطبيق على الأرض. ومثل هذه الندوات وما يقدم فيها من دراسات تطبيقية عمل منجز حسن، يؤكد أن لا مفر أمام الدول العربية إلا التكاتف والتعاون من أجل حداثة تطبيقية، تأخذ بسبل العلم وتنحي اللاعقلانية جانباً. فضلاً عن ذلك ينبغي أن نعيد قراءة أفكار طه حسين بدءاً من كتاب الشعر الجاهلي، مروراً بمستقبل الثقافة في مصر، وانتهاءً بإبداعه السردي حتى نستخلص الأفكار التي تصلح لتنوير واقعنا العربي. ومن ثم نستشرف من خلالها مستقبلاً علمياً محدداً للأجيال المقبلة. ? إن الحديث عن قراءة الموروث والتجديد واستشراف المستقبل، كلها عناوين مر عليها أكثر من قرن، وما زلنا نراوح في مكاننا، فأين تكمن العلة؟ ?? نعم طالما قرأنا لمفكري الفلسفة العرب عن المناهج الأصولية وعن تجديد هذه المناهج، التي لم تعط نتائج مطروحة على الأرض. ومع ذلك أعتقد أن المثقف العربي عليه مسؤولية كبيرة في الفترة المقبلة، التي تنطوي على الكثير من المخاطر، فهو مدعو في كل لحظة لكي يعيد قراءة الإنتاج الثقافي، لا سيما الذي يحمل رؤى يمكن تطبيقها، والإفادة منها لإصلاح العديد من الموضوعات الملحة والمهمة في عالمنا العربي، مثل قضايا التعليم والحريات والمرأة والجمعيات الأهلية... وغيرها من القضايا، التي ينبغي أن تضاء من قبل هذا المثقف، الذي يتهم كثيراً بأنه نخبوي، بمعنى أنه غير ملتحم مع غيره من فئات الشعب. ربما يكون هذا الأمر صحيحاً في القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ولكن يحسب لهذا المثقف أنه ساهم بشكل فاعل من خلال إبداعاته في معظم الأجناس الأدبية لاسيما الشعر والرواية، التي مهدت لما يعرف اليوم باسم “الربيع العربي” ومطالبة بعض الشعوب بحرياتها، أملاً بحياة كريمة تحافظ على إنسانية الإنسانية. مشروع الحداثة ? هل لدى النخبة مشروع للحداثة العربية، وما هي عناوين هذا المشروع في الوقت الراهن؟ ?? أرى أن دروب الحداثة الأفضل أو الأكثر جدوى التي يفترض أن يسير عليها العالم العربي، هي التي سلكها الغرب، واستطاع أن يغير مساراتها، من خلال تطوير أدوات الدولة، حتى وصل إلى ما يعرف بالدولة الحديثة المعتمدة على المناهج العلمية لا العواطف. هذا ما ينقص المجتمعات العربية، ولا مفر أمامها حتى تقترب من الحداثة الغربية وما يطلق عليها “ما بعد الحداثة”، إلا بتطوير رؤاها أو مواقفها من منظومة البحث العلمي في إطار بناء مؤسسات الدولة الحديثة، هذا هو الطريق الوحيد للخروج من الأوضاع الراهنة في العالم العربي. ولكي تعود القوة إلى دولنا العربية على الصعيد الثقافي والسياسي والإنساني، عليها أن تبحث عما أنتجت، وعما شاركت به في الحضارة الحديثة من منجزات فكرية، وصناعات تتنافس مع غيرها من الدول، هذا ما ينقصنا في الوقت الراهن. فنحن نأكل إلى الآن من أيادي غيرنا أو مما ترك لنا أسلافنا، لا سيما الفراعنة، فالمصريون يأكلون منه حتى الآن. فلا مخرج لنا إلا الإنتاج والعمل، ولكن وفقاً لمنهجية علمية تؤمن بإنسانية الفرد العربي، وحريته في تأمين المأكل والصحة، حتى يشعر كما يشعر الإنسان الغربي بالإشباع، ومن ثم يصبح مواطناً مشاركاً في الحضارة الحديثة، ويصبح نظيراً لغيره من الدول الغربية، وإلا ستستمر لديه عقدة “الخواجة”. الشخصية العربية ?إن المجتمعات الأقرب لنا ثقافياً، نجحت في مشروع الحداثة، على الرغم من إمكاناتها الاقتصادية المحدودة، وبعضها لا يستند إلى إرث حضاري كما هي حالنا، فما هي طبيعة المعيقات، التي تحول من دون مشاركتنا الفاعلة في الحداثة الإنسانية؟ ?? ربما تكون العقلية العربية قد تأخرت بعض الشيء في الاستجابة لتفعيل المعطى الحضاري الجديد، الذي يركز على الإنسان وعقله الفاعل في البناء. وأعتقد أنه ينبغي أن نفيد من تجارب العديد من الدول القريبة منا تاريخيا مثل ماليزيا، البرازيل، أندونيسيا وتركيا التي استطاعت أن تأخذ من الغرب ما يلائم طبيعة شعوبها، وأيضاً حاولت تطويع هذه التجارب الغربية وتفوقت عليها وأصبحت منافسة لهل في الأسواق العالمية. فأندونيسيا على سبيل المثال حققت المركز الأول عالمياً بتصنيع الروبوت وتفوقت على التجربة الغربية واليابانية، وحالياً تعكف على تصنيع الطائرات. إذن لا مفر لدى المجتمع العربي إلا في الثقة بمقومات الذات العربية وقدرتها على الإنجاز، وأن نأخذ بسبل العلم الحديث، وأن نتخلى بعض الشيء عن الأمور اللاعقلانية في تراثنا. ? هل الشخصية العربية تعاني من عطب ما، يحول دون قدرتها على التفاعل مع المنجزات الحضارية الراهنة كغيرها من شعوب الأرض؟ ?? أعتقد أن الشخصية العربية أصابها العطب نتيجة للمنظومة الثقافية، التي نعيش فيها، التي جعلت الإنسان العربي تابعاً وليس فاعلاً، وهذا يعود بالدرجة الأولى لتخلف منظومة التعليم والبحث العلمي، وعدم قابليتها للتطبيق والإنتاج. يتعين على منظومة التعليم في العالم العربي أن تهتم أو تعي المنجز الحداثي، وأن تدفع الإنسان العربي باتجاهه، وأن تقوده للتخرج في التخصصات الصالحة للبنية المجتمعية. وبالتالي تصبح منظومة التعليم هي الأساس في تطوير الصناعات، وفي تطوير السوق العربية، التي ينبغي أن تكون منافسة لغيرها في الأسواق العالمية. ? ماذا تقصد بالمنظومة الثقافية التي جعلت العربي تابعاً لا فاعلاً، هل تعني الموروث الثقافي؟ ?? بداية علينا أن نُقِر أن التراث لا يعني فقط ما تركه الأسلاف في شتى أنواع الأدب والفنون والفلسفة وسوى ذلك، ولكن أيضاً يعني ما تركه المحدثون. وفي العادة يلعب الفن لعبة التمرد والخروج على الأنساق الثقافية، لأنه يعتمد على بنية منحرفة، هي بنية اللغة، وبنى التخيل، التي لا تتعامل مع الواقع بشكله القائم كما هو، ولكن تنقله لنا بمنظور كاتبه أو مبدعه، لذا هو ليس مطالباً بأن يسير على هدي ما يراه الإنسان العادي للتراث بوجهيه الديني والأدبي، لأنه يمتلك منظوراً خاصاً، ويحمل فكرة جديدة تجاه القضية أو الواقع الذي ينتمي إليه، وعندما يتعرض للتهديد بحياته، يُرغم على الانقياد للمنظومة الثقافية المهيمنة، فيصبح تابعاً لا فاعلاً. الهُوية الحضارية ? من موقعكم الأكاديمي كأستاذ للنقد والأدب المقارن، ماهي جدوى منهجيات البحث العلمي الغربية، التي تقول بضرورة القطع مع الموروث التاريخي ببعديه الديني والأدبي، ومدى صلاحيتها في معالجة موضوعات مثل الهُوية؟ ?? يتعين علينا حينما نتعامل مع المفاهيم والمذاهب أو المناهج النقدية، التي أتت إلينا من أوروبا، خاصة مع عشرينيات القرن الماضي مثل المدرسة الشكلانية، والبنيوية والتفكيكية وكل نظريات ما بعد الحداثة... أود في بادئ الأمر أن أشير، إلى أن هذه المنهجيات بدأت سياسية اجتماعية، ثم انتقلت إلى حقل النقد والإبداع، وبالتالي علينا أن نفيد منها، ولكن بشرط أن نأخذ منها ما يتناسب مع طبيعة النص العربي كوعاء لغوي، فضلاً عن محتواه الفكري والثقافي والاجتماعي. وكثيراً ما قال النقاد العرب، في محاولة وجود نظرية نقدية عربية تصبح ملائمة للنص العربي وأيديولوجيته. ولكنني أرى أننا حتى الآن لا يمكننا أن نطلق مصطلح نظرية عربية للنقد الأدبي، ولكن علينا أن نبحث في تراثنا النقدي عن بدايات لهذه النظرية، وأن نفيد مما أرسله الغرب لنا من نظرياته النقدية، حتى نتمكن من الخروج برؤية عربية تتكامل ولا تتنافر مع المذاهب الغربية في النقد الأدبي، لأنني أومن أن هناك علاقة تكامل في التراث العالمي، لقد أعطينا الغرب كثيراً، وعلينا الآن أن نأخذ منه كي تكتمل رؤيتنا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©