الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وجع طالع من ضلع القضبان

وجع طالع من ضلع القضبان
4 ديسمبر 2013 19:26
طرح المؤتمر الذي نظمته كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية في بيروت إشكالية الكتابة داخل السجن وخارجه، وما تعرض له المفكر العربي من قهر وذل في كنف الحكم الدكتاتوري للبلاد العربية بعد الحرب العالمية الثانية حتى يومنا، وفي ظل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وممارساته في لبنان، وعن الدور الذي لعبه في كشف حقيقة السجون السياسية. وقد خيّم السؤال: “إذا كانت الوطنية في هذه البلاد نقيسها بعدد المرات التي دخلنا فيها إلى السجن. فكم وطني عندنا، كم منا ينعم بالحرية وكم عدد المضطهدين”. وأتى الجواب: “السجن يلاحق غالبيتنا العظمى، نحن الشعوب التي لا زالت تكتب من خلف القضبان”. وأتى المؤتمر استكمالا للنقاش الذي بدأ في المغرب قبل نحو عام، تحت عنوان: “أدب السجون بين المشرق والمغرب”، بمشاركة باحثين من جامعات عربية ولبنانية ودولية واللجنة اللبنانية الوطنية لليونسكو، وقد تزامن مع اليوم العالمي للأدباء الذين يكتبون من السجون، والذي يصادف في الخامس عشر من نوفمبر. السياسة والجغرافيا أدب السجون هو “في الأساس سرد أتى به أولئك الذين عاشوا سنوات طويلة في السجن، حيث عاشوا الحرمان والافتقار إلى الحرية، وهذا الأدب ينطوي على روايات ودواوين شعرية وأفلام وثائقية ودرامية وريبورتاجات وقصصا مصورة”، هذا التعريف الذي قدمته الدكتورة بادية مزبودي (أستاذة في الجامعة اللبنانية)، يستند إلى أن كل الدول العربية ودول ما كان يسمى بالعالم الثالث تعرف منذ زمن ليس بقصير فورة في الكتابات التي تتناول موضوع السجون، ويعود السبب في هذه الوفرة إلى السياق الجغرافي الذي تمتاز به هذه المنطقة، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، برزت في المنطقة أنظمة سياسية، اتضح بعد وقت قليل من تسلمها لمقاليد السلطة انها أنظمة بوليسية، هدفها قمع اولئك الذين يمتازون بشجاعة قصوى بين مواطنيها، لذلك عمدت هذه الأنظمة الى إنشاء السجون حيث يتخلص الممسكون بالسلطة من الذين يزعجونهم ويشكلون التهديد البالغ لأنظمتهم ولديمومتها. وفي هذه السجون رمت الأنظمة البوليسية بالمفكرين والأدباء دون أن تعطيهم فرصة الدفاع عن أنفسهم، وبالتالي بات السجن سجنا للمفكرين، وفي موازاة ذلك تعمد إسرائيل إلى وضع الفلسطينيين في المعتقلات والسجون لفترة طويلة الأمد تصل إلى مدى الحياة، إضافة إلى أحكام تتخطى المئة عام، كما تخضعهم لكثير من التعذيب والإهانات، ولا يسعنا أن ننسى أن مجيء الأميركيين إلى العراق لم يحدث أي فرق، بل ساهم في جعل الأمور أكثر سوءا مما كانت، إذ كانوا هم من أنشأوا سجنين متميزين: سجن أبو غريب وسجن غواتنامو”. لكن أدب السجون، بحسب مزبودي، ليس وليد هذا العصر، على عكس ما يمكن للبعض أن يتصور، “ذلك أن كتابا عربا أفذاذا من أمثال ابن خلدون، الشاعر ابي فراس الحمداني وابن رشد عرفوا أيضاً تجربة السجن وتحدثوا عنها، وفي ظل هذا الوضع الذي يأتينا من الماضي ويجدد نفسه في الحاضر شهد المفكر قسوة في المعاملة من قبل الأنظمة التي ارست التعذيب بشكل مبرمج، إذ يكثر عدد المفكرين في السجون، حيث يلقى بعضهم الموت ولا يخرج منهم إلا العدد الضئيل جدا، مع ذلك فإن هذه السجون تنجب الكلمات التي تشق لها دربا بين قضبان السجن، حيث تتحرر من مراقبة السجانين لتشهد على بربرية الإنسان، وهذه النصوص خرجت من السجن أولا في المغرب، ودانت ما كان يمارس في السجون هناك من قمع وعمليات تعذيب تهين الإنسان وتدحض كرامته، ولعل أفضل الأمثلة على هذا النتاج الأدبي الذي يولد في السجن هو مؤلف شعري بعنوان “الف ليلة وليلة” صدر في العام 1982، وقع عليه سجناء سياسيون في سجن قنيطرة ووصل هذا الديوان الى المانيا حيث تم تجميعه حيث كانت القصائد تكتب على وريقات صغيرة تمر من يد الى يد حتى تصل الى خارج السجن، بعد جمعه في المانيا بإيعاز من هنريش بول الذي حاز على جائزة نوبل للأداب”. وذكّرت مزبودي بسجن ابو غريب الشهير في بغداد الذي لا يحتاج الى أي تعليق أو تعريف، حيث “ويكثر المناهضون اليوم لهذا السجن الذين يدعون الى إقفاله وغيره من السجون المماثلة، كما أقفل معتقل الخيام الذي عمدت إسرائيل في العام 2006 الى قصفه سعيا منها لإخفاء أي أثر لما كانت ترتكبه من جرائم ضد السجناء اللبنانيين والفلسطينيين المعتقلين فيه”. وختمت: “الهدف من هذا المؤتمر مساءلة هذه النصوص الروائية والشعرية والصور (الفن التشكيلي الذي يتناول هذا الموضوع) لكي يصل الباحثون الى استنباط القواسم المشتركة بين كل هذه الأنواع الأدبية التي تتناول الموضوع عينه والحوافز وراءه وكيفية تنظيم هذه المؤلفات الأدبية التي غالبا ما تكون شهادات حية، مستذكرة قولا للمعتقل الفلسطيني حسام بدران الذي قال” خير جليس في السجن كتاب، ولكن أفضل وسيلة للتخفيف عن النفس والتعبير عما يجول في نفسك هو القلم والكتابة” من هنا كان الاهتمام بهذا النوع من الأدب المبدع الذي يولد من معاناة الأسير”. الأدب الشعبي أدب السجون، هو محصلة ثلاثية متكافلة هي: السجن والسجين والسجان، بحسب الدكتور خالد أبو الليل (أستاذ الأدب الشعبي المساعد بكلية الآداب ـ جامعة القاهرة) مستوحيا ذلك من السيرة الهلالية. وتوقف أبو الليل عند الأشكال المختلفة للسجن والأسر النفسي في الموروث الأدبي الشعبي عامة، والسيرة الهلالية خاصة، بهدف التعرف على الدلالات السياسية والاجتماعية التي تكمن خلفها. ويفصّل في ذلك: “في القسم الثاني من السيرة الهلالية المعنون بـ”الريادة البهية” نجد أبا زيد وأولاد أخته الثلاثة يقعون أسرى في السجون التونسية، حيث يتم القبض عليهم أثناء قيامهم بمهمتهم القبلية المهمة، لريادة أرض تونس والتعرف على أسرارها قبل هجرة قبيلة بني هلال إليها. وهو ما يمثّل أحد أشكال هذا الأسر، الذي نطلق عليه “أسراً سياسياً”. بينما نجد السلطان معبد، سلطان تونس، يقوم بحبس ابنته الوحيدة “عزيزة” في قصرها، ومنعها من رؤية أي شخص، باستثناء جاريتها “مي الأسدان”، التي قدمت اليها من الشرق (من قبيلة بني هلال). وهو ما يمثل الشكل الثاني من أشكال الأسر النفسي، الذي نطلق عليه “أسراً اجتماعيا”. في حين يتمثل الشكل الثالث من الأسر أو السجن في حبس يونس في قصر عزيزة، بعد أن اختطفته، لتنبني أشهر قصص الحب في الأدب العربي، الشعبي منه والرسمي، والمعروفة بقصة “عزيزة ويونس”. وهذا الشكل من السجن أو الأسر هو “الأسر العاطفي”. ويستنتج: “تكشف الأشكال الثلاثة من الأسر عددا من القضايا الاجتماعية والسياسية المهمة. ففي الوقت الذي يكشف فيه الشكل الأول ملامح البطولة الشعبية، يكشف الشكلين الآخرين ملمحين اجتماعيين مهمين يتمثلان في الوضع الاجتماعي للمرأة في المجتمعات العربية، وطبيعة المراحل الاجتماعية التي مرت بها. ويكشف الأسر الاجتماعي الدور السياسي للمرأة، وتحوله من الدور السلبي في المرويات الهلالية المدونة، إلى دور أكثر إيجابية في الروايات الشفاهية”. عبر العصور وبحث الدكتور سالم المعوش (الجامعة اللبنانية) في الإبداع الشعري وأسباب السجن، أوضح:”إن البحث في شعر السجون يجد انسجامه وتواصله من العصور الأدبية العربية الأولى إلى يومنا هذا، خصوصا في الجوانب التي ظلت تعيش جنبا إلى جنب بعيدا من الأسباب المسلكية الانحرافية التي اتفق على تسميتها جناية، وقريبا من القضايا الحياتية المصيرية التي تهم الشأن العام في المجتمع، وهي سياسية في طابعها العام، اجتماعية وقانونية واقتصادية وفكرية في تفصيلاتها، تحاول أن تسهم في تقرير مصير المجتمع نحو الأفضل. وإذا كانت العناوين تحمل اسم موضوعات وليست قضايا، فذلك لانها في عصر النهضة كانت لا تزال في بداياتها ولم ينل منها التعقيد والاتجاه السياسي بحيث تصبح قضية كبرى تشكل مشكلة مستعصية على الحل، كما هو الأمر في الأوقات المتقدمة من التاريخ العربي الحديث. وعلى الرغم من عدم استقرار المجتمع العربي الى يومنا هذا في مجالات شتى، فإن كثيرا من المعطيات الجديدة طرحت على الساحة العربية، خصوصا الأمور الفكرية وعلاقتها بموضوع الحرية والديمقراطية والعدل والمساواة... ولم تعد مسألة التطابق بين الفكر والسياسة ملحة الى درجة يصبح أحدهما تابعا للآخر، على الرغم من التأثير الكبير المتبادل بينهما. وكان لابد للرواد المؤسسين للفكر والثقافة والادب من أن يؤدوا دورا مميزا إبان المرحلة التي أطلق عليها اسم عصر النهضة. وبالطبع لم تكن المقاييس هي نفسها التي تعتمد في تقويم كل مرحلة، بل خضع ذلك الى سنّة التطور والرقي والاستجابة للتغييرات الحاصلة في العالم العربي على صعدان مختلفة. وكان ذلك الشعر من بين المنابر الثقافية، يؤدي دورا خطيرا في ادارة معالم الصراع من أجل التقدم نحو الأفضل. ومن أجل هذا برزت فيه قضايا وموضوعات متشعبة وعديدة. وإذا كان الحديث هنا ينحصر في شعر السجون، فهذا لا يعني أن بقية الموضوعات التي تطرق إليها الشعر لم تكن على جانب كبير من الأهمية، خصوصا الوطنية منها. وإذا لم تمتد يد البغي الى شاعر ما وسجنته فهذا لا يعني عدم أهميته. ذلك أنّ يد الظلم كانت تنال من الجميع ولكن بقدر مختلف، تمثل على شكل إرهاب ونفي وملاحقة وتنكيل. وعلى ذلك فإن جل الموضوعات التي تناولها شعر السجون في عصر النهضة لا تخرج عن النطاق العام الذي نعثر عليها فيه”. وعدد الدوافع، وبينها الظلم والحرية: “في عصر النهضة دخل أغلبية الشعراء في بوتقة الصراع الدائر من أجل ترقية الوجود الإنساني وتقدمه. فكانت قضية الظلم محورية وأساسية في هذا التعاطي مع مجريات الأحداث. ولقد كانت هذه القضية الشغل الشاغل لكثير من هؤلاء الشعراء”. يقدم نموذجا: “يعرض الأديب والشاعر ولي الدين يكن أحواله في السجن يوم أوقفت السلطات التركية جريدته “الاستقامة”، ليظهر أن الظلم عندما ينبري للأحرار لا يكتفي بالضغط على الأجساد، بل يتغلغل الى الروح راميا إلى إماتة ما تبقى فيها من عزم وحيوية وقدرة على صنع الخير، فالظلم في نظره “له يد وليس له فؤاد” ينال من السافل، لا يراعي قرابة “. وهناك الظلم السياسي والاجتماعي الذي زاوج في ذلك العصر بين النضالين السياسي والاجتماعي، وعنه قدم نماذج لأدباء منهم نجيب الريس وسليم عنجوري وسليم سركيس وأحمد النجفي ومصطفى الغلاييني. وبين الدوافع كذلك تطرق الى التحريض السياسي من خلال المضمون والرسالة مسترجعا قصيدة للأديب نجيب الريس جاء فيها: “يا ظلام السجن خيم/ إننا نهوى الظلاما/ ليس بعد الليل الا/ فجر مجد يتسامى”. أما أجواء شعر السجون فتختزن: “التعبير عن كفاح ونضال الأمة، الاحتمال والصمود، معاملة السجان القاسية، تحول السجن الى مكان تتوضح فيه المبادئ والقيم، انجلاء الحقائق، رفاق النضال، عالم السجن، الأناشيد...”. وفي الجانب الاستعماري، لفت الباحث الى أن شعر السجون يكشف عن الممارسات الاستعمارية وما جرّت من ويلات الى الشعوب. وهي ممارسة تختلط فيها الأساليب الحربية بالقمعية، والاقتصادية بالسياسية والثقافية بالوجود العام للإنسان... بحيث أصبح هذا الشعر، إلى جانب البندقية سلاحا آخر ذا حدين رئيسيين في التحريض والتوعية. لكنّ هذين الحدين قد تأثرا كثيرا بالأهوال والفظائع التي ارتكبت، وتحول قسم من هؤلاء الشعراء الى سلاح آخر هو الرصاصة الفعلية التي تحسم الموقف وتقنع المستعمر بالسلاح نفسه الذي يستعمله”. وعن حال الشاعر الثائر يقول: “في السجن أم خارجه، لا يملك الشاعر الملاحق أن يلتقط أنفاسه. وفي ملاحقته يرى في الشوارع توابيت، وفي الأشجار مشانق معلقة، وفي الأمطار مدامع قتلى”. الأدب والتحولات أدب السجون ليس نوعا بسيطا من الأدب، بحسب الأمينة العامة للجنة الوطنية اللبنانية للتربية والعلوم والثقافة في الأونيسكو زهيدة درويش، حيث أنه يبرز أكثر فأكثر على الساحة الثقافية وان كان بروزه حديث العهد، “ولعل هذا البروز المتنامي لأدب السجون في مجتمعاتنا يعود الى أسباب تجد جذورها في قمع حرية الرأي والحرية الشخصية والحرية العامة، وكان لأدب السجون أن عاش فترة طويلة منسيا، فحان الوقت لأن يستنبط من أعماق السجن وأن يطرح على الملأ، ويبحث في كل تفاصيله لما يحمله من رسالة إنسانية تتخطى الحدود”. وربطت درويش بين أدب السجون والتحولات التي تشهدها المنطقة العربية، وقالت إن أبلغ تعبير عن معاناة السجين، يبرز في شعر المناضلة المغربية سعيدة فيبهي “التي توفيت في السجن عن عمر 25 سنة بعد إضرابها عن الطعام لمدة 35 يوما، حيث عبرت في شعرها عن كسر جدار الصمت وأنسنة وحدتها لكي تتمكن من التصدي لأولئك الذين يعملون على جعل فكرها فكرا صدأ”. وتقول: “على الرغم من جمود وبرودة السجن تبقى في داخلها نارا تتدفأ بها وتمدها بالقوة لتكسر الأقفال وتخرج نحو الحرية وترتمي في أحضانها”، مشيرة الى ان “اقدم من كتب في أدب السجون الأديب المغربي عبداللطيف الأعبي الذي أمضى 8 سنوات في السجن، خرج بعدها لينشر في العام 1980 مؤلفا يعبر فيه عن سيرته الذاتية، ويشهد لإرادة البقاء على قيد الحياة ولإرادة المقاومة ضد كل ما يطال الإنسان في كرامته سعيا لتجريده منها. كما ان الأدباء الذين كتبوا في موضوع أدب السجون لا يقتصرون فقط على المغرب العربي، بل هنالك الكثير الذين ينتمون الى المشرق العربي ومنهم سامي الكيلاني، عزت الغزاوي، فاضل يونس، عائشة عودة، جبريل الرجوب، والشاعرين سميح القاسم وتوفيق زياد والشاعر الكبير محمود درويش الذين عاشوا تجربة السجن، وساهموا في إدانة الظلم في شعر لا يزال حاضرا في وجدان الإنسان العربي حتى اليوم”. دراسة خاصة والواقع إن أدب السجون يحتاج إلى دراسة خاصة، كما تقول المديرة المنتدبة للسياسة العلمية في المنظمة الجامعية الفرنكوفونية سيلفي دوفينييه، فهي تعتبر “ان مقاربة أدب السجون إنما تقتضي ان يكون العمل عمل فريق، لأن هذا الأدب في دراسته يقتضي أن يطبق عليه المنهج البيني الذي يشرك الاختصاصات المختلفة، أي علم النفس، علم الاجتماع، علم السياسة والآداب، إضافة الى كل الأخلاقيات التي ينبغي على الباحث أن يؤمن بها، وهذا المنهج البيني المعتمد في مقاربة موضوع المؤتمر إنما يزيل الحدود بين مختلف العلوم ويجمعها حول موضوع إنساني ذي أهمية جذرية”. أدب توثيقي وهو ما يعبر عنه أيضا مدير كلية الآداب والعلوم الإنسانية ـ الفرع الأول، في الجامعة اللبنانية، الدكتور نبيل الخطيب، الذي يقول إن “درس أدب السجون، لا يخدم الجانب العلمي فيه وحسب، بل يخدم قضية هذا الأدب، ويعمق إحساسنا بها وتضامننا معها. أدب السجون يكتسب خصوصية من حقيقة أحداثه، التي تتأرجح بين الواقعية والخيال، لتسلط الضوء على معاناة الإنسان المحتجز دون إرادته. نحن نعلم ان ما كتبه الأسرى الفلسطينيون رفد الأدب الفلسطيني، بدوافع المناهضة للاحتلال واكتسب خصوصية الثورة وعنف الإبداع وطهارة الانتماء”. وفي رأي الخطيب إن “أدب السجون له قيمة وثائقية، اجتماعية ونضالية، صرخة وجع عبرت عن قضية ناهضت الظلم، هو ظاهرة لافتة في الأدب العربي، ظاهرة القبض على الحجر”. الحرية والسجن وهنّأ رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور عدنان السيد حسين المحاضرين العرب بتحررهم من “السجن الكبير الذي فرضه عليهم الاستعمار”، متحسرا على “وضعنا العربي لأننا لا نزال في سجن كبير، سجن يبتعد بنا عن الإنسانية والحرية”، مستذكرا “إخوة لنا يعانون من هذا السجن الكبير بفعل ما يمارس فيه من إملاءات وقهر ثقافي واجتماعي وعنصرية عرقية وغيرها، إضافة الى تمييز بين المرأة والرجل”، متوقفا عند السجن الإسرائيلي “الذي لا يحرك إلا الفلسطينيين وبعضا من العرب”، متسائلا “لماذا لا يحرك العالم برمته؟”. وتوقف عند شرعة حقوق الإنسان “ولا سيما عند ما تنص عليه في ديباجيتها أو افتتاحيتها من إقرار لحق الشعوب في تقرير المصير”، رابطا بين السجن والإبداع الأدبي، وقال: “ان السجن الكبير هو الذي أطلق شعر محمود درويش، فأتت كلمته وكلمة غيره ممن عاشوا تجربة السجن في الداخل الإسرائيلي والخارج العربي كلمة حرة لمواجهة هذه السجون، غير أن للحرية ضوابط ترتضيها ضمن القوانين المرعية، ولكن أن خيّرت بين القبول بالحرية على تناقضاتها دون ضوابط والسجن، لفضلت هذه الحرية على السجن”. ولفت إلى أن “المساجين اليوم هم أكثر فهما لأهمية الوطن وقيمه منا نحن الطلقاء”. فخري صالح: الوطن والموت والانتصار في أدب الأسير الفلسطيني الكاتب فخري صالح تناول تمثيلات السجن والحصار في الأدب الفلسطيني، مستعرضاً قصيدة “الثلاثاء الحمراء” نموذجاً للكاتب إبراهيم طوقان الذي يروي سيرة إعدام ثلاثة ممن أصبحوا علامة على تاريخ فلسطين الدامي، إذ يبلور الشاعر الفلسطيني صورة السجين الفلسطيني الذي يندفع نحو الشهادة مزاحما رفاقه صاعدا إلى المقصلة في دلالة بالغة على الرغبة في الموت فداء للوطن: “أنا ساعة الرجل العتيد/ أنا ساعة اليأس الشديد/ أنا ساعة الموت المشرف/ كل ذي فعل مجيد/ بطلي يحطم قيده/ رمزا لتحطيم القيود...”. وقد ظلت تلك الصورة شديدة الاستقطاب تتكرر في الإنتاج الشعري والقصصي الفلسطيني بأشكال وتنويعات مختلفة، مكتسبة كل مرة ظلالا من الدلالة والمعنى، في تعبير عن رغبة الفلسطيني المطرود من فردوسه المفقود، في الالتحام بوطنه حتى لو أدى ذلك إلى السجن أو الأسر، أو الموت المجلي في ساحة المعركة. وبقيت هذه الصورة الانتصارية، المعجونة بحي الوطن والتضحية من أجله، تتكرر في الشعر والسرد بوصفها لازمة دالة تسم الكتابة الفلسطينية وتميزها عن غيرها. وقد ظل السجين، أو الأسير الصامد في زنزانته، هو البؤرة التي تدور حولها الصورة الشعرية أو الوصف السردي الذي يركز الدلالة ويشحنها في القصة والرواية الفلسطينيين. ونحن نعثر على هذه الدلالات والمعاني الرمزية في شعر عبدالكريم الكرمي (أبي سلمى) وعبدالرحيم محمود، من جيل ابراهيم طوقان، كما نعثر عليها في شعر توفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم وسالم جبران، وعزالدين المناصرة ومحمد القيسي وأحمد دحبور وفواز عيد، من الأجيال التالية لجيل ابراهيم طوقان، حيث تتبلور صورة الفلسطيني المحاصر في كل مكان، على أرضه وفي مجتمعات اللجوء، في الشعر والسرد، في الكتابة السياسية والإبداع كذلك”. “وعلى الرغم من أنّ ظلالا من الدلالة المتغيرة، والفهم الواقعي للتجربة الفلسطينية والشروط القاسية التي تحيط بهذه التجربة، تلون هذه الصورة في الكتابة السردية، إلا أن الانتكاسات والهزائم التي مرت بها التجربة الوطنية الفلسطينية، منذ وعد بلفور1917 وحتى هذه اللحظة، لم تؤثر على صورة البطل الذي لا يخاف الموت، بل إن تلك الصورة استعصت على الذوبان والتحلل في الكتابة الفلسطينية سنة بعد سنة، ومرحلة في إثر مرحلة. ويصدق هذا التحليل على قصص غسان كنفاني ورواياته، وهو الكتاب الذي لم يعصمه تركيزه على تصوير التجربة الوجودية العميقة للفلسطينيين، وبحثه عن المشترك الانساني بين الفلسطينيين وغيرهم من الشعوب المستعمرة المقهورة، دون وقوعه أسير تلك الصورة القالبية التي تكررت في الكتابة الفلسطينية حول الفلسطيني الذي لايقهر، حول ذلك الكائن المعجون بالامل. في حين أن إميل حبيبي يتنكب تماما تلك الصورة الانتصارية للتجربة الوطنية الفلسطينية. إنه يعيد كتابة تاريخ الفلسطينيين من منظور ساخر، مقتربا من خلال الكتابة السردية، من رؤية منظّري ما بعد الكولونيالية من أمثال فرانز فانون وإيمي سيزير وألبير ميمي وإدوارد سعيد وهومي بابا”. “في المقابل فان صورة البطل الصامد على أرضه، الثابت في سجنه، حاضرة بقوة في شعر فدوى طوقان الذي يندرج في إطار الكتابة الرومانسية العربية ورؤيتها السوداوية للعالم، ما يخلق شرخا حادا في كتابتها ويجعلها في مجموعاتها الصادرة بعد العام 1967 تتحول عن رؤيتها الرومانسية للعالم وتنظر الى التجربة الوطنية الفلسطينية بعيون الكتابة الفلسطينية السائدة في تلك اللحظة التاريخية”. ويختم صالح: “ظل هذا النوع من الأدب مشدودا إلى التعبير عن تراجيديا الأسر على أرض الفلسطيني وخارجها، داخل نفسه وفيما يفيض عنها في المكان والزمان”. ? ?أدب السجون ليس وليد هذا العصر ذلك أن كتابا عربا أفذاذا من أمثال ابن خلدون وابي فراس الحمداني وابن رشد عرفوا أيضاً تجربة السجن وتحدثوا عنها ? ? البحث في شعر السجون يجد انسجامه وتواصله من العصور الأدبية العربية الأولى إلى يومنا هذا في قصائد الشعراء الفلسطينيين تتبلور صورة الفلسطيني المحاصر في أرضه وفي مجتمعات اللجوء
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©