الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

ما السبيل إلى الإصلاح الفاعل في مجتمعاتنا ؟

12 مايو 2007 00:48
دمشق ـ عمّار أبو عابد: يرفض الدكتور ماهر الشريف، المفكِّر السوري، وأستاذ مادة التاريخ الحديث والمعاصر في ''المعهد الفرنسي للشرق الأدنى'' بدمشق، ما يتبناه بعض المستشرقين الغربيين في زعمهم أن الإسلام دين لا يتعايش مع الحداثة ومبادئها، ويؤكد أن المسلمين في عصر ازدهارهم العلمي والحضاري قد ساهموا في تجميع شروط الحداثة، وتوليد العقلانية في أوروبا· ورغم غروب تيار الإصلاح الديني وانتكاسة التنوير بعد الحرب العالمية الأولى، فإن الدعوة إلى تجديد الفكر الإسلامي وإحياء التراث العقلاني والنقدي قد تصاعدت بالفعل في السنوات الأخيرة في مواجهة الخطاب الإسلامي التقليدي المتعصِّب· لكنه يرى أن شروط نجاح هذه الدعوة ترتبط بتجاوز العديد من العقبات الكأداء، ومنها إسرائيل التي تغذي بعدوانيتها دعوات الانغلاق· ويرى الشريف أن الثورات التي حدثت في العالم العربي لم تفلح في نقل مجتمعاتنا إلى الحداثة المجتمعية، لأنها تنكرت لكل المكتسبات الإصلاحية التي تحقَّقت قبل وصولها إلى السلطة· ويعبر في حوارنا معه عن الاعتقاد بأن الإصلاح المجتمعي التدريجي الذي يبدأ بتغيير الذهنيات والعادات وأنماط السلوك هو السبيل المفضي إلى التمدُّن أو إلى النهضة· ü كيف تفهم الخط العام الذي انتهجه الأفغاني وعبده والكواكبي وغيرهم من رواد الإصلاح الديني، وهل يمكن الاستناد إلى ما بدأوا به وصولاً إلى إصلاحية دينية جديدة ؟· üü تكمن أهمية الأفغاني وعبده والكواكبي التاريخية في كونهم قد شكّلوا جزءاً من حركة التنوير بأسس الحداثة المجتمعية التي صار يشهدها العالم العربي منذ الربع الثاني من القرن التاسع عشر، حيث استندوا إلى التراث العقلاني في الفلسفة العربية الإسلامية وانفتحوا على أفكار التنوير الأوروبي، ووضعوا نصب أعينهم تحطيم السد الذي كان قد أقيم بين الإسلام والفلسفة، منذ حرق مؤلفات فيلسوف قرطبة ابن رشد، معتبرين أن الإسلام صالح لأن يكون الأساس لمجتمع حديث، باعتباره ديناً يُعلي شأن العقل ويفسح صدره للعلم· وقد أرجع رواد الإصلاح الديني الضعف، الذي تعاني منه المجتمعات الإسلامية، إلى الجهل، الذي يتسبب بدوره في سيادة الاستبداد؛ فوقفوا في وجه المؤسسة الدينية الرسمية وحاربوا كل من يقول بسد باب الاجتهاد في الإسلام، مؤكِّدين أن الإسلام لا ينبغي ولا يصح له أن يخالف الحقائق العلمية، وأنه لابدّ من العودة إلى التأويل في كل مرَّة يظهر فيها تناقض بين النَّص وبين العِلم· ü هناك من يقول إن الإسلام دين لا يتوافق مع مبادئ الحداثة، فهل تتفق أم تختلف مع هذا الرأي، ولماذا ؟· üü إن كل مواقف رجال الإصلاح الديني تبيّن خطأ هذا الرأي الذي يتبنّاه بعض المستشرقين الغربيين، من ''إرنست رينان'' في الأمس إلى ''برنار لويس'' اليوم، الذين ينطلقون من منطلقات جوهرانية في زعمهم أن الإسلام دين لا يتعايش، من حيث جوهره، مع الحداثة ومبادئها· من الصحيح أن رجال الإصلاح الديني قد شدّدوا على ضرورة احترام تنوع تقاليد الأمم والشعوب وثقافاتها، ورفضوا التقليد الأعمى للغرب، لكنهم اعتقدوا، اعتقاداً راسخاً، بأن مبادئ الحداثة، التي برزت في الغرب، قد تحوَّلت، مع الزمن، من نتاج غربي إلى مكتسب إنساني· بل أكثر من ذلك، كانوا يعتقدون، من منطلق إيمانهم بمبدأ دوران الحضارة، أن المسلمين، في عصر ازدهارهم العلمي والحضاري، قد ساهموا في تجميع شروط الحداثة· وهذه حقيقة تاريخية ثابتة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الدور البارز الذي لعبه تيار ''الرُّشدية اللاتينية'' في توليد العقلانية بأوروبا· ü ما هي برأيكَ الأسباب التي أدّت إلى غروب تيار الإصلاح الديني وانتكاسة التنوير لدينا ؟· üü أعتقد أن غروب الإصلاح الديني قد ارتبط، ارتباطاً وثيقاً، بالحرب العالمية الأولى وما أسفرت عنه من نتائج، كان من بينها تعزيز الظاهرة الاستعمارية الأوروبية في منطقتنا العربية، وانفجار أزمة اقتصادية خطيرة، على مستوى العالم، وتنامي النزعات الفاشية والنازية في أوروبا· وقد ساهم ذلك كله في تغيير النظرة العربية إلى الغرب، وفي توليد إيديولوجية إسلامية متعصِّبة، لم يعد يرى أصحابها في الحضارة الغربية سوى وجه واحد هو الاستعمار والمادية وفساد الأخلاق ومظاهر الإلحاد· وقد رفض المعبّرون عن هذه الإيديولوجية ''مبدأ الاقتباس الحضاري''، ودعوا إلى ''إحياء'' العادات والتقاليد الإسلامية القديمة، وإلى مقاطعة كل المؤسسات التي أُخذت عن الغرب، كما دعوا إلى نبذ الفلسفة الإسلامية، وعارضوا الموقف العقلاني القائم على أساس تأويل النَّص الديني ليوافق مفهوم العقل ويتماشى مع مبدأ المصلحة· في هذه المناخات الجديدة، انطفأت ''الثورة الثقافية'' في مجال فهم الدين التي أطلق شراراتها الأولى روّاد الإصلاح الديني، لا سيما وأن المعبِّرين عن الإيديولوجيتين القومية والماركسية، الذين طمحوا إلى بناء مجتمعات حديثة، لم يدركوا الحاجة الماسّة إلى ضرورة استكمال هذه الثورة· ü أين تتقاطع، برأيكَ، انتكاسة مشروع النهضة العربية، وانتكاسة تيار الإصلاح الديني ؟· üü كان الإصلاح الديني جزءاً من حركة أوسع، اصطُلح على تسميتها بحركة النهضة والتنوير، وهي حركة وضعت لنفسها هدف نقل مجتمعاتنا إلى الحداثة المجتمعية وضمان تفاعلها مع روح العصر· في دراساتي وأبحاثي حاولت أن أثبت أن المعبرِّين عن تلك الحركة قد جمعهم، على الرغم من التباين في منطلقاتهم ومرجعياتهم، الاعتقاد بأن الإصلاح المجتمعي التدريجي، الذي يبدأ بتغيير الذهنيات والعادات وأنماط السلوك، هو السبيل المفضي إلى التمدن، أو إلى النهضة· ومن هنا، فقد كانت الثورة في مجال فهم الدين جزءاً لا يتجزأ من ثورة ثقافية أشمل، سعى الطامحون إليها إلى التعريف بالأسس التي تقوم عليها الحداثة المجتمعية وهي: الحرية، والعدل، والمساواة أمام القانون، والمواطنة، وحب العمل واحترام الوقت· أما الوسائل التي اقترحوها لتجميع هذه الأسس فقد تمثّلت في: التعليم، والتربية، وتحرير المرأة، وإصلاح السياسة ونظام الحكم، وتحديث اللغة العربية· وقد كان انطفاء تيار الإصلاح الديني أحد مظاهر انتكاسة هذه الحركة النهضوية، التي أرجع البعض انتكاستها إلى تأثير التدخُّل الخارجي، أو إلى تخلف الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، أو إلى طابعها النخبوي، بينما أعار البعض الآخر اهتماماً أكبر إلى دور العوامل الثقافية في هذه الانتكاسة، وعلى الأخص فيما يتعلق بتراجع دور المثقفين في المجتمع وما طرأ من تحوّل على علاقتهم بالسلطة· ü مع أنكَ اشتراكي النزعة، فأنتَ ترفض فكرة الثورة، وترى أن الثورات بالعالم العربي أعاقت مشروع النهضة العربية، ولم تدفعه قدماً، فكيف تفسِّر ذلك ؟· üü لقد استندت في موقفي هذا إلى تجربة الحياة، التي أثبتت أن الثورات التي شهدناها، والتي تنكَّر أصحابها لكل المكتسبات الإصلاحية التي تحقُّقت قبل وصولهم إلى السلطة، وأرادوا البدء من نقطة الصفر دون مراعاة مبدأ المراكمة التاريخية، لم تفلح في نقل مجتمعاتنا إلى الحداثة المجتمعية· والسبب الرئيسي لهذا الإخفاق يتمثّل، في اعتقادي، في كونهم قد استخفوا بأهمية المسألة الثقافية، أو بأهمية الثورة الحقيقية القادرة على تغيير الذهنيات والعادات وأنماط السلوك، واعتقدوا بأن إدخال تغييرات فوقية على البناء الاقتصادي والاجتماعي يمكن أن يفضي إلى تجاوز التخلف والسير على طريق التقدم· طبعاً، أنا لا أستهين بالمنجزات التاريخية التي حققتها الثورات في ميداني التحديث الاقتصادي والاجتماعي، لكنني أعتقد أن هذه المنجزات بقيت قاصرة، بل تمّ النكوص عن بعضها في السنوات الأخيرة، لأنها لم ترتكز إلى أساس ثقافي راسخ، كان رواد النهضة قد وضعوا لبناته الأولى وكان على أصحاب المشاريع الثورية أن يسعوا إلى استكمال بنائه· ü هل ينجح أصحاب الدَّعوة إلى تجديد الفكر الإسلامي، برأيك، في إحياء إصلاحية دينية جديدة تنسجم مع الحداثة وتستجيب لمتطلباتها ؟· üü إن الدعوة إلى تجديد الفكر الإسلامي وإحياء التراث العقلاني والنقدي والمنفتح فيه قد تصاعدت بالفعل خلال السنوات الأخيرة في مواجهة الخطاب الإسلامي التقليدي والمتعصِّب· بيد أن حظوظ هذه الدعوة تبدو ضئيلة إلى الآن في نظري، وذلك لأن أصحابها، المبعدين عن أجهزة الدولة العربية التربوية والإعلامية، لا يستندون إلى قاعدة اجتماعية واسعة بين جمهور المؤمنين، بل لا تزال دعوتهم بمثابة صرخة مثقفين ورجال دين ضعيفي التأثير، في ظروف تتميّز بافتقاد الحريات العامة والفردية، لا سيما حرية التعبير والبحث، وتفاقم الأزمتين الاقتصادية والاجتماعية· ü على ماذا تراهن في مشروع النهضة العربية المتعثِّر، وهل أنتَ متفائل ؟· üü ليست القضية قضية تفاؤل أو تشاؤم، بل القضية هي قضية المصير العربي ومكانتنا في هذا العالم الجديد الذي يشهد مخاض ولادة عسيرة· فالتحدي الذي نواجهه اليوم هو أن نكون أو لا نكون، وهو تحدٍ مطروح أمام الشعوب والأنظمة العربية على السواء· ورهاني هو على كل من يدرك هذا الخطر المصيري، ويسعى في سبيل تجنبه، ليس من خلال الانشداد إلى الماضي والانغلاق على الذات، وإنما من خلال التطلع إلى المستقبل والعمل على امتلاك وسائل الحداثة المجتمعية التي تمكنّنا من الإسهام في خلق شروط عالمية من نوع جديد، لا تعرف الهيمنة والتحكم والتنميط، بل تقوم على التنوع والتكافؤ والتعاون والاعتماد المتبادل·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©