الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفغانستان... وترتيبات ما بعد الانسحاب

5 ديسمبر 2013 00:31
إيملي سيمبسون محللة عسكرية بريطانية يحمل الشعار الشهير الذي تستخدمه حركة «طالبان» في تجنيد أنصار جدد، عبارة: «هل أنت حفيد دوست محمد أم شاه شجوا؟» .. في إشارة ضمنية إلى أن الرئيس الأفغاني يمثل من وجهة نظر أنصار الحركة في الوقت الراهن شاه شجوا، الزعيم الذي عينه البريطانيون خلال الفترة من عام 1839 إلى عام 1842، بينما يبدو الملا عمر- حسب تصورهم- مثل «دوست محمد»، حاكم أفغانستان المهيب في القرن التاسع عشر الذي قطع شجوا فترة حكمه في الحرب الأفغانية الأولى. والرسالة من هذا الشعار واضحة، ومفادها أن الملا عمر حكم قبل كرزاي، وسيعود إلى الحكم مرة أخرى، مثل «دوست محمد». وليس من المثير للدهشة أن كرزاي كشّر عن أنيابه ليظهر أنه حاكم مستقل، مؤكداً بحماسة شديدة على السيادة الأفغانية، بينما يلقي اللوم بوضوح على القوات الأجنبية، وضمنياً على باكستان، في الكوارث التي نزلت بأفغانستان. ولكن هل يفسر هذا رفض كرزاي أخيراً توصية مجلس زعماء القبائل «لويا جيركا» بتوقيع الاتفاقية الأمنية الثنائية مع الولايات المتحدة؟ إن رفض كرزاي يتواءم مع نبرة تصريحاته التي نال بها ثناء مجلس «لويا جيرجا» في عام 2011، عندما قال: «إننا نريد الاعتراف بكامل سيادتنا الوطنية من اليوم .. حسناً الولايات المتحدة أغنى، وأقوى وأكثر سكاناً وأكبر مساحة منا، لكننا أسود! وعليهم أن يحضروا إلينا الأموال ويدربوا جنودنا وأفراد شرطتنا، ويقدموا الأمن لعرين الأسود». وتابع «إن الأسد ليس لديه وقت فراغ لفعل كل هذه الأشياء، وعليهم أن يحموا حماه لكن من دون المساس بعرينه .. عليهم أن يحموا حدود الغابة». والمفارقة أن المجتمع الدولي تسامح تماماً مع هذا الوهم المنطوي على لامبالاة بسبب اعترافه بأفغانستان كدولة ذات سيادة. ويبدو أن كرزاي يرغب في أن يحصل على نصيبه من الكعكة في هذه المرة أيضاً، فبينما صرح بفتور، وبالنبرة السلطوية نفسها، قائلاً «إننا نؤيد هذه الاتفاقية، لكن على الأميركيين أن يحترموا حياة الأفغان ومنازلهم، وينبغي أن يكونوا صادقين ويقدموا مبالغ ضخمة من الأموال»، أكد أنه يرغب في تأجيل توقيع الاتفاقية إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية في أبريل 2014. وعليه، فإن فكرة أن الرئيس الأفغاني المقبل هو من ينبغي أن يوقع هذه الاتفاقية تتلاءم مع الصورة التي رسمها كرزاي لنفسه في نوفمبر الماضي على أنه طرف محايد في الصراع قائلاً: «إن كثيراً من الناس فقدوا حياتهم، بعضهم بسبب هجمات «طالبان»، والبعض الآخر نتيجة الهجمات الأجنبية باسم الحرب ضد الإرهاب، وضحايا هذين النوعين من الهجمات موجودون هنا». غير أن المشكلة التي واجهها كرزاي في إعادة استخدام لغة القلق بشأن السيادة كالمعتاد هو أنه لم يحظ في هذه المرة بثناء، وعلى النقيض، أفاد رئيس مجلس «لويا جيركا» صبغة الله مجددي، عقب كلمة كرزاي أمام المجلس، بأنه ما لم يتم توقيع الاتفاقية، فإنه سيستقيل من كافة مناصبه ويطلب اللجوء في دولة أخرى». وتظهر هذه التصريحات العلانية الاستفزازية عدم اكتراث كرزاي في الوقت الراهن بالمجتمع الدولي، لا سيما الولايات المتحدة التي تحمي الدولة الأفغانية، لكن في عام 2011 كان لا يزال يحتاج إلى الحماية الأميركية، إذ أن الانتخابات الرئاسية المقبلة ونقل المهام الأمنية للقوات الأفغانية في عام 2014 كانت لا تزال بعيدة، وأما الآن أصبحت على الأبواب. وأشار عبدالله عبدالله، المرشح الذي هزمه كرزاي في انتخابات الرئاسة عام 2009، إلى أن كرزاي يجازف بإمكانية انسحاب الولايات المتحدة بشكل كامل بعد عام 2014، وهو ما يشير ضمناً إلى الإقرار بأن أفغانستان لم تعد أولوية استراتيجية أميركية كما كانت. وفي هذه الأثناء، لم تعد هناك مصداقية للقلق الذي يبديه كرزاي بشأن السيادة الأفغانية، لاسيما في ظل حقيقة انتهاء ولايته العام المقبل، وعليه فإن الشروط التي علق عليها توقيع الاتفاقية الأمنية تبدو جوفاء، لكنه وضعها قلقاً ليس فقط من الملاحقة بسبب تزوير الانتخابات الرئاسية التي خاضها في عام 2009، ولكن أيضاً بسبب الفساد الضخم الذي استشرى في الدولة الأفغانية في ظل حكمه. وباختصار، أن الفارق بين كلمة كرزاي أمام «اللويا جيركا» في عام 2011 وكلمته في نوفمبر الماضي أنه قبل عامين كان يمكن أن يتحدث نيابة عن الدولة، وأما الآن فإنه يحابي موروثه الخاص على أي شيء آخر. غير أن الأهمية الأساسية للاتفاقية الأمنية الثنائية أنها تجعل من الصعب أن يمثل التمرد تهديداً فعلياً على الدولة الأفغانية من دون تمكنه من الانتصار في المعارك التقليدية مع الجيش النظامي، وهو أمر من الصعب تصوره طالما أن قوات الأمن الأفغانية يمكنها أن تعتمد على الولايات المتحدة في دعمها. لذا، فإن توقيع الاتفاقية الأمنية الثنائية مهم، وخصوصاً في هذه المرحلة، ذلك أن توقعيها يقدم دليلاً إرشادياً لاتفاقيات أخرى لم تبرم بعد، وستؤكد هذه الاتفاقية حقيقة أنه بينما تسعى القوات المتمردة إلى المناطق الريفية في أفغانستان، ستضمن الحكومة في مناطق «البشتون» الجنوبية والشرقية الحفاظ على المدن والطرق الكبرى في قبضتها. وفي نهاية المطاف سيحدد الأشخاص الذين ليس بمقدورهم مغادرة أفغانستان - مثل كرزاي - المخاوف بشأن سيادة الدولة، ويبدو أنهم في الوقت الراهن سئموا الخيال الذي يكتنف تصريحات الرئيس الأفغاني. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©