السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تايلاند: أزمة سياسية

5 ديسمبر 2013 00:31
جوشوا كيتينج محلل سياسي أميركي اتخذت الاحتجاجات المتصاعدة التي اجتاحت شوارع بانكوك منحى عنيفاً بسقوط ثلاثة قتلى أثناء عملية إطلاق النار التي اندلعت بين الطرفين المتخاصمين، ومع أن المظاهرات المناهضة للحكومة التي انطلقت قبل أسبوع استطاعت، وعلى نحو مؤقت، اقتحام البنايات الحكومة ومقر التلفزيون، إلا أنه لا يبدو مرجحاً قدرتها على بلوغ هدفها النهائي والمتمثل في إرغام رئيسة الوزراء، «ينجلوك شينواترا» على مغادرة السلطة، حيث فشلت المظاهرات في اقتحام مقرها المحصن على مدى نهاية الأسبوع الماضي، والأهم من ذلك لا تلوح في الأفق أي إشارات على استعداد الجيش والمؤسسة الملكية التدخل لصالح الاحتجاجات، لكن مع ذلك تشكل حالة المواجهات العنيفة والدورية التي باتت تشهدها شوارع العاصمة التايلاندية وما يسفر عن ذلك من سقوط للأرواح مبعثاً حقيقياً للقلق يتعين التعامل ومعه ومعرفة أسبابه، إذ من الصعب تطور المؤسسات الديمقراطية ونضجها في بيئة من الصراع السياسي تنتهي بسقوط القتلى. ويبقى الأمر مثيراً للإحباط، خصوصاً في الحالة التايلاندية، التي كان يعتقد قبل وقت وجيز على انطلاق موجة الاحتجاجات العنيفة أن مؤسساتها الديمقراطية تعمل على نحو طبيعي وتقوم بعملها كما يجب، وتعود جذور الأزمة الحالية إلى مشروع قانون العفو الذي تقدمت به الحكومة إلى البرلمان، والذي كان سيقود في حال إقراره إلى عودة رئيس الوزراء السابق، «تاسكين شيناواترا»، وهو شقيق رئيسة الوزراء الحالية، إلى البلاد. ويبدو أن الاضطرابات السياسية التي هزت تايلاند خلال السنوات القليلة الماضية تدور جلها حول تاسكين الذي أطيح به عام 2006 في انقلاب عسكري، حيث يعيش حالياً في المنفى ويواجه تهماً بالفساد، وفي محاولة عامة لفهم ما يجري في تايلاند لا بد من الإشارة إلى أن تاسكين ما زال يحظى بشعبية كبيرة لدى الفئات الفقيرة المنحدرة من أوساط ريفية، بحيث يُنظر إليه كحليف شعبوي ومنقذ للفقراء، فيما تعتبره الطبقة المتعلمة والمدنية المنتمية للطبقة الوسطى سياسياً مستبداً. وقد واجهت المؤسسة العسكرية أنصار «تاسكين» المعروفين بـ«القمصان الحمر» الذين خرجوا في احتجاجات عارمة عام 2010 بحملة قمعية عنيفة خلفت 90 قتيلاً، وفي المقابل أقدم مناهضو «تاسكين» المعروفون باسم «القمصان الصفر» على تنظيم مظاهراتهم الخاصة المناوئة له، وحتى بعد انتخاب ينجلوك في 2011 كأول سيدة تتولى رئاسة الوزراء في تايلاند اعتبرتها المعارضة مجرد وكيل لشقيقها، الأمر الذي أكده، من وجهة نظرهم، مشروع قانون العفو. واللافت أن القانون الذي مررته الغرفة الأولى في البرلمان سقط في مجلس الشيوخ بالإجماع بعد أن صوت جميع النواب البالغ عددهم 141 ضده، لتتعهد الحكومة إثر ذلك بالتخلي عنه، لكن مع الأسف وبدلاً من إسقاط محاولة رئيسة الوزراء العفو عن أخيها عبر المؤسسات القائمة فضل قادة الحزب «الديمقراطي» المعارض الاستقالة من مناصبهم والنزول إلى الشارع لحشد المتظاهرين، رافعين مطلباً رئيسياً متمثلاً في تنحي رئيسة الوزراء واستبدال النظام الديمقراطي الحالي بآخر فضفاض أطلقوا عليه اسم «مجلس الشعب». وقد دفع الواقع السياسي التايلاندي العديد من المراقبين إلى دحض الفكرة السائدة في العلوم السياسية التي تقول إنه كلما اغتنت الشعوب ونعمت بالرخاء والازدهار صارت أكثر ديمقراطية، لكن في تايلاند يبدو أن الطبقة الوسطى الأكثر ازدهاراً وتعليماً هي ربما الأقل تأييداً للديمقراطية، أما العائق الآخر الذي يحول دون نضوج العملية الديمقراطية في تايلاند فتتمثل في القوانين الصارمة المتعلقة بالذات الملكية التي غالباً ما تُستخدم لتجريم المعارضة السياسية، وهو ما أظهرته الأزمة الحالية بعدما تبادل الطرفان تهماً بالإساءة للملك. ولا شك أيضاً أن الانقسام السياسي في تايلاند الذي يتخذ ألواناً متباينة هو أحد نتائج الهوة المتسعة بين الأغنياء والفقراء، فالتفاوت الطبقي في البلاد آخذ في التعمق ويُعتبر من الإشكالات الأساسية التي تعانيها تايلاند، بحيث يمتلك 20 في المئة من السكان الأكثر غنى حوالي 70 في المئة من مقدرات البلاد، وذلك حتى في الوقت الذي تشير فيه بعض المعطيات إلى تراجع خفيف في نسبة التفاوت الطبقي كما ذهب إلى ذلك «نيولي بيرنيل» في مقال له بمجلة «نيويوركر». ومع أن المراقبين يأملون في انحسار حالة الاستقطاب السياسي الحاد بين مختلف الفرقاء في ظل النمو الاقتصادي والازدهار النسبي الذي يعم عدداً متزايداً من السكان وتوظيفه لتكريس الديمقراطية، تظهر الأزمة الحالية، وقبلها الاضطرابات السياسية السابقة، أن الأمور في تايلاند لا تسير في هذا الاتجاه. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©