السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

غواية التأمل على التخوم بين العقل والوجدان

غواية التأمل على التخوم بين العقل والوجدان
18 ديسمبر 2014 01:43
محمد وردي (دبي) فيلم «قدرات غير عادية»، الذي عرض في مهرجان دبي السينمائي، لم يبتعد كثيراً عن فكرة إعلاء شأن الحرية أو قيمة الإنسان بالمعنى الفلسفي من حيث كونه سيداً بفكره ورؤاه، ويستطيع أن يرسم أحلامه، ويقرر مصيره بنفسه في كل الظروف والأحوال. وهي الموضوعة الأثيرة لدى المخرج داوود عبد السيد، وخاصة في أفلامه الأخيرة مثل، «أرض الأحلام» و«البحث عن سيد مرزوق» و«أرض الخوف» و«رسائل البحر». ويشاركه هذا «الهَوَس الإبداعي» الجميل بحرفية عالية، الفنان الموهوب النجم خالد أبو النجا، الذي بدا في الآونة الأخيرة، وكأنه في حالة تنافس مع نفسه، خاصة في فيلمه الأخير «فيللا 69»، الذي نال عن دوره فيه جائزة أفضل ممثل بفي «المهرجان القومي للسينما المصرية» خلال العام الجاري. بحث علمي تدور أحداث الفيلم في إطار البحث عن قدرات غير عادية، يظن الأستاذ الجامعي يحيى (يقوم بالدور النجم خالد أبوالنجا) أنه لا يمتلكها، فيبحث عنها لدى سواه، من خلال بحث علمي يُعده عن الموضوع، ولكنه يفشل في ذلك تماماً، الأمر الذي يجعل إدارة الجامعة ترغمه على أخذ إجازة لإعادة النظر في بحثه، فيمضي مغادراً بلا هدف، إلى أن يصل إلى «بنسيون» على شاطئ البحر في الإسكندرية، فينزل فيه وسط مجموعة من النزلاء، لا يجمعهم جامع سوى البحث عن الذات، ولكن يمضي كل منهم في مسار مختلف عن الآخر، فأحدهم مطرب أوبرالي، وآخر أستاذ فنون متقاعد، وثالث شيخ من هواة عزف العود والغناء الشرقي، ومخرج إيطالي وصل إلى الإسكندرية لإعداد فيلم حول «عاهرات المتوسط»، فتمتد الإقامة فبه إلى أكثر من عامين، وصاحبة البنسيون الشابة المطلقة حياة، وابنتها الطفلة فريدة، والخادم حبيب الله. تنشأ علاقة إلفة ومودة مع الجميع، ولكنها مع صاحبة البنسيون تأخذ بعداً آخر، كان مفقوداً بحياة يحيى، وتزداد العلاقة حميمية، بعد أن اكتشف أن ابنتها فريدة تمتلك القدرات غير عادية، التي يبحث عنها، بعدما أجابته رداً عن سؤاله حول السبب الذي يجعل أمها، تمشي فجراً على الشط، بأنها تفعل ذلك عندما تفكر. وحينما سألها بماذا تفكر؟. أجابته: «تفكر بك»، وراحت تضحك بمكر، وكأنها تقول له، و«أنت تفكر بها». فراح يختبر قدراتها بموضوعات مختلفة، ختمها بوضع طبق من التفاح على ظهر الخزانة، وتظاهر بالنوم، فدخلت فريدة غرفته وحاولت الوصول إلى الطبق فلم تسعفها الاستعانة بالكرسي، فوقفت قبالة الطبق وراحت تحدق بالتفاحات حتى أسقطت واحدة منها على الأرض. ولكنه بعد ملاحظات مشابهة مع الأم، حسب أنها الأصل في القدرات، فراحت الأفكار تتجاذبه بشأن ذلك، إلى أن تدخلت الحكومة بشكل مباشر، بعد أن كانت تتابع البحث سراً، فتهرب حياة بابنتها متخفية بنقاب من دون علمه. سياقات لماحة وبعد فترة نفذت خلالها مدخراتها وسئمت مطاردة الاستخبارات من دون ذنب ارتكبته، سوى البحث عن حريتها وحرية ابنتها، حينها تخلع الحجاب وتسلم نفسها إلى الضابط، فتُجرى عليهما مجموعة اختبارات، تأكد خلالها أن فريدة تمتلك تلك القدرات. أما يحي فراح في هذا الوقت يعتقد أنه هو صاحب القدرات، وخاصة حينما شاهدهما لحظة دخول مركز الشرطة بالتوازي مع لحظة استدعائهما ذهنياً، إلا أن سيارة صدمته وأصابته بكسور، فنقل إلى المستشفى، ما جعله يعتقد أن تمظهرات القدرة لدى حياة وابنتها، ما هي إلا مجرد تخاطُر هو من يقوم به، وخاصة بعد أن اختبر نفسه بالمستشفى من خلال تحريك إبريق الماء، والكرسي، وكرر الأمر بعد خروجه من المستشفى، عندما تمكن من رفع اللعبة من الأرض إلى يد طفلة تحملها أمها من دون تنتبه لذلك. ويمضي الفيلم على مدى ساعتين، في هذه السياقات اللماحة، التي تجمع بين الفانتازيا الشعورية أو الوجدانية، والتصورات الذهنية الفلسفية، التي تحرض على التأمل والتفكير وطرح التساؤلات المرهفة حول الذات والحرية، أكثر مما تعرض من الوقائع بخصوص موضوعة القدرات غير العادية لدى البشر. وكعادته ينجح داوود عبد السيد في تقديم موضوعات مغرقة بالفلسفة، من خلال تصوير عوالم الشخصيات بإطارات شفافة، بعيدة عن التعقيد أو الإبهام. ويستجيب معه النجم المتألق خالد أبو النجا في ذلك النزوع الجميل، الذي يمارس غواية البحث والتفكير على التخوم ما بين العقل والوجدان. فيبدع بتقديم شخصية إنسانية باهرة بجمالياتها، سواء على مستوى الشفافية والرهافة المقنعة بإلفتها وصدقها المفرط، أو على مستوى التأمل العميق في كينونة الذات ولهاثها الدائم نحو الأجمل والأرقى بكل المعاني الفلسفية أو المعرفية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©