السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحطاب.. يُهندسُ الحنين

الحطاب.. يُهندسُ الحنين
13 مايو 2007 00:02
يعشق الإماراتي إبقاء صور من التراث تحيط به في أي ركن من بيته، لكن هذا العشق لم يعد حكراً عليه، فسرعان ما تسرب حب التراث الإماراتي إلى الأوروبيين وأثرياء آسيا وغيرهم ممن أحبوا اللمسات التراثية الإماراتية - وكلها من النخلة - وعملوا على توفيرها في بيوتهم، سواء في الحديقة أو داخل غرف المنزل أو خارج سور البيت· لكن وراء هذا الحب والرغبة في العودة إلى الطبيعة على مستوى الأثاث المنزلي، إبداع مواطن فنان اسمه سليمان الشامسي، فما هي حكاية سليمان وكيف تحول من موظف إلى مهندس ديكور يهندس حنين الإماراتيين إلى الماضي ويبني لهم من التراث بيوتاً رائعة؟ موزة خميس: ''الحطاب'' هو الاسم الذي اتخذه سليمان الشامسي شعاراً يفخر به، ليس فقط لأن مهنة النجارة والخشب هي إرث خلفه له الجد والوالد، بل لأنها أيضاً مهنة أحد الأنبياء وهو سيدنا نوح عليه السلام الذي استخدم مهنة النجارة لصنع سفينته التي نقل فيها من تبعه وقت الطوفان· أما الحكاية فبدأت بديكور محل تجاري لأحد أصدقائه الذي وثق به وطلب منه أن ينجز له ديكور محله، وحين لمس سليمان دهشة وإعجاب كل من شاهد إنجازه، أضاف على أدواته كل جديد وحديث في عالم الديكور والنجارة· ولما كان لا يملك مفاتيح الألوان قرر أن يتعلم شيئاً من عالم الصباغة· كان أهم ما يحلم به أن يتعلم كيف يعطي للخشب إيحاء بأنه مشقق أو مكسر وهو نوع من التعتيق، فالتحق بأحد الأماكن الشهيرة في عالم (البينت) أو الصباغة، ولم يصدق النتيجة الرائعة التي وصل إليها، لكنه اختزنها في ذهنه، وأنجز ثلاثة ألواح حملها معه إلى بيته وكان فخورا بالنتيجة· الطريق الى دبي ولأن (أمرهم شورى بينهم) تشاور سليمان الشامسي مع الأخ الأكبر وكذلك مع عدة أصدقاء، وأسفرت المشورة عن قرار بتقديم استقالته كي يتفرغ لإقامة مشروع (الحطاب)· ومن منجرة قريبة من منزله في عجمان بدأ العمل مع بعض العمال، وبعد أن اكتسب خبرة شخصية في مجال الديكور، وصنع له اسماً معروفاً في هذا الحقل، تأمل في الحالة الاقتصادية وسوق العمل ووجد أن دبي هي أحد أهم مفاتيح نجاح المشاريع وخصوصا في مجال النجارة، وحين فتح مشروعه في دبي وجد المجال مفتوحاً وناجحا· النخلة هي الأصل أهم ما يعمل سليمان عليه هو النخلة التي يحمل كل جزء منها فائدة للإنسان، ولذلك تعتبر النخلة أحد أهم رموز الإماراتي الذي يفخر بمقولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان''رحمه الله'': (النخلة أم الإماراتيين)، فكل جزء من النخلة كان مفيدا للإماراتي، وكانت المنازل القديمة عبارة عن (عرش وهو جمع عريش وهو بديل الغرفة) أو خيمة من مخلفات النخلة، والناس اليوم وفي هذه الألفية لديهم حنين دائم إلى ما يبقيهم مرتبطين بالصور التي لا تزال مخزونة في ذاكرتهم، ولذلك هناك مئات الآلاف من الفلل وحتى الفلل الشعبية التي تقيمها الحكومة للمواطنين، تضم بداخلها إما عريشا أو خيمة (يسميها بعض العرب المستعربين: كرين)، كما توجد المظلات أيضاً، ويقيم البعض في مزارعهم (حضيرة) وهي ليست الحظيرة التي تحبس فيها البهائم، ولكنها لدى العرب الأصليين التي يحضر اليها الرجال للجلوس بداخلها لتبادل الأحاديث· ابتكارات خلابة يقول سليمان إن هناك الكثير من الأفكار والمبتكرات التي يمكن أن تنفذ لتعطي إضافات خلابة ومبهجة للمنزل، وتعكس شخصية صاحبه أو تبرز ارتباطه بالبيئة المحيطة به، حتى إن الأوروبيين يبدون تأييدهم للعودة الى كل ماهو طبيعي بوضع بعض الأثاث من البيئة المحلية أو الطابع التراثي الإماراتي، دلالة على حبهم للطابع المحلي· ويمكن تنفيذ مشاريع لديكور المنازل والحدائق ولأي جزء من المنزل، حتى أنه يمكن عمل مواقف داخلية للسيارات التي يملكها أصحاب المنزل على النمط التراثي، أو يمكن تنفيذ كراسي مع طاولات للحديقة أو الشرفة من الحطب أو الخشب، وأيضا تعريشه أمام مداخل البيوت أو الباب الرئيسي الداخلي للفيلا، كي تنمو وتتسلق عليها النباتات وشجيرات الزهور· تعديلات على الخيال يتم تنفيذ الفكرة بعد أن يقوم الراغب في شيء من التراث المحلي ببحث الفكرة مع سليمان، ولكن البعض يرغبون في تنفيذ فكرتهم كما يتخيلونها هم، ويرفضون أي اقتراح لتبديل أو حذف أو إضافة أي تفصيل جديد، والبعض الآخر يقول فكرته ويتقبل المقترحات والإضافات والتغيير الذي ربما يدخل عليها، المهم ان يحصلوا في النهاية على شيء مميز عن ما شاهدوه من التصاميم التي تم رسمها أو تلك التي تم تنفيذها، حيث قام بتصميم وتنفيذ الديكور لأكثر من 500 ألف بيت ومزرعة· أهم ما يركز عليه سليمان هو فكرة إعادة تدوير مخلفات النخلة، كما كان يفعل الأجداد قديما، حيث صنعوا من النخلة أركان الغرفة التي أقاموا فيها وهي إما عريش للصيف أو خيمة من سعف النخلة المرصوص وهو ما يسمى (الدعن) الذي يستخدم لكل شيء في البناء· كما صنعوا (العسو) وهو ما يبقى بعد قطف ثمر النخلة الرطب، فكان قديما يكنس به المخلفات الكبيرة، أما المكنسة فكانت من خوص أو سعف النخلة والجريد الذي ينبجس السعف منه، كما يحبك السعف لصنع المشب الذي يشبه المروحة وكان يستخدم لإضرام النار ولتبريد الطعام، أما المروحة التي بردت عليهم حر الصيف فهي المهفة، والعشرات من الأدوات التي خدمت الإنسان الإماراتي· واليوم كما بالأمس، يمكن للنخلة أن تهديك ديكوراً رائعاً لبيتك أو حديقتك المنزلية، وأن تضفي على باب دارك من الداخل أو الخارج روحاً خاصة من البهجة التراثية التي تجعل من بيتك شيئا يحكي عنك· لا سيما أن الحطاب يستطيع أن ينفذ مشروعات كبيرة في مساحات صغيرة، وأن يستثمر كل زاوية في المنزل، ويسبغ على أي تصميم حديث مبتكر الطابع التراثي بإضافة أجزاء من النخلة التي كانت وستبقى ''أم الخير''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©