الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البحث عن "رامبو" الجديد

13 مايو 2007 00:11
إبراهيم الملا: ارتبط اسم المخرج الأميركي الأسمر ''أنطوان فوكوا'' بأفلام ذات هوى ميلودرامي، تعتمد أساسا على التشويق والإثارة، ويمتزج فيها العنف الخارجي، بعوالم الشخوص الداخلية، المليئة بانكسارات ذاتية، وهزائم شخصية يعززها واقع مشوش ومؤامرات ومكائد وإحباطات اجتماعية تزيد من شراسة المواضيع المطروحة في أفلامه، وتؤجج من روح الانتقام وتصفية الرؤوس المدبرة لكل هذا الفساد السياسي والاقتصادي المستشري في المكان· دموع الشمس ومن أفلام ''فوكوا'' المهمة في هذا السياق يبرز فيلمان: أولهما (دموع الشمس) الذي أخرج عام 2003 وشارك في بطولته كل من: ''بروس ويليس'' والإيطالية ''مونيكا بيللوتشي''· ويتوضح في هذا الفيلم مدى العطف الكبير الذي يبديه المخرج تجاه القارة السوداء، ومدى الحنين الشخصي الذي يحمله لأفريقيا الغارقة في البؤس، والمطحونة بآلة الحرب الداخلية والفقر والمجاعة والأزمات السياسية الضاربة بجذورها في هذه البقعة المنسية والمهملة في خارطة الإعلام العالمية· الفيلم الثاني الذي يعتبر من أفضل ما قدمه ''فوكوا'' حتى الآن هو ''يوم التدريب'' الذي حققه العام 2001 وشارك في بطولته كل من ''دينزل واشنطن'' و''إيثان هوك''، حيث يقوم ''واشنطن'' بدور الشرطي الفاسد الذي أجبرته وقائع الحياة المنهكة على اللجوء لوسائل دنيئة لتخطي إحباطاته الشخصية وتمزقاته الداخلية· وعندما تتحول هذه الوسائل الأولية والطارئة إلى غاية نهائية يصبح الشرطي الفاسد جزءا من منظومة إجرامية يسود فيها منطق القوة وغياب الثقة والتصفيات الجسدية العنيفة· ومن الأفلام الأخرى التي يضمها الأرشيف الإخراجي لفوكوا نذكر: ''الملك آرثر'' و''قتلة بدلاء'' و''بريق في زجاجة'' و''صعود عائلة آل كابون''· أما فيلم ''القناص'' الذي نحن بصدد تناوله والذي عرض مؤخرا في صالات الدولة فهو لا يبتعد كثيرا عن أجواء أفلامه السابقة، ماعدا الفيلم التاريخي ''الملك آرثر'' طبعاً والذي تعود قصته إلى العصور الوسطى في أوروبا· فعطفا على السيناريوهات التي يعشق ''فوكوا'' التعامل معها والمتماسة مع أجواء الأكشن ذات الحمولات الإنسانية المشغولة بأحاسيس الظلم والاضطهاد، يتناول فيلم ''القناص'' قصة المجند المتقاعد ''بوب لي سواجر'' الذي يقوم بدوره الممثل ''مارك والبيرج '' رشح مؤخرا لجائزة أفضل ممثل مساعد في حفل الأوسكار عن فيلم ''المغادرون'' · وتعود أسباب ابتعاد هذا المجند عن الخدمة العسكرية للواقعة المؤلمة التي عصفت به وبصديقه الذي ذهب ضحية تخلي القوات الأميركية عنهما أثناء مهمة خاصة في أثيوبيا، ف''سواجر'' القناص والمتخصص في استخدام البنادق بعيدة المدى يختار بعد هذه الحادثة العيش في عزلة وسط غابات وأحراش ولاية ''أركنساس''· تبدأ حبكة الفيلم الرئيسية مع زيارة وفد حكومي للمكان الذي يقطنه ''سواجر'' لإقناعه بالعودة إلى الخدمة والإستفادة من خبراته في التعامل مع الأسلحة المعقدة، خصوصا وأن الرئيس الأميركي ( لا يتم ذكره في الفيلم) معرض للإغتيال· وحسب المعلومات الواردة لجهاز الاستخبارات فإن عملية الإغتيال ستنفذ من قبل قناص مخضرم وذي خبرة طويلة في هذا المجال· وبعد رفض وممانعة يوافق ''سواجر'' على مساعدة الحكومة لإيقاف العملية وإنقاذ الرئيس الذي لا يكن له ''سواجر'' أي حب أو عاطفة شخصية حسب ما قاله للكولونيل إسحاق جونسون الذي جاء لزيارته (يقوم بدوره الممثل المعروف: داني جلوفر)· حقائق مريبة في اليوم المخصص للحدث يستقبل الرئيس الأميركي رئيس القساوسة في إثيوبيا والذي يسعى حسب السياقات اللاحقة في الفيلم للكشف عن حقائق مريبة وممارسات بشعة يمارسها تجار نفط أميركان في بلده، تخطئ الطلقة الرئيس وتصيب القس· أما ''سواجر'' فيكتشف أنه ضحية مؤامرة محبوكة جيدا نفذها الكولونيل جونسون مع مجموعة من العملاء الفاسدين في الحكومة والمستفيدين من عوائد النفط الإثيوبية رغم ظروف القتل والتشريد والتنكيل التي يتعرض لها الأهالي الفقراء هناك كي يهجروا قراهم لصالح الشركات الكبرى· تلصق التهمة بسواجر الذي يصاب بعدة طلقات نارية ويهرب نازفا من أجل إنقاذ حياته والعودة للانتقام من الزمرة الفاسدة في الحكومة، وفي لقطات تذكرنا بفيلم ''دم أول'' مع ''سيلفستر ستالون'' يقوم ''سواجر'' بخياطة جروحه ذاتيا، ثم يلجأ لخطيبة صديقه الراحل كي تساعده على إخراج الرصاص من جسده· وفي ذات الوقت يتعاطف أحد العاملين في الاستخبارات مع قضية ''سواجر'' (يقوم بدوره مايكل بينا) ويساعده على كشف خفايا القضية وفضح المتلاعبين بمصائر البلدان الفقيرة من أجل مصالحهم الشخصية وجشعهم المادي الذي لا يحدده اي سقف أو مبدأ أو وفاء وطني· عموما فإن فيلم ''القناص'' رغم تقنياته الجيدة واشتغاله البصري المواكب للإيقاعات السريعة في حرب الشوارع والمعارك الميدانية، إلا أنه وقع في فخ البحث عن ''رامبو'' جديد عوضا عن البطل المعروف في السلسلة الكلاسيكية التي جسدها ''سلفستر ستالون'' كرمز صارخ هنا على قوة الفرد وتفوقه على منظومة هائلة من أعداء الداخل وخصوم الخارج· والممثل ''مارك والبيرج'' سيكون الخاسر الأكبر إذا قارناه ب''ستالون'' في هذا السياق، خصوصا وأن ''والبيرج'' لا يتمتع بالكاريزما السينمائية المتعلقة بهذه النوعية من الأفلام· من ناحية أخرى تبدو ملامح ''والبيرج'' وكأنها منتمية لشخص غامض ومقفل على أسرار شخصية مبهمة، وهو أصلح للقيام بالأدوار المركبة كما رأيناه في فيلم ''المغادرون'' في الوقت الذي جسّد فيه ''ستالون'' صورة العنفوان الداخلي والخارجي، بترجمة حسية وأدائية واكبت الظروف السياسية والعالمية في الثمانينيات من القرن الماضي، والتي خرجت فيها سلسلة ''رامبو'' كعنوان لصورة الإنسان السوبرمان، أو صورة الدولة العظمى الجائعة للسلطة القصوى والمهيمنة على العالم!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©