الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مشهدان قصيران من حياة حافلة

مشهدان قصيران من حياة حافلة
18 ديسمبر 2014 01:30
سوء تربية تجرعت آمنة مرارة العيش مع عبيد، كرهت حياتها معه، وتمنت مراراً الموت على أ لا تبقى بقربه يوماً، ولا أن تُقاسمه تلك الحياة التي أصبحت كحفرة مليئة بالعقارب والأفاعي السامة، لقد كان بخيلاً جداً، ورغم بُخله الشديد كان سيء الأخلاق والطباع. أجاد عبيد استخدام السياط في تعذيب زوجته، فلم يكن يترك السوط لحظة بعيداً من قبضة يده، فكان سادياً جباراً يعذبها مراراً وتكراراً، لم يكن يرى بأنها أنثى تستحق العيش والرعاية والحنان، على الرغم من أنها كانت أماً جيدة وزوجة مطيعة، فقد كرست حياتها في خدمة ورعاية أطفالها الخمسة، اعتاد أطفالها على الالتصاق بباب غرفة والديهم، ويسترقون السمع كُلما بدأ عبيد في تعذيب آمنة ويبكون لبكائها وعذابها، غرس عبيد الكراهية في قلوب أبنائه. كانوا يُكنون له الكُره والضغينة على صنيعه معهم، ومع والدتهم المسكينة، كان قاسياً جداً عليهم، لِم يُشعرهم يوماً بأنه والدهم الذي يُحبهم كبقية الآباء، لم يكن يحتضنهم ويحبهم كأي أب يُحب أبناءه ويخاف عليهم، بل كان جباراً لا يُطاق. ظل على حالته تلك لم تُغيره الأيام، وازداد جبروته يوماً بعد يوم، عاشوا معه الحرمان في ظل وجوده، تجرعوا منه الحسرات والويلات، ولاقت منه آمنة العذاب الذي لم ترهُ امرأةً مثلها قط. في ذات صباح، صَحا الأطفال وفزعوا فزعاً شديداً على صراخِ والدتهم التي افترشت الأرض باكيةً بعد أن إنهال عليها زوجها ضرباً، وهرب مُخلفاً وراءه أسرةً مُحطمة، هجرهم ورحل، تركهم بغير عائل، عاشوا الحرمان، ولكن آمنة لم تقف لحظةً مكتوفة الأيدي، بل سارعت في البحث عن عمل، فلقد كانت تمتلك شهادة دراسية تُؤهلها في الحصول على وظيفةٍ مرموقةٍ، فكان الحظُ حليفها. كافحت كثيراً من أجلهم ـ من أجل أبنائها ـ وعندما أصبحوا في عُمر الشباب واشتد عودُهم، وأصبحوا يُعتمد عليهم في ميادين الحياة، تقاعدت آمنة من عملها بطلب من أبنائها الذين كرسوا حياتهم لرعايتها، عاد ذات ليلة بعد أن هجرَهم لسنواتٍ نادماً يجرُ وراءَه أذيالَ الأسَى والخيبةَ، لقد تركتهُ زوجتُه الجديدة بعد أن طعنَ في العمرِ، وازداد مَرضَه، فقد أصُيبَ بمرضٍ عُضالٍ، وجاء لأبنائهِ طالباً منهم رعايَتَهُ... أصبح يأمرُهم ببره، مُتناسياً ما اقترفته يداه في السابق، عاد يُطالبُهم باحتوائهِ، فقد أصبح شيخاً كبيراً لا يستطيع العيشَ وحيداً متوسلاً بقوله تعالى، «وبالوالدينِ إحساناً..».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©