الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أمامَ الغَريب

أمامَ الغَريب
18 ديسمبر 2014 01:30
أخضرُ ضوءاً على الأوراقِ يُشعّ يتفضّضُ يتموّجُ في الهواءْ لمَعاتٌترقصُ في وهَجِ الشمسِ يُلقي الظلّ عتمةً على أرضٍ تُرابُها، خطوةً خطوةً، يرتفعُ باقاتٌ من غُبارٍ تتوحّدُ بالْتمَاع الأوْراقِ شريطٌ عليْهِ أثرُ دَبيبِ النّملِ (منهُ كانَ أجدادٌ يَصْنعونَ طعامَهُمْ) منظرٌ منَ الذاكرةِ يعودُ يَرْتوي برسُومِ خَلْوةٍ كانت اسْتضافتِ الصوفيّ فوقَ أرضِ أندلسٍ فَهلْ قطفَ غُصناً في الظهيرةِ عندمَا الزّهورُ كانتْ تضربُها أمطارٌ تُسكّنُ الغُبارَ وتنقّي الهواءْ؟ تخشَعُ الغابةُ شفّافةً في جوْفِ يدٍ نديّةٍ لن أنتظرَ معَ الهَجيرِ رجُوعَ الضّبابِ وأسْتمتعَ بانتعَاش رحَابهَا هناكَ حدَّ السّنديانِ والبلوطِ يرْعَى قطيعٌ قوائمُهُ سَوْداءُ أسْفلَ علَى الضّفّة الأخرى يستسْلمُ السّهْبُ للمَراعِي منَ الحلفاءِ والعَرَارِ أراكَ فيها تستنشقُ زَهرةً عمرُهَا يومٌ واحدٌ وُلدتْ من زخّةٍ مفاجئةٍ تغسلُ العُنّابَ فوقَ الطينِ الذي يتشقّقُ تهيّأ لي أنْ أقيمَ لنفسيَ خيْمةً وأغمسَ معَ الفجْرِ خبزيَ في نُسْغٍ سالَ بيْنَ الأحجَارِ لألطّخَ القُماشَ القريبَ قُبالةَ رائحةٍ تُهيّجُ من الرِّحيّ تنبعَثُ وَتنتشرُ في الأجْواءْ مدَى طريقٍ تحفّرَ يَقودُ إلى العَداوةِ رمادٌ حارٌّ دُفنَ تحتَ الرّمالِ ألمْ أقلْ لكمْ هذه الأشجارُ ترقصُ بانتظارِ الموْسمِ ألمْ أقُلْ هناكَ شبَحي يَظهرُ في مُطاردةِ عَصيرٍ من الثمَارْ؟ ينبجسُ اللّبابُ حوْلَ النّواةْ أعليْنا أنْ نقطفَهُ ما دامَ أخضرَ أمْ ننتظرَ حتى يبلُغَ السّوادْ لربّما منهُ أصنَعُ مِداداً بنفْسجيّاً لأكتبَ هذه الكلماتِ علَى بَياضِ المنديلِ بمُجرّد ما تتلقّى منهُ الوجْنةُ الرشاشَ تُحوّلُ النّواةُ المسْحوقةُ السائلَ ماءً منْ ذهبْ قبْلَ أن يُلامسَ أنْسجةَ حُنجرةٍ تَسْتقبلُ هالةً منْ مَذاقِ اللّوزِ بهِ يُدهَنُ الجلدُ أيضاً والرّجْلُ إنْ دُهِنتْ فقدَت الممْشَى نحو الصخورْ ذَاك الممْشَى الذي خدَعَ الجذْعَ المحمّلَ بالسّنينْ لقد أرخَى النزيفُ نسيجَ العقَبتيْنِ الحاملتيْنِ لقامةِ البطلِ عدّاءُ أوْ رامي السّلامْ مُتوّجٌ بغَارٍ أخضرَ تمْجيداً لمَا لهُ منَ الفضّة قلتُ القليلَ عنْ هذه الهيئاتِ ذاتِ عُـقدٍ مُصابةٍ بالثآليلِ مُلتويةِ الفُروعِ ملفوفةٍ مثقوبةٍ يخترقها الفراغْ هنا يَنحفرُ المحْرابُ بيتُ المُصلّي الذي أسرتْهُ منْ ألف عامٍ شهاداتٌ وهْيَ تُسطّرُ السنينَ الباذخةَ وغزَواتِ العطشْ بجوارِ مَضاربِ الشوكِ حرّرت ابْنَ صبْرَا من غضَبهِ يخلعُ شجَرة الزيتونِ الرّاسخَةَ بقوّةٍ في الحرَمِ حيث الأذكَارُ تتوالَى مزيجاً بيْنَ وليٍّ وقدّيسٍ يعرضُهَا مقلوبةً صُوفةُ الجُذورِ بالترابِ ملفوفةٌ بين القبّةِ بذهَبهَا وبينَ الجَبلِ الذي فيهِ أصواتٌ تمجّـدُ الشجَرةْ بعدْوِ فَرسِ ذي جَناحيْنِ كما يورقُ الطّينُ بطيئاً في الحركةِ مع النّفْسِ حان الوقتُ لتغْيير الملْجَإِ للابْتعاد عن مُنحَدراتِ الجَليلِ وتتبّعِ خُطوطٍ تخترقُ حقولَ صقليّةَ بدلاً من تعْنيفِ بحّارٍ تُغريه جَماجمُ متلألئةٌ في جزيرةِ زهْرةِ النّسْيانِ وإعْطاءِ الشجرةِ معنَى السّفرْ منَ البياضِ ألمسُ القناعَ المُهاجرَ صوْبَ ضَبابِ باريسَ في حديقةٍ تحلمُ في زمنِ الجليدِ بالسّلامِ نُقّلَتْ منْ حواشي الصّحراءِ إلى بلادٍ سيّدُهَا الإسمنتُ أعليْنا أكثرَ من ذلكَ خطُّ السّواقي التي ـ حيثما نقْصٌ ـ توجّهُ الماءَ قطرةً قطرةْ في أرضٍ تفتشُ عن الخلاصِ صَوتٌ أخْضرُ يذكّرُهُ حتّى ولو اندثرتْ كلُّ الاتجاهاتِ جُنّتْ زهرةُ الرياحِ ضلّتِ البُوصلاتُ كمغناطيسِ الحديدِ عُنقُ المصْباحِ يمسكُ بالشّعْلةِ لِيَهبَ ضوءاً إلى الضّوْءِ لا منَ الغرب لا منَ الشرْقِ يُعرّي العُشّاقُ عن غَرْزاتِ أعْضائهمْ مباشرةً يمتطُونَ السروجَ زاحفينَ كما تزحفُ الثعابينُ منشدّينَ إلى جرّةٍ بالخمرةِ تفورُ في الخَريفِ تَصيحُ العصافيرُ حولَ الثمارِ النّاضجةْ تصطادُها شبكةٌ ترْتمي فوقَ الأغصانِ نتذوّقُ في لحْمها الزيتونةَ التي غذّتْهَا لحْمٌ تشرّبَ أسرابَ طيورٍ تُطلقُ الشَّرارْ ثمرةُ الثمرةِ فوقَ الثمرةِ ذاتهَا نتذوقُ هذا مساءً عندما الماءُ يمرّ عبْرَ شبكةٍ فيهَا نسْمعُ الوقتَ ينصرمُ وفْقَ صَرير السّاعةِ المائيّةْ ناعورةُ خشبٍ مأخوذٍ من شجرةٍ ميتةٍ فيها طائرُ الخريفِ يسكنُ راغباً في زيْتٍ يحوّلُهُ ذهَباً وفيها البريقُ ينعَكسُ على وجه الغريب مسيحٌ حقّهُ إبْطالُ الوَاجباتْ * نشرت هذه القصيدة في بداية شهر نوفمبر الماضي، ضمن آخر ديوان للشاعر بعنوان «الشاعر في صورة متصوف»، الصادر عن دار بيلان في باريس، أياما فقط قبل وفاته في 6 نوفمبر من هذا العام 2014.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©