الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طريق الضياع

طريق الضياع
5 ديسمبر 2013 20:57
أسرع «وليد» بالدراجة النارية التي يقودها بشكل جنوني، ومن خلفه زوجته التي كادت تسقط، وهي تمسك به وفي يدها الأخرى حقيبة مملوءة بنبات البانجو المخدر، حذرته وطلبت منه أن يهديء من السرعة الجنونية التي انطلق بها، فطلب منها ان تتشبث به وتمسك جيدا بالحقيبة، حيث إنه سوف يزيد من السرعة اكثر من ذلك لأنه لاحظ وجود سيارة تراقبه وتتبعه وتحاول ان تلحق به، ومن خلال خبرته وتعامله مع الشرطة يعتقد ان هذه السيارة رغم أنها «ميكروباص» مخصص للركاب بشكل عادي فأنهم يتخفون فيها بملابس مدنية للقبض عليه. تستطع الزوجة الشابة ان تحفظ توازنها فوق الدراجة النارية وزوجها يقودها بسرعة جنونية، وفي الوقت ذاته كانت تنظر إلى تلك السيارة التي تقترب منهما، يدب في قلبها الرعب كلما اقتربت أكثر وقد تأكدت من صدق توقعات زوجها فالسيارة بالفعل تحاول المرور من بين السيارات في الشارع المزدحم للحاق بهما، ارتجف قلبها خوفا وهي على بعد خطوات من السقوط في يد الشرطة والضياع وهي تعرف العقوبة التي تنتظرها في هذه الحالة، ولا تنسى أنها لو تم القبض عليها هي وزجها لضاع ابناؤهما الاربعة الصغار، فتكاثرت حولها الهموم والرعب في نفس اللحظة تتمنى لو عاد بها الزمن وما اقدمت على ما هي عليه. طارت الزوجة فجأة تصطدم الدراجة بمطب صناعي ومع السرعة طارت الزوجة في الهواء ثم سقطت على الأرض، ولحسن حظها انها سقطت فوق الحقيبة التي تحملها، فنجت من موت محقق، اصيبت بكسر في ساقها وبعض الجروح والكدمات، وفر زوجها رغم ذلك ولم ينظر خلفه وواصل السير بسرعته وزيادة، ولسان حاله يقول نفسي نفسي، انا ومن بعدي الطوفان، وهي لسوء حظها تم القبض عليها وبحوزتها المخدرات متلبسة بحيازتها، وفي البداية اقتادوها الى المستشفى وتم وضع ساقها في الجبس وبعد ان استقرت حالتها، بدأ التحقيق معها لتعترف بالجريمة التي ترتكبها منذ سنوات وليس أمامها أي مخرج للإنكار والمراوغة ولا وسيلة للتنصل من الاتهام. قبل ان تنتهي التحقيقات مع «سامية» ألقي القبض على زوجها، بعد مطاردته في وقت لاحق، لم يعد الى بيته لأنه يعرف أنه مطلوب وكل خطاه مرصودة ويعلم علم اليقين ان المنطقة التي يقيم فيها مليئة برجال الشرطة للقبض عليه فور عودته، لذلك توجه إلى منزل شقيقته في منطقة أخرى بعد أن أودع الدراجة النارية كأمانة لدى أحد أصدقائه، ولا يدري ان الشرطة قد وضعت اكمنة ثابتة ومتحركة بالقرب من منازل كل اقاربه، فألقوا القبض عليه فورا قبل أن ينعم بقسط من الراحة او يحاول ترتيب اوراقه للهرب في مكان بعيد. كانت كلمات الزوج الأولى، أنه ليس معه اي مخدرات أو ممنوعات ولم يكن متلبسا حين ضبطه، وعليهم ان يحاكموا زوجته لأنها هي التي سقطت في أيديهم وبحوزتها المخدرات، ولا علاقة له بذلك وعلى كل شخص ان يتحمل مسؤوليته وانه لن يدافع عنها، ثم ادعى انه لا يعرف ان ما كانت تحمله زوجته هو مخدرات، فقد كان عائدا من السوق لشراء بعض الاحتياجات والتقى بها في الشارع وحملها خلفه على الدراجة النارية ليعودا الى البيت، وعلى زوجته ان تدفع ثمن جريمتها. شريك الحياة احاط رجال الشرطة الزوجة بما قاله زوجها عنها وعن محاولته التنصل منها والزج بها وحدها في السجن ليفر من العقاب، فبكت الزوجة بدموع غزيرة غلبتها حتى أنها لم تستطع إيقافها بسهولة وهي تحاول ان تلتقط أنفاسها المخنوقة بين الضلوع، قالت: ليس غريبا على هذا النذل ان يتصرف هكذا ولا ان يتخلى عنها ويحاول الإلقاء بها في غياهب السجون لينجو بنفسه فمثله على استعداد كامل ليضحي بأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، لذلك لم تكن تستغرب ما سمعته من رجال الشرطة فهي تتوقع اكثر من ذلك، لذا فقد صدّقت من اول وهله ما تناهى الى مسامعها بلا شك. وكأن المرأة كانت في كلام فضفضة لا في تحقيق رسمي، تركت لنفسها العنان في الحديث عن مأساتها وهي على سجيتها وطبيعتها البسيطة، ولم تخف حتى ما كان لها يد فيه ومن المؤكد أنها ستكون مدانة بحكم القانون، قالت: كنت صبية بلا طفولة، نشأت في أسرة فقيرة أو معدمة، الأب عامل بسيط يتحصل على رزقه يوما بيوم، والأم تعمل بائعة للخضراوات في تجارة متعبة وغير مربحة، وخمسة من الإخوة والأخوات مثلي مغلوبون على أمرهم ليس لهم اختيار في الحياة كلها، تركنا جميعا الدراسة بعد السنوات الأولى مضطرين للتنازل والإنحناء امام الفقر وليس لنا قدرة على مواجهته فقد كان أكثر منا قوة، واضطررنا كلنا للخروج إلى العمل في اعمال مختلفة. عرض للعمل كان من نصيبي العمل في مساعدة أمي، فعملها بسيط ولا يحتاج الى مجهود كبير، لكن في النهاية مشاركتي لها لم تضف جديدا ولا دخلا إضافيا للأسرة لذلك كانت جهودي المحدودة بلا جدوى، ولم تمانع اسرتي في قبول أول عرض للعمل كخادمة عند اسرة صغيرة مكونة من زوج وزوجة مسنين، أقوم بتنظيف مسكنهما وطهو الطعام الذي كان في الغالب لا يعجبهما لقلة خبرتي فجعلاني أتوقف عن ذلك واساعد مخدومتي في المطبخ فقط، ومع صغر سني ولعدم قدرتي على تلبية كل مطالبهما وهما يحتاجان إلى فتاة أو امرأة تقوم بتمريضهما وتنظيف الشقة وغسل الملابس، وأنا لا يمكنني ان اقوم بذلك، فاعتذرا لأسرتي وقررا الاستغناء عني. عدت حزينة للجلوس بجوار أمي، فقد كان المبلغ الذي احصل عليه معقولا ويساعد في تخفيف الأعباء عن اسرتي، وعندما جاءتني فرصة عمل ثانية بعد فترة، رفضت اسرتي لأنني صرت شابة وسأعمل في أسرة بها زوج شاب وأبناؤه الذكور في مرحلة المراهقة، وبقيت بجوار أمي حتى جاء «وليد» الذي اعتاد ان يشتري منا بعض الخضراوات كل يوم تقريبا. وبدأ يلقي نحوي نظرات تخجلني فأشيح بوجهي عنه حياء، وإن كنت أشعر بسعادة من تصرفه لكنني لم استجب له وتجاهلت وجوده أصلا حتى عندما دعاني لنزهة وحدنا رفضت خوفا لأنني لم أفعل ذلك من قبل، وقد كان اول خطأ أقع فيه أنني استجبت لإلحاحه بعد أن قالها صراحة إنه يقصد خيرا ويعتزم التقدم لطلب يدي من ابي. دغدغة المشاعر سمعت منه كلاما يدغدغ المشاعر ولا تقوى أي فتاة على مقاومته، وعلاوة على ذلك كان كريما معي بشكل لم اعتده من قبل حتى لو كان الطعام الذي دعاني له عاديا أو ربما لأنني كنت سعيدة معه، ولما اعاد الدعوة مرة اخرى رفضت وكدت أوافق وترددت وقررت ان تكون لقاءاتنا في النور بعد الخطوبة رسميا، وبالفعل توجه إلى أسرتي يطلب يدي ومن الطبيعي ان يجد ترحيبا من أول وهلة، وكان الخطأ الثاني الذي وقعنا فيه جميعا اننا وافقنا ولم نسأل انفسنا من يكون هذا العريس المجهول؟ ولا ماذا يعمل؟ فلا نعرف غير اسمه وأنه يقيم في شارع مجاور، وفي المدن لا يعرف الجيران بعضهم، ومبررنا الوحيد في العجلة واللهفة نحو الزواج هو الفقر أيضا. وانتقلت إلى بيته وبعد الأسبوع الأول عرفت الحقيقة المرة، إنه يتاجر في المخدرات، وأقنعني بأنه يعمل في أمان وهذه المهنة مربحة ولا يعرف له عملا غيرها، وكان هذا هو الخطأ الثالث الذي وقعت فيه، فقد لذت بالصمت ولم أرفض هذا العمل الحرام المشين، ولا ابرر لنفسي أنني قبلت ذلك بسبب الفقر ولكن هذا فعلا هو السبب فقد شعرت بالفرق في المعيشة في بيت زوجي عنه في بيت ابي فلم أفكر يوما في إيقافه عن السير في هذا الطريق الخطر المدمر له ولغيره، وحتى بعد أن رزقنا بأبنائنا الأربعة واحدا تلو الآخر لم افكر فيهم أو في مستقبلهم ولم يخطر ذلك على بالي مطلقا. السبب الأساسي أما الخطأ الرابع الذي وقعت فيه فهو أنني لم اتردد في قبول طلبه بالعمل معه في ترويج تلك السموم على الشباب، ومساعدته بعد أن اشترى دراجة نارية، والسبب الأساسي في الاستعانة بي كما قال إنه يريد أن يبعد الشبهات عنه فإذا كانت تستقل معه الدراجة فإن ذلك يجعله يمر بلا تفتيش في الأكمنه لأنه يعرف أن الشرطة تراعي هذه الأحوال الإنسانية، وكذلك لا يتم تفتيش الحقيبة التي تقوم هي بحملها، لكن يبدو ان سرية خطته هذه لم تدم ولم تستمر ألعوبته ووصلت أخباره كلها إلى الشرطة التي بدأت تراقبه وبدأ هو يشعر بذلك وأخبرني بأنه أصبح تحت عيون البوليس، ولأول مرة حاولت تحذيره فكان نصيبي صفعة على وجهي، ثم طلبت منه ان يتركني من اجل أبنائنا فاعتبر ذلك تضحية به، وفشلت في إقناعه بأن يعود من هذا الطريق وكان عقابي الضرب المبرح كل مرة، حتى وقع الفأس في الرأس، وسقطنا في الفخ وها هو يفصح عن نذالته ويحاول ان يورطني في الاتهام وحدي. المفاجأة أنه ألقى بها من خلفه ولم تسقط بسبب السرعة وحدها ولم تشعر بذلك بسبب ما كانت فيه، وامرت النيابة بحبس الزوجين وفي انتظار الحكم بالسجن المؤبد حسب ما تقضي القوانين.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©