الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القتل كتعبير عن الرأي

القتل كتعبير عن الرأي
7 ديسمبر 2011 21:05
في كتابه “الاغتيال/ حرب الظلال والعنف المقدس” يعرض المؤلف د. خليل أحمد خليل مولد الاغتيال، فيقول إنه يعود إلى الوقت الذي عرفت فيه البشرية الوشم كثقافة للرسم على الجسم، إذ عرف الجسمُ سياسة المكر به والاعتداء عليه، سواء بالكلمة المؤذية أم باليد الخفية. يقع الاغتيال بين الحياة والموت الطبيعي. إنه حادث استثنائي في ظروف مضطربة. بتكراره العنفي بات الاغتيال جزءاً من مرض البشرية المزمن: الحرب. الخفاء يجمع بين ثقافة الوشم وسياسة الاغتيال؛ إنما يختلفان من حيث هوية الفاعل، ومن حيث الغاية: الوشم يزين ويجمّل الجسم الذاتي للآخر؛ الاغتيال يلغي الآخر لإرضاء الذات، المريضة بالقتل، بالعنف أو الحرب السرّية. وبينما يذهب الموشوم بجسمه الى مجتمع يستهلكه، يذهب المغتال بجثّته الى مشرحة، إلى مقبرة، ونادراً الى محكمة. الواشم يتقاضى أجراً على عمله، علناً؛ فيما الغائل قد يغتال بدوره، إخفاءً لآثار جريمته؛ ولكنه قد يختفي ويكافأ، في الخفاء أيضاً من جانب الجهة التي جنّدته. غالباً، ما يكون الاغتيال عملية معقّدة، جريمة منظّمة، وتكون دوافعه سياسية، إن لم تكن ثأرية شخصية. في العربية، يقال مغتال على القاتل والقتيل. وبما أن الاغتيال ليس قتلاً عادياً، كما هي حال العنف في الحرب، فإننا نؤثر الكلام على غائل (قاتل) وعلى مغتال أو ايضاً غادر ومغدور... يتناول المؤلف الاغتيال، من حيث هو سياسة اعتداء على الجسم البشري، يلفتنا أيضاً الاغتيال في الطبيعة، وللطبيعة، حيث تقوم النباتات والحيوانات اللاحمة بافتراس متواصل لأبناء جنسها، وكذلك للجنس البشري؛ فضلاً عن أجناس النبات والحيوان، وحتى مكونات الطبيعة ذاتها، براً وبحراً وفضاءً، وصولاً إلى كواكب أخرى. ويسأل المؤلف: ما الاغتيال؟ ويجيب: إنه الغول، رمزياً الذي يحمله الإنسان المحكوم بعنف غضبه، حتى قيل الغول غضب الحكم أو السلطة، اليد الخفية. مادياً، هو التعبير عن محو الآخر، بدءاً من صورته أوهيئته وصولاً الى تفكيك ماديّته أو جسده بقتل سري غالباً، وعلني نادراً. إن الإغتيال فنٌّ حربي وعلمٌ أمنيّ، ارتبط تطوره بتطور الآلة الجهنمية. ويصف المؤلف كيف أن الإنسان العاقل هو ثقافياً إنسان ناقل، وبيولوجياً إنسان آكل، وسوسيولوجياً إنسان قاتل. أما في مجال العدوانية فيقول المؤلف إن الإنسان يقع في مجال علوم العنف أو العدوانية ويجري التفريق بين مجالين: مجال العدوانية الحيوانية ومجال العدوانية البشرية. كلاهما يندرجان في علم عنف الطبيعة ومجتمعاتها. يذكر المؤلف الإرهاب المتبدل والمتبادل بقوله إنه في عالم اليوم لا ينفصل العقل عن حريته؛ لكن يكمن فيهما أو بينهما إرهاب متبدل، ومتبادل، يسميّه هنا القتل السري، الاغتيال الجزئي أو الكلي. أيضاً يذكر الأكل والقتل للدفاع عن الحياة، عن أمن البشر وسلمهم عالمياً، ويسأل هل يكفي تحليل الاغتيال وإدانته كأحد تجلّيات الحروب المتواصلة والمتكررة بأشكال شتى؟ إنّ درس بنية الاغتيال وتحديد وظيفته المركزية يسهمان في الكشف عن تشويه عنفي، رمزي وجسدي، ينتاب الجماعات البشرية المعاصرة، بلا استثناء. يقول إن الآكل قاتل، حتى وإن كان الصيّاد لا يقتل طريدته البشرية ليأكلها، كما كانت حال الصيّاد البدائي مع طرائده، فإننا نلحظ بين مأكلة وأخرى، حدوث مقتلة في الطبيعة عموماً وفي المجتمعات خصوصاً. ألا يمكن الانتقال من مأكلة إلى أخرى، بدون مقتلة؟ هذا السؤال هو الآن برسم البشرية المقبلة، بعدما صار مطلبُ الماء أو النفط أو المواد الخام الاخرى، مطلب الأرض، مقروناً بمطلب الدم، رمز كل أشكال العنف ما بعد الحداثة. ويذكر أيضاً إن الدماغ البشري المعاصر الذي يتكون من مئة مليار خليّة عصبية، يتوقف على تواصلها ذكاء الجنسين، حيث يتخصص الدماغ المذكّر في العمل على فكرة الشيء، فيما يُعنى الدماغ المؤنث بصورة الشيء، بالشيء نفسه. الى ذلك، يُظهر الدماغ المذكّر نشاطاً جنسياً قوامه الذكر والعدوانية، بينما ينشط الدماغ المؤنث جنسياً بسلوك عاطفي شفيف أو دبلوماسي، حيث تهبط العدائية النسائية إلى أدنى حد، مقابل عدائية ذكورية مرتفعة، كما يتبين من خلال أعمال العنف، لا سيما الاغتيال الذكوري المتبادل 90 % للرجال مقابل 10 % للنساء. والحال، جعل التكوين الدماغي الذكورَ أكثر عنفاً من الإناث، وقدّمت ظروف التطور الاجتماعي، لا سيما الصراع لأجل البقاء. وفي أحد فصول كتابه هذا عنون المؤلف أسئلة اغتيال بالأجوبة: رمزياً يقول يتخذ الجسد البشري لنفسه اسماً آخر: سؤال الأنا. ويخال أنه لن يحظى بجواب أخير إلا حين يموت. لكن سؤال الاغتيال التاريخي في العالم يحتاج بدوره الى جواب آخر، غير جثّة المقتول، يعني بها تحديد القاتل ومعاقبته. يشير الى إن مسارات الاغتيال الجسدي والرمزي تُجدد في عصرنا طرح أسئلة البشرية عن أفعالها العنفية: طالما أن المغدور هنا، فأين هو الغادر؟ وطالما أن الحرب بين الشر لا تتوقف، فمن يوقفها إذا ظللنا نجهل من يحركها ويفرضها ويسوغها في خفاء وبلا عقاب؟ عرض أيضاً نمط العنف الآسيوي ونماذج عنه في الهند وباكستان كما في أفغانستان والصين والعراق، وفي إيران وفلسطين ولبنان. ويعرض موقع المنظمات الإسلامية المسلحة من ظاهرة الاغتيال التي تقع بين نمطين عنفيين: نمط حركات التحرير، الجهادية أو المقاومة للاحتلال، ونمط حركات التغيير السياسي بالسلاح، ومنه سلاح الاغتيال الثوري، مقابل الاغتيال الإرهابي أو الرجعي الذي تمارسه دول الأقوياء. وفي كل حال، تنفي هذه الحركات الثورية عن نفسها تهمة الإرهاب وتلصقها بأعدائها وخصومها أو منافسيها. أيضاً يعرض الحالة اللبنانية ونماذج عن الاغتيال السياسي وما تمخّض عنه النظام الطائفي المحلي، الفريد من نوعه في المدار الحضاري العربي الإسلامي، من عنفيّات سياسية ورمزية، مما جعل البلد عرضة لدورات دم متتالية، فلا يكاد يمضي عقد من الزمن بدون اختلال أمني، ناجم عن خلل سياسي. ويقول أيضاً أن ليس هناك نماذج جاهزة للإغتيال، حتى يُسجى كل مغدور في تابوت فتته أو صنّفه. فالنماذج الإغتيالية للحالة اللبنانية لا تشذ عن نماذج نمط العنف الآسيوي؛ ويمكن تصنيفها حسب أدوات القتل، أو الجهات القاتلة حين تكون معلومة؛ كما يمكن تصنيفها حسب الفئات الإجتماعية للمغتالين المعلومين عموماً أو الغائلين المجهولين إجمالاً في التشخيص القضائي وكذلك في التشخيص السياسي المبني على شبهات العداوة السياسية. تنطوي النماذج الإغتيالية في الحالة اللبنانية على ثلاثة أشكال رئيسة: الإغتيال السياسي المحض؛ ومحاولات الإغتيال الفاشلة؛ والنفي والحبس والخطف. أما الإغتيال السياسي المحض يقول: انه ينطوي هذا الشكل الإغتيالي على سبعة نماذج: قادة أحزاب أو منظمات أو ميليشيات؛ بعضهم سياسي وكاتب أو اعلامي... ومواطن حزبي مسيّس، وحين يرد أحدهم في فئة، لا يتكرر ذكره في فئات تالية؛ صحافيون وإعلاميون؛ كتّاب وجامعيون؛ رجال دين؛ رجال دولة؛ موظفون مدنيّون وعسكريون؛ مواطنون آخرون. يعتبر المؤلف د. خليل أحمد خليل أن هذا الكتاب هو تقرير فلسفي علمي مرفوع الى محكمة الضمير كما ذكر التي تلفظ حتى اليوم حكماً صارماً بإدانة الحرب كجريمة بذاتها. ومحاكمة المتحاربين كمجرمين بحق الِإنسانية. ليس فقط المتحاربين بالسلاح بل أيضاً المتحاربين بالأدوية وبالأغذية والبورصات والشركات. والمقامرين بأجساد البشر، العراة للمرة الأولى/ الأخيرة. رغم تحضّرهم المزعوم. أمام بيئات ملوّثة ومريضة. ففي زمن الإنسان العاري كان البشر يلوذون هرباً تغوّلها وفي زماننا، كيف يستمر البشر أحياء أصحاء، وهم يقتلون بلا سقف، ويسقطون ضحايا جماعيين لتغوّلين متلازمين: تغول البشر وتغول البيئة؟ يقول ختاماً عن فشل مؤتمرات البيئة، مثل فشل مؤتمرات السلام بين الشعوب يُنذر البشرية بفنائها، بأيديها هذه المرة. والحال هذه، على العلم والفلسفة أن يوصلا البحث في حقوق البشرية السويّة. الطبيعية إن الحياة هي الحق وإن القتل بكل أشكاله العلنية والخفية هو العدو المشترك بين سكان الأرض كافة...
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©