الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لا تبكِ.. قُم إلى فريضة الضحك

لا تبكِ.. قُم إلى فريضة الضحك
16 ديسمبر 2015 20:38
محمد حسن الحربي عندما يضحك الإنسان، يكون أقرب إلى سويته الإنسانية. إنه بفعله هذا يكون أجدر بتعمير الأرض وأكثر تأهيلا لنبذ العنف وبناء الحضارات. *** الإنسان، يبدو أنه المخلوق العاقل الوحيد بين المخلوقات الأخرى، الذي يحق له الضحك كل يوم، بل كل ساعة، وعلى مدى حياته، عليه ألا يتوقف عن الضحك قدر استطاعته، لسبب بسيط جدا محزن في الوقت ذاته، علمه تمام العلم أنه راحلٌ يوما عن الأرض، في رحلة أبدية طويلة لا عودة منها إطلاقا، وإن ليس هنالك قوة في الوجود، مهما أوتيت من الهيمنة والجبروت والأدوات، بمقدورها إيقاف هذه الرحلة، إلى عالم سرمدي، لا تفاصيل علمية مؤكدة عنه حتى الآن. هل تشبه رحلة الإنسان هذه، رحلة سمك السلمون؟. ربما، لكن ثمة فارقا كبيرا بين الرحلتين، سمك السلمون يعود، بعد قيامه بأسباب التناسل والتكاثر، ليسبح ثانية وبصورة جماعية صوب المحيطات. أما رحلة الإنسان فتختلف، يذهب إلى مسقط رأسه الأول، منفردا في الغالب «إلا في حالتي الكوارث الطبيعية والحروب». في رحلة لا يعود بعدها إلى كوكب الأرض ثانية، فثمة من يرى أن الأرض ليست كوكب الإنسان، إنما “الجنة” في السماء هي كوكبه الأول، حيث كان جده “آدم” وأمه “حواء” يسكنان فيها “وذلك قبل أن يغضب عليهما الرب فيعاقبهم بالهبوط منها إلى الأرض. ورد هذا بصيغ متعددة في الأديان السماوية الثلاث”. *** إذن، فلكل منا، نحن البشر، رحلته السرمدية المشابهة، طال عليه الزمان في الأرض أم قصر. ورغم أن الإنسان يعلم بهذا المصير التراجيدي، ولا يراوده شكٌ فيه، إلا أنه يجهل الصورة التي سيغيب فيها عن الحياة والأحياء، ورغم علمه ذلك كله، لا يتوقف سعيه في هذه الحياة ليعمّر الأرض، ويحافظ على تكاثره، مضيفا إلى حضارة آبائه وأجداده نتاجا جديدا. إنها دورة الحياة وفيها مكمن قوتها.. فمصيرٌ تراجيديٌ على هذا النحو، يوجب على الإنسان ألا يتوقف عن الضحك ساعةً واحدة، بل عليه أن يكون مخلوقا ضاحكا بامتياز. إن فعل الضحك هنا فريضة واجبة، عليه القيام بها ما استطاع إلى ذلك سبيلا، استمرارا لا انقطاعا له حتى نهايته المحتمة، لكن السؤال: هل الضحك يمثل علاجا للآلام المبرحة، لذلك يلجأ الإنسان إليه؟.. ربما. *** عالم اليوم يمر بأزمة نفسية لم يسبق له المرور بها من قبل، ولا تهمُ في هذا المقام بقية الأزمات على كثرتها وتنوعها، فالإنسان حينما يعود إلى مسكنه وعائلته، زوجته وأولاده، أبيه وأمه، ويغلق خلفه الباب، لا تبقى معه سوى أزمته النفسية، تلك التي اكتسبها من الخارج بحركته المتشابكة على نحو مرعب. “وتلك الأزمة هي التي تحدد لجسمه التجدد أم الاهتراء” كما يقول علماء الخلية المحدثيون. لذا يأتي الضحك، كما يرى إليه الاختصاصيون، دواءً وحيداً ناجعاً لهذا الداء المتنامي، كلما تقدم العمر بالإنسان. في كتاب “إرادة القوة” للفيلسوف الألماني نيتشه، ورد “إن الإنسان من دون غيره، يعالج من الألم المبرِّح في دنياه، ما قد ألجأهُ إلى اختراع الضحك”. وتواتر معنى كهذا لدى شعراء وأدباء كثر، فقالوا “إنهم يضحكون لكيلا يبكون”. لكأنما الضحك، كما ورد لدى المفكر العربي عباس محمود العقاد، أسلوب آخر من أساليب البكاء.. سؤال آخر قمين بالطرح: هل الضحك ازدراء للحياة أو لبعض الأحياء؟.. ربما. لكن دعونا ننظر إلى ما قاله فيلسوف آخر هو الإنجليزي كولردج، قال: “إن حصر الضحك في التعبير عن الازدراء مناقض للواقع، والضحكُ هو اختلاجٌ في الأعصاب، ويبدو أن الطبيعة تقتضب به السرور، لكنه قد يصبح ذلك الشعور متجاوزا للطاقة، فيؤلم”. وقد يكون هذا صحيحا، فكم من مرة ضحك الإنسان فيها، ثم انتهى باكيا متفجعا. *** الإنسان، هو الوحيد الذي انفرد بين المخلوقات الأخرى، بمَلَكَة الضَحك والنُطق، وهما دلالة قوة الإدراك والتصور العاطفي. أنظر إلى الطفل كيف إنه يضحك بعد أسابيع من ولادته، بل ثمة كتابات قديمة تفيد أن الطفل قد يضحك بعد أربعين يوما من ولادته. وأمر كهذا يجعل الضحك مبكرا كثيرا، بالنسبة لعامة الأطفال، على سلوكيات أخرى. أما الحيوان فلا يضحك، وما يقال عن ضحك الضبع أو ضحك القرد، هو في الواقع “صوتٌ يشبه الضحك في السمعِ، ولا يشابهه في دلالته العقلية وبواعثه النفسية”.. هنالك فيلسوف إنجليزي آخر، كلامه عجب، ويدعى هوبس - Hobbes، يعرِّف الضحك بقوله: إن “الضحك نوع من الزهو ينجمُ من إدراكنا المفاجئ لتفوقٍ في أنفسنا، وبالمقابل من اكتشافنا لنقص في الآخرين، كنا نعاني مثله من قبل ذلك”. لكن عالم النفس الأمريكي مكدوجال لديه ما يعدُ تعقيبا على هذا الكلام، فبعد أن يصفه “بالكلام العمومي”، يقول: “قد نضحك من بدوات الأصدقاء الذين نحبهم، وقد نضحك مع تبادل العطف بيننا وبينهم، فالأنانية ليست مبعث الضحك الوحيد، بل إن حب الآخرين قد يكون مبعثا”. وهنا قد أضيف شخصيا، أن حب الحياة وحده، يكفي لأن يكون مبعثا للضحك الدائم والمستمر، فالضحك لا يميت القلوب، كما يشاع، بل الضحك يحييها ويجدد النفس”.. قرأت مرة كلاما ولم أفهمه جيدا في البداية، وما زلت أذكره بوضوح، لأني كتبته في دفتر ملاحظاتي “ إن الإنسان يضحك كلما فوجئ بما يحبس إحساسه من مجراه فيتحوَّل إلى العضلات”، والمقصود هنا عضلات الوجه والشفتين والعنق والرئتين، وفيما بعد تعرَّفت القصد، فنحن نضحك إذا غلبنا الغيظُ وإذا غلبنا الحزنُ، إذا غلبنا السرورُ والمرحُ، وننفس أعصابنا بهذا التحوّل التلقائي، وهو احتكار إنساني حصري لا يمتلكه مخلوق غير الإنسان. هل نحتاج هنا إلى مثال؟. ليكن، والمثال التالي أنقله من أحد الكتب على صلة بفلسفة الضحك: “نستمع إلى واعظ وقور، أو إلى فنان مرهف يغني، وفجأة نسمع نهيق حمار في الشارع القريب. هذه المفاجأة - النهيق - تمنع إحساسنا أن يسترسل في مجراه”، فيتحول إلى حركة عضلية - كما سلفت الإشارة - لأن الإحساسين لا يمشيان في طريق واحدة، فيحدث القطع.. يحدث الضحك للمفاجأة.. حسنا، يبقى أنه لماذا يضحك الطفل من الرجل إذا اصطدم بحائط على سبيل المثال؟. وهذا يحدث دائما مع الأطفال الصغار، والسبب لأن الفرق ظاهر بين الإنسان البصير الذي بإمكانه أن يحيد عن الحائط، وبين الآلة التي تمضي في طريق واحد لا تحيد عنه، بمعنى أبسط، الإنسان عقل وحرية، أما الآلة فلا، لذلك توقَّع الطفل ألا يكون الإنسان آلة، فعندما حدث وحاكاها، ضحك الطفل وانسر.. نعود إلى سيغموند فرويد، عالم النفس الأشهر، فلديه أن الضحك هو “مقاومة الكبت للتفريج عن النفس البشرية بنوع من البوح يشترك فيه الوعي والإرادة معا”.. وبعد: فالأخبار السيئة لن تنتهي قط، ما دامت الحياة من حولك في حالة حركة متشابكة لا تتوقف، ومن دون الدخول في أية تفاصيل مؤذية للنفس، وتتسبب بحضور مرعب للصداع في لرأس، أنت مدعو منذ الآن، للضحك أو للتظاهر به، أو للتشجيع عليه، فإياك أن تفهم أنها فرض كفاية، بل هي فرض عين، مثلها مثل أية فريضة إنسانية.. تواطؤ المرء لا يضحك في حقيقة الأمر إلا بالتواطؤ مع الآخر. *** الضحك هو رد فعل ضد كل ما يبدو لنا، في الحياة، ميكانيكياً (آلياً): يحدث الضحك لدينا في كل مرة نلاحظ فيها في كلام أو تصرفات شخص ما، إفراطاً في النزعة الميكانيكية *** الضحك نوع من السلوك الاجتماعي. بواسطته ينبه المجتمع مشيراً إلى الحس السليم، كل أولئك الذين ينحرفون عن النشاط الاجتماعي المستقيم والحقيقي... كل أولئك المنحرفين أو الذين يريدون أن يظهروا غريبي الأطوار، أي كل تلك العناصر التي تسعى، بوعي أو من دون وعي، إلى تفتيت التماسك الاجتماعي ونسيجه. كتاب: سيكولوجية الضحك تأليف: هنري بيرغسون عدوى الضحك يقول الكاتب الفكاهي آرثر كيسلر مفنداً آراء برغسون حول الضحك: إن الزعم بأن الإنسان يضحك في إطار الشعور الجماعي مردود عليه بأن هذا ليس سلوكاً خاصاً بالضحك، بل إن كثيراً من سلوكيات الأفراد تنتج عن (العدوى) الاجتماعية، مثل السعال الذي يحدث من أحد الأفراد في المسرح مثلاً أو السينما فينتقل ـ لا شعورياً ـ إلى معظم الجالسين، ومثل البكاء الجماعي الذي يحدث من الأطفال إذا بكى أحدهم.. وهكذا. أما الزعم بأن التكرار الآلي في سلوك الإنسان سبب كاف للضحك، فهذا أيضاً غير صحيح لأن الاستماع إلى ضربات القلب، أو رؤية إنسان يعاني من تكرار حركات عصبية (كالمصابين بالشلل الرعاش مثلاً) كل ذلك لا يدعو للضحك بل يدعو للشفقة أو الرثاء وربما الحزن.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©