الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

«جنيف 4» تفاؤل حذر من قلب التشاؤم !

«جنيف 4» تفاؤل حذر من قلب التشاؤم !
23 فبراير 2017 01:08
إعداد: يسرى عادل ما بين بدايات الأزمة السورية، في مارس عام 2011، و«جنيف 4» في فبراير 2017، وما تخلل هذه الفترة، يُظهِر تعرجاً في مسار هذه الأزمة الدامية، سياسياً وعسكرياً، بشكل كبير عبر محطات عديدة ك «جنيف1 و2 و3»، و«فيينا 1و2»، و«أستانا 1و2» وغيرها من عشرات المبادرات، التي سعى أصحابها بشكل أو بآخر وضع حد لتلك الأزمة أو على الأقل احتواء أضرارها وكبح جماح نيرانها التي غدت مع الزمن كرة لهب تتدحرج ليس على الجغرافيا السورية فقط، وإنما على مستوى الإقليم كله، بل وطال شررها المستوى العالمي أيضاً، بسبب ما خلفته أزمة ملايين اللاجئين من أثر كبير على العديد من الدول سواء في الجوار السوري (لبنان، الأردن، تركيا، العراق) أو في أوروبا الغربية. وبغض النظر عن هذه المبادرات والمساعي الباحثة عن الحل حيناً، والمراوحة السياسية حيناً آخر، بما فيها من شخصيات وأجندات، تحطمت كل هذه المبادرات على صخرة الواقع السوري وتعقيداته المتشابكة داخلياً وإقليمياً ودولياً، وفشلت في التوصل إلى حل شامل للأزمة، في وقت استمر مسلسل الموت والدمار في هذا البلد، ووصل إلى مستوى غير مسبوق، إذ على مدى ست سنوات أفضى هذا الصراع الدموي إلى مقتل أكثر من نصف مليون شخص، فضلاً عن مئات آلاف الجرحى وملايين اللاجئين والمهاجرين، ناهيك عن تدمير كبير للاقتصاد وبنية الدولة السورية. نقلة نوعية ومع أن مؤتمري «أستانا 1و2» شكلا نقلة مهمة في تفاعلات الأزمة بعد تثبيت وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه، وتشكيل آلية مراقبة ثلاثية روسية تركية إيرانية نجحت حتى الآن بصموده جزئياً، رغم الخروقات العديدة، التي تقع في كثير من المناطق والمدن، يبقى السؤال الأهم حالياً هو «هل ينجح مؤتمر «جنيف 4» في فك طلاسم الأزمة والتوصل إلى حل نهائي يعيد الأمن والسلام إلى سوريا، ويوقف معاناة الشعب؟ أم يسجل في خانة اللقاءات الباهتة فارغة النتائج؟ وبرغم أن المعطيات ترجح الموقف الثاني وهو ما توقعه الأمين العام للأمم المتحدة الجديد انطونيو غوتيريس، الذي أعرب عن تشاؤمه من قدرة مباحثات جنيف المقبلة في التوصل لحل للنزاع الدائر، ورغم قتامة المشهد، واستمرار نزيف الدم المؤلم في هذا البلد، هناك ثمة عوامل قد تدفع باتجاه التفاؤل حول إمكانية نجاح «جنيف 4»، ربما ليس بالتوصل إلى حل سياسي، ولكن على الأقل في وضع الأزمة على سكة هذا الحل، إذ لا يمكن تجاهل تعقيدات الأزمة السورية وامتداداتها الجيوسياسية الواسعة والتي بلا أدنى شك ستستغرق وقتاً كبيراً لبلوغ حل شامل نهائي. توازنات وانقسامات وتتمثل عوامل التفاؤل الحذر في الأسباب التالية: - أولاً: بعد ست سنوات من الصراع الدموي، الذي انخرطت فيه قوى داخلية وإقليمية وحتى دولية كثيرة، تولدت لدى جميع الأطراف المتشابكة في الأزمة قناعة شبه تامة بفشل الحل العسكري، واستحالة حسم الموقف لهذا الطرف أو ذاك، نظراً لتشابك خيوط الأزمة إقليمياً ودولياً، وإصرار القوى الخارجية على دعم حلفائها على الأرض، مما يعقد المشهد، ويغذي الصراع باستمرار، خاصة أن الساحة، بدت مؤخراً وكأنها منصة لتصفية حسابات بين العديد من القوى الإقليمية والدولية. إلا أن ذلك لا يلغي أبداً إدراك أطراف الأزمة إقليميين كانوا أم دوليين أهمية الحل السياسي في تحقيق تسوية شاملة، بسبب ترابط الأزمة السورية مع ملفات كثيرة، وتأثيراتها السلبية على استقرار المنطقة كلها، وتحديداً استقرار الدول المنغمسة في آتون الصراع. فرغم رهان الأطراف المختلفة الداخلية والخارجية على الحسم العسكري خلال السنوات السابقة، لفرض الطرف المنتصر رؤيته لشكل الحل السياسي، إلا أنها فشلت جميعاً، وظلت الأزمة في حالة «اللاحسم». كما أن تعقيدات الأزمة وكثرة أطرافها، واحتمالات خروجها عن السيطرة، لم تعد تسمح بالتلكؤ في حلها. - ثانياً: التغير الملحوظ بشكل واضح في خريطة التوازنات والمواقف في الأزمة السورية، نتيجة للتغير الكبير في موازين القوى والتي كانت خلال العامين الأخيرين بشكل كبير لصالح النظام وحلفائه، ولا سيما بعد التدخل الروسي، الذي قلب المعادلة العسكرية. كما أن تحرير شرق حلب، أضعف إلى حد كبير شوكة المعارضة المسلحة، التي أجبرت على الخروج تحت ضغط السلاح، ودفعها إلى إبداء المرونة النسبية، للمشاركة في الحل السياسي ومحادثات «أستانا». كما اتجهت روسيا بعد معركة حلب إلى الدفع أكثر باتجاه الحل السياسي، نتيجة لعوامل كثيرة لعل أبرزها خشيتها من التكلفة الباهظة لاستمرار انخراطها في الصراع عسكرياً، حيث تسجل تكلفة التدخل تزايداً مستمراً. ففي حين كان الرئيس فلاديمير بوتين قد أعلن أواخر العام الماضي أن التكلفة بلغت 460 مليون دولار فقط، شكك بن موريس الخبير في شؤون الأمن والملاحة الجوية بمؤسسة «آي إتش إس» في صدقية هذه الأرقام، مقدراً كلفة مشاركة موسكو في الحرب السورية منذ 30 سبتمبر الماضي بنحو 700 مليون دولار». والملاحظ هنا أيضاً تبدل الموقف التركي من الأزمة، الذي أصبح أكثر براغماتية بعد التراجع عن أولوية إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد لصالح التركيز على محاربة الإرهاب وتنظيم «داعش»، ووقف تصاعد النفوذ الكردي في شمال سوريا. لذلك يمكن القول، وإن نسبيا إن التدخل العسكري الروسي فتح الباب للتسوية، إذ نجحت روسيا وتركيا في تحريك مسار الأزمة، والتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار وتثبيته وتهيئة المناخ أمام الحل السياسي. كما لابد هنا من التوقف عند تبدل الموقف الأميركي في ظل إدارة الرئيس الجديد دونالد ترامب، والانتقال من حالة التردد، التي اتسمت بها إدارة سلفه باراك أوباما وتسببت بتصاعد نفوذ «داعش»، إلى بلورة موقف أكثر وضوحاً في التركيز على محاربة الإرهاب حتى بالتعاون مع روسيا. - ثالثاً: الانقسام المتزايد بين المعارضة السورية، ودخولها في حالة الاقتتال الداخلي، وعدم وجود موقف موحد لديها من المفاوضات، ما زاد في ضعفها وتشرذمها، وقلة حيلتها أمام تزايد قوة النظام، المدعوم من روسيا. وقد انعكس ذلك في عدم الاتفاق على من يمثل المعارضة، ما دفع مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا إلى التهديد بتشكيل وفد إلى جنيف، إذا لم تتفق على وفد موحد، الأمر الذي أرغمها في النهاية على تشكيل وفدها. وجاء هذا الانقسام نتيجة حالة الاستقطاب المتزايدة ما بين سعي روسيا لإشراك فصائل معينة من المعارضة، وتهميش الهيئة العليا للمفاوضات والائتلاف الوطني للثورة من جهة، وسعي بعض الأطراف الدولية إلى اعتبار الهيئة العليا الممثل الشرعي للمعارضة واتهام روسيا بتفصيل معارضة على مقاسها لفرض حل سياسي معين من جهة أخرى. ناهيك عن إصرار تركيا على استبعاد المعارضة الكردية، بعد أن نجحت في استبعادها من «أستانا». ويمثل انقسام المعارضة في الواقع تحدياً كبيراً أمام تحقيق تسوية توافقية تشمل جميع الأطراف سواء المعارضة السياسية أو المعارضة المسلحة على الأرض، وترتبط بذلك التحدي كيفية ضمان الحفاظ على وقف إطلاق النار في ظل وجود مئات التنظيمات والجماعات المسلحة والخروقات المتعددة لها، كذلك عدم شموله تنظيم «داعش» و«فتح الشام»، اللذين يسيطران على مساحات كبيرة من الأراضي السورية، ناهيك عن تداخل المناطق التي يسيطر عليها هذان التنظيمان مع مناطق المعارضة السورية المسلحة الأقرب إلى الاعتدال. القفز فوق العقبات وفيما يبدو أنه محاولة للقفز فوق العقبات التي تعترض مسيرة التسوية والحل السياسي، لم يعد مصير بشار الأسد، الذي كانت المعارضة تصر على طرحه، موجوداً بقوة على أجندة المفاوضات. ولو تمت العودة إلى الوراء قليلاً، لبدا أن هذه النقطة (مصير الرئيس السوري) كانت تشكل دائماً اللغم الذي يفجر معظم المفاوضات. كما أن عبارة الأيام المعدودة التي رددتها إدارة أوباما حول مصير الرئيس السوري، تراجعت كثيراً، بل حلت محلها تلميحات أميركية بإمكانية التعاون مع النظام، في محاربة تنظيم داعش، وهو موقف يمثل انعطافاً كبيراً وحاداً في الموقف الأميركي، حيث عبر ترامب عن عزمه إنهاء الدعم الأميركي للمعارضة السورية المسلحة رغم طلبها المساعدة منه، وأكد مجدداً أن تحالفاً مع روسيا وسوريا لهزيمة «داعش» هو السياسة التي يفضلها للتعامل مع الأزمة السورية، مشيراً في مقابلة مع صحيفة «وول ستريت جورنال» إلى أنه لا يحب الأسد مطلقاً، لكن تعزيز نظامه هو الطريق الأفضل للقضاء على التطرف الذي ازدهر في فوضى الحرب الأهلية والذي يهدد أميركا، كما نقلت أيضاً تأكيد ترامب تحسين العلاقات مع روسيا. الضغط على طهران ورغم أن الموقف الأميركي بتحييد مصير الأسد أثار حفيظة الكثير من الدول القريبة من الولايات المتحدة لاسيما بريطانيا، إلا أن هذا الموقف رافقه ضغط جدي على أحد الأطراف الفاعلة الرئيسية في سوريا، وهي إيران، التي تتوسع في تدخلها في المنطقة سواء في سوريا والعراق إلى لبنان واليمن ومناطق أخرى، الأمر الذي سيكون له أثر كبير على سياستها، ويدفع بالتأكيد صانعي القرار في طهران إلى السعي لتحسين علاقاتهم بمحيطهم من دول الجوار، لاسيما الدول الخليجية، بهدف احتواء الضغط الأميركي. ومن هنا يمكن فهم مغزى زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني مؤخراً إلى مسقط والكويت لبحث العلاقات الخليجية الإيرانية والسعي إلى تحسينها، والعمل على تهدئة الخلافات الإقليمية، وربما وفق مراقبين تهيئة الأساس لانطلاق حوار خليجي إيراني. وهذا يعني وفق المراقبين أيضاً أن إيران قد تتجه إلى تعديل مسارات سياستها في المنطقة، وتحديداً إزاء كل من سوريا واليمن. تصاعد اليمين إضافة إلى ذلك، يدفع تصاعد اليمين الشعبوي في الغرب عامة، باتجاه المزيد من التشدد تجاه قضية اللاجئين، والبحث في خيارات تكفل معالجة أسباب اللجوء، والتي تتركز في الأزمات والصراعات المسلحة التي تشهدها الدول العربية، ليس حباً بهذه الدول وشعوبها، وإنما رغبة في التخلص من أسباب الهجرة المتصاعدة إلى الغرب، وما تتركه من آثار سياسية وديمغرافية كبيرة في دول اللجوء. حيث ستضطر الدول الغربية إلى تأييد أي مبادرة جدية لحل النزاعات، لاسيما في سوريا، ما يعني أن مؤتمر جنيف 4 قد يشكل فرصة مهمة وحقيقية لوضع الملف السوري على سكة الحل. ولذلك يبدو مؤتمر جنيف 4 وكأنه توافق إلى حد ما مع وجهة نظر النظام السوري، الذي سجل بمساعدة حليفه الأقوى روسيا تقدماً ملحوظاً على الأرض، والذي يصر على تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم عناصر من المعارضة المعتدلة بعد تسليم أسلحتها، وعدم التطرق إلى مصير الرئيس. بل وسعت روسيا إلى إعطاء صلاحيات أكبر للبرلمان السوري عبر مسودة الدستور الجديد التي قدمتها، فيما تهدف المعارضة وحلفاؤها من الأطراف الإقليمية والدولية في المقابل إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات من النظام. لا نتائج سريعة كل ذلك لا يمنع أبداً من الاعتراف بأن نجاح «جنيف 4» حتى وإن تم لن تكون نتائجه سريعة كما يتوقع البعض، لأن نجاحه يتوقف في الواقع على تفاعل كل العوامل مجتمعة ومدى تحقيق التوافق بين المواقف المتناقضة والمصالح المتضاربة، وهو ما يعني أن مفاوضات جنيف لن تنجح في التوصل إلى حل سياسي نهائي، وإن من المتوقع أن تستغرق زمناً طويلاً وجولات أخرى، وجل ما يمكن أن تفضي إليه هو في أحسن الحالات المحافظة على وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات، وتبريد ملف اللاجئين ربما عبر إقامة مناطق آمنة هنا وهناك. لكن المؤكد أيضاً هو أن نجاح الحل السياسي مرتبط بشكل كبير برغبة وقدرة الأطراف السورية ذاتها، سواء النظام أو المعارضة في التوصل إلى حل سياسي شامل يستوعب جميع السوريين، ويوقف آلة القتل والدمار، ويحافظ على وحدة الدولة واستقرارها ومحاربة الإرهاب، ودون ذلك فإن فرض الحل السياسي من الخارج سيكون هشاً ومؤقتاً، وستكون «جنيف 4» مجرد محطة من محطات الصراع الطويلة، التي يدفع ثمنها الشعب السوري وحده.وبلا شك، فإنّ التخبط الذي تعيشه العديد من الدول التي كانت وما زالت منغمسة في الأزمة السورية، أصبح واضحاً، وبالتالي يكون من الطبيعي أن تسعى هذه الدول إلى الخلاص من تورطها بالأزمة السورية والخروج من هذا المستنقع الخطر عبر تنازلات تقدمها من أجل الوصول إلى حل سياسي، خاصة وأن تكاليف الحرب وآثارها المدمرة بلغت حداً لا طاقة لهذه الدول على احتمالها، تحديداً بعدما تأكد لها استحالة تحقيق حسم عسكري يقود إلى حلول سياسية على رغبتها، وتقود سفينة التسوية في سوريا على ما تشتهي سفنها. وهنا يمكن فهم بسبب التراجع في الموقف التركي، الداعم القوي للمعارضة، وتمحور القرار التركي إزاء الأزمة السورية مؤخراً من خلال التنسيق مع روسيا، رغم التحفظات التي أبدتها واشنطن ودول غربية على ذلك، نظراً لتردي علاقاتها الملحوظة مع موسكو. نقاط متفجرة ورغم بعض التفاؤل النسبي بإمكانية حدوث اختراق في مسار الأزمة السورية، قد يقود إلى انفراج معقول، إلا أن هذا التفاؤل لا ينفي أيضاً وجود تعقيدات جيوسياسية قد فجرتها تداعيات الحرب على الإرهاب، وتحديداً «داعش»، إذ تبدو هناك فوارق كبيرة بين الأجندة التركية ونظيرتها الروسية في هذا الشأن، حيث إنه رغم اتفاق الطرفين بل وإجماع الأطراف الدولية كلها على أهمية القضاء على التنظيم الإرهابي ، إلا أن سير عملية القضاء عليه قد يفتح الباب أمام خلافات جوهرية بين أنقرة وموسكو، ناهيك عن موقف النظام السوري من هذا الشق من الأزمة السورية المعقدة. فتركيا كما يبدو من تصريحات قادتها وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب أردوغان تصر على المشاركة في ما تسميه معركة تحرير الرقة من قبضة «داعش»، أي وصول قواتها إلى عمق الأراضي السورية أكثر، وهو موقف يعارضه النظام السوري، حيث طالب رئيس وفده إلى مفاوضات أستانا الأخيرة، بشار الجعفري، تركيا بسحب قواتها من الأراضي السورية، معتبراً أن أنقرة هي المسؤولة عن الخروقات للسيادة السورية. كما أن دعم موسكو لقوات سوريا الديمقراطية التي تصر أنقرة على إبعادها عن عملية تحرير الرقة، من شأنه أن يفجر هو الآخر نقطة خلافية جديدة مع الروس. في الوقت نفسه، لا يزال الموقف الأميركي غير واضح المعالم رغم تصريحات ترامب، حول رغبته بالتعاون مع روسيا لمكافحة الإرهاب وتحديداً القضاء على «داعش»، لكن هناك اعتقاد سائد بأن الولايات المتحدة لن ترسل قوة برية كبيرة إلى سوريا، إذ قال النائب ملك ثورنبيري من لجنة الخدمات المسلحة في مجلس النواب بأنه لا يتوقع أن تقوم أميركا بنشر قوات برية على الأراضي السورية. ويأتي هذا التطور رداً على تقارير تفيد بأن من الخيارات التي يدرسها ترامب للمساعدة في تسريع المعركة ضد «داعش»، إرسال قوات قتالية برّية تقليدية في شمال سوريا، علماً بأن هناك نحو 500 من قوات العمليات الخاصة الأميركية في سوريا بتفويض حدث أثناء حكم أوباما. ومع أن ترامب ردد أكثر من مرة بأنه يدعم بشكل قطعي إقامة مناطق آمنة في سوريا من أجل وقف تدفق اللاجئين إلى الدول الأخرى، لكن الخبراء يحذرون من أن إنشاء مناطق آمنة والدفاع عنها يمكن أن يؤدي إلى تصعيد وربما جر الولايات المتحدة إلى صراع عالمي، لا يبدو أن إدارة ترامب راغبة في دخوله حتى الآن. ويرى الكثير من المراقبين أن إنشاء مناطق آمنة قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية بين أميركا وكل من روسيا وإيران. فالمنطقة الآمنة قد تعني فرض حظر طيران على بعض المناطق، وبالتالي يتعين على الولايات المتحدة الاستعداد لإسقاط أي طائرة تنتهك هذا الحظر، وهي خطوة قد تؤدي إلى حرب. وفي الواقع هناك اتفاق بين جميع الخبراء بأن الولايات المتحدة ليست على استعداد للمخاطرة ببدء حرب عالمية ثالثة في سوريا. مفاجآت وتحالفات وإذا ما تم ضم الجدل الدائر حول فكرة المناطق الآمنة، مع الاختلاف الكبير في وجهات النظر، حول طريقة وأسلوب محاربة «داعش»، أو تحرير الرقة، فإن ذلك يعني أن أي نجاح فعلي في الحرب على التنظيم الإرهابي، لن يكون إلا بتفاهمات وتدابير واضحة مع روسيا. وبانتظار أن تتبلور أفكار ترامب غير واضحة المعالم حتى الآن، وإزاء كل هذه التعقيدات والمتناقضات التي تحملها الأزمة، يبدو الحديث عن اختراق حقيقي يقود إلى تسوية سياسة شاملة أمر سابق لأوانه، وأن الشهور القادمة قد تظهر مفاجآت غير متوقعة، وربما لم يتصورها أحد، كأن يولد تحالف حقيقي بين أطراف إقليمية لا يستبعد أن يكون النظام السوري جزءاً منها، بعد أن تراجعت فكرة إسقاط النظام، واستعيض عنها بأفكار أكثر مرونة، وواقعية، وهو ما ألمح إليه المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا الذي قال خلال مشاركته في مؤتمر ميونيخ للأمن «إن أستانا كانت فقط لوقف الاعتداءات، وجنيف تهدف لمعرفة ما إذا كانت هناك فرصة لمحادثات سياسية». مشيراً إلى أن محادثات جنيف ستجرى على أساس القرار الدولي 2254، وهو الأمر الذي عارضه رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أنس العبدة، مؤكداً ضرورة أن تفضي المفاوضات السياسية إلى انتقال سياسي حقيقي، على قاعدة رحيل الأسد والبدء في تشكيل هيئة حكم انتقالية، لافتاً إلى أن النظام وحلفاءه يسعون لإفشال محادثات جنيف وإفراغها من محتواها عبر عدة وسائل في مقدمتها عدم احترام اتفاق وقف إطلاق النار وتصعيد عمليات القصف. إزاء كل ما تقدم، ورغم بعض الآمال التي يعلقها المتفائلون، حول فرصة حقيقية للتسوية السياسية في سوريا، والحديث عن قنوات اتصال تجري بين الأطراف الإقليمية الفاعلة في هذه الأزمة، للاتفاق حول قواسم مشتركة تساهم في تهدئة الأجواء ومحاربة الإرهاب الذي خرج من قمقمه، إلا أن الشهور المقبلة ستكون حبلى بالكثير من المفاجآت التي قد تضطر بعض القوى إلى تغيير تموضعها في خارطة الصراع القائم في سوريا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©