الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عولمة بالعكس

عولمة بالعكس
6 ديسمبر 2013 20:46
كتب د. جلال أمين العالم الاقتصادي والمفكر الشهير أن العولمة تنتقل في اتجاه واحد غالباً، هو الاتجاه من الولايات المتحدة للشعوب الأخرى، بينما لا تنتقل بالعكس إلا في أحوال معينة، مثل رقصة أرجنتينية أو أكلة فليبينية.. هذا صحيح بشدة.. السينما والأطعمة السريعة الأميركية، جعلت العالم كله يتأمرك بشكل أو بآخر، لكني أغتاظ فعلاً عندما يتكلمون في الأفلام أو الأغاني الأميركية عن أشياء يعرفونها هم جيداً؛ لأن هذا عالمهم، بينما أفتح أنا فمي في بلاهة.. في أحد الأفلام يقول البطل لصاحبه، إن الفتاة من طراز فتيات دترويت، وبالطبع فهم صاحبه قصده على الفور.. طبعاً.. كلنا نحن العرب نعرف طراز فتيات دترويت هذا.. هناك موقف يتكرر في الأفلام الغربية، هو أن البطل - ذلك المسكين- لم يجد زيتوناً يضعه في شراب المارتيني. ينفجرون بالضحك مع الكثير من الواو والأوه.. طبعاً أنا لا أعرف المارتيني ولا أعرف لماذا يضعون فيه زيتوناً. استعمال الزيتون الوحيد عندي هو في شطيرة الجبن. أحاول الفهم فأفشل.. من ثم أضحك معهم متظاهراً بأنها دعابة قوية جداً. ما أتعس هؤلاء الذين لا يجدون زيتوناً للمارتيني. في فيلم آخر يقول البطل عن فتاة قابلها: «هي من طراز الفتيات اللاتي تخرج معهن في عيد الشكر!!». تحاول أنت الفهم.. هل معنى هذا أنها جميلة جداً أم قبيحة كالأبالسة؟.. هل هي مهذبة أم منحلة؟. لا تعرف.. وما هو طراز الفتيات اللاتي تخرج معهن في رأس السنة مثلاً؟ وفي إحدى القصص، يقول الراوي: «شعرت بما تشعر به أنت عندما تشرب الكأس الثالثة من الفودكا بعصير الطماطم مساء الأحد!». طبعاً.. هذا شعور معروف للجميع.. كلنا مررنا به كما هو واضح. أما عن «تأثير نيويورك»، فهو شيء يتكرر دائماً.. المفترض أنني أعرف تأثير نيويورك هذا.. في أغنية جميلة يقول المطرب: «في بار في توليدو.. قرب المستودع». كل الأميركيين يعرفون مسرح الأحداث.. هذا شيء مألوف.. عليك أنت أن تتخيل المكان.. هكذا تتكرر الأمثلة في كل الأعمال الفنية التي تراها أو تسمعها. الإجابة سهلة طبعاً، وهي أنهم يصنعون هذه الفنون لأنفسهم.. من طلب منك أيها السخيف أن تفهم؟.. إذا أردت أن تتابع فنونهم فعليك أن تتحمل. خطر لي أنه لو كانت العولمة تتحرك في الاتجاهين أو كنا نحن العرب من يحكم العالم، لأرغمناهم على أن يحاولوا فهم مصطلحاتنا.. مثلاً يمكنني تخيل وجه الخواجة الأميركي الذي يشاهد فيلماً مصرياً، والبطل يقول: «تعرف مدخل قها بعد قليوب..». يحاول الأميركي جاهداً فهم ذلك المكان، بينما كل مصري يعرف المنطقة وأزمة الزحام هناك ومدخل الكوبري.. إلخ.. في رواية يقول البطل، إنه شعر بما تشعر به أنت وأنت مع خطيبتك في حفل راغب علامة. سوف يقضي الأميركي أسوأ لحظات حياته وهو يحاول معرفة من هو راغب علامة، وما الذي يشعر به الناس عندما يذهبون هناك. بعد هذا تتحدث عن الكبسة والعقيقة التي عقدتها لابنك.. لن يفهم الأميركي ولا الفرنسي معنى «العقيقة».. هل هي نوع من الطقوس الدينية؟.. هل تشبه طقوس العماد؟. ربما هي نوع من اللقاحات التي يأخذها حديثو الولادة حتى لا يصابوا بالتيفود. ثم تقول إن الوقت كان رمضان.. قبل الإفطار مباشرة.. جو الترقب والظمأ.. يحاول القارئ الغربي جاهداً فهم ما هو رمضان ولماذا الظمأ والترقب؟.. سوف يفوت هذا الجزء الذي لم يفهمه.. أما عن رحلة البطل في البحث عن «غطرة» مناسبة، أو جلباب مريح فلن يفهمها الأميركي أبداً.. مهما حاول فلن يعرف معنى «الغطرة».. أما لو تكلمت عن «الشماغ» فلسوف يتحول عدم فهمه إلى جهل مطبق.. هل «الشماغ» نوع من الأطعمة مثلاً؟ هل هو طعام نادر كالكافيار؟ أو تقول إن الرجل كان يتصرف مثل «ستيفان روستي» بالضبط.. لن يفهم أي حرف من هذا الكلام؛ لأنه لا يعرف من هو روستي الشرير الظريف في أفلامنا العربية القديمة، ولو تكلمت عن زينات صدقي ونورمندي تو فلسوف يكتشف انه محتاج إلى أن يدرس الاستشراق وثقافة الشرق... دعك طبعاً من الكلام عن طراز الفتيات اللاتي تخرج معهن في عيد الأضحى.. أنا نفسي لا أعرفه.. نعم.. لو صارت العولمة تتدفق بالعكس لانتقمت انتقاماً لذيذاً من الغربيين. هذا يعوضني بعض الشيء عن الأيام السوداء التي قضيتها محاولاً معرفة طراز الفتيات اللاتي تخرج معهن في عيد الشكر...!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©