الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشباب الفلسطيني... والانخراط السياسي الإيجابي

26 فبراير 2010 21:43
في شهر يناير 2009، وقفت مع عشرات الشبان الفلسطينيين وهم يتدافعون أمام مكاتب تابعة لحرس الرئاسة في رام الله، باحثين عن فرصة للعمل في الحرس الخاص للرئيس عباس. كان هناك من خرج منزعجاً بعد ما تم رفضه لأسباب تتعلق بالشروط الواجب توافرها في المقبولين، ومن هذه الشروط الطول المناسب والوزن. وفي الوقت الراهن يلعب الشباب الفلسطيني دوراً ذا أهمية متزايدة في بناء مؤسسات الدولة المستقبلية. وتنبع هذه الرغبة في المشاركة بشكل كبير من الإحساس بأنه لم يكن للوزارات والأجهزة الأمنية والمؤسسات الأخرى أن تتواجد على أرض الواقع لولا السنوات الخمس من الصراع/المقاومة التي بدأت مع الانتفاضة الأولى والتي كان الشباب في طليعة قيادتها. ويتمتع جيل الشباب، هذه الأيام، بتمثيل ملحوظ في المؤسسات الفلسطينية، وكان هذا ظاهراً في الانتخابات الأخيرة داخل حركة "فتح" الصيف الماضي، وهي انتخابات فاز بها في الواقع جيل الشباب، بشكل واضح. فأغلبية قادة "فتح" الآن هم من الشباب، حيث يتبوأ العديدون منهم مناصب عليا في الوزارات الحكومية، ومنهم وزراء، مثل وزير شؤون الأسرى والمحررين عيسى قراقع، الذي كان قد أمضى عشر سنين في السجون الإسرائيلية. وقد بدأ التغير نحو المشاركة السياسية من قبل جيل الشباب في عام 1994 بعد اتفاقية أوسلو. فعندما عادت القيادة الفلسطينية إلى الضفة الغربية وغزة انضمت أعداد كبيرة من الشباب الفلسطيني، فاقت 120 ألف موظف للقطاع المدني والعسكري في السنوات الأولى من إنشاء السلطة الفلسطينية. ويصل هذا العدد الآن في المؤسسات الفلسطينية الناشئة إلى 160 ألف موظف، معظمهم من الشباب. وقد شجعت السلطة المشاركة الشبابية واعتبرتها عنصراً استراتيجياً من عناصر عملية إعادة البناء. وكانت الأهمية التي توليها القيادة لعنصر الشباب من حيث دورهم في السياسة والكفاح المسلح أمراً واضحاً كذلك عندما تعثرت المفاوضات السياسية بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني في كامب ديفيد عام 2000. ففي تلك المرحلة، استخدمت القيادة الفلسطينية شبانها العاملين في المؤسسات المدنية لإطلاق أعمال سياسية موجهة ضد الاحتلال. وهي أعمال أخذت شكل مسيرات وتجمعات في بادئ الأمر، إلا أن التركيز سرعان ما تحول إلى الشباب العاملين في القطاعات الأمنية الذين كانوا جاهزين بشكل واضح للكفاح المسلح، مما جعلهم متقبلين لإيعاز القادة السياسيين بإشعال الانتفاضة الثانية. وبالمقارنة مع الانتفاضة الأولى، كانت هذه الانتفاضة الثانية أكثر عنفاً ومؤشراً أقوى على الرغبة الجامحة في الاستقلال. وكون القيادة السياسية باتت حينها في الأراضي الفلسطينية، فقد اتحدت العقلية الوطنية القادمة من الخارج مع ذات العقلية العاملة في الأراضي الفلسطينية، في قيادة انتفاضة ربما لم تتوقع القيادة السياسية من الأجيال السابقة أن تكون بذلك العنف. ولهذا فقد أسهمت الانتفاضة الفلسطينية الثانية في بروز قيادات شابة لم يكن لها صيت في السابق، ومنها مروان البرغوثي الذي تتهمه إسرائيل بقيادة الانتفاضة الثانية. إلا أن مستوى العنف المضاد الذي استخدمه الجيش الإسرائيلي لقمع الانتفاضة الثانية فاق مستوى العنف الذي استخدمه الفلسطينيون، وهو الأمر الذي أدى إلى بروز توجه جديد في العقلية الشابة الفلسطينية يدعو إلى التروِّي والحفاظ على الكينونة السياسية الشابة، خاصة في ظل ارتفاع عدد القتلى والجرحى والمعتقلين. وكان التغير الناتج عن ذلك في الابتعاد عن الكفاح المسلح والعودة إلى الأساليب السياسية واضحاً في عام 2006، حينما بادرت قيادات شابة من داخل السجون الإسرائيلية، كان لها الدور الأبرز في قيادة الانتفاضة الثانية، إلى بلورة وثيقة سياسية عرفت بـ"وثيقة الأسرى"، وطرحها على القيادة السياسية الفلسطينية (من "حماس" و"فتح") لتحقيق التوافق السياسي الداخلي ومواصلة مفاوضات السلام. وقد مثلت هذه الوثيقة بروزاً لتوجه جاد في عقلية القيادة الفلسطينية الشابة نحو التأثير سياسياً في توجهات القيادات السياسية من الأجيال السابقة. كما شكلت نتائج الانتخابات الداخلية في حركة "فتح" في مؤتمرها السادس مؤشراً إضافياً على سعي الفئات الشابة للعمل السياسي في تحقيق الاستقلال، وهو ما أظهره هؤلاء عقب فوزهم في عضوية اللجنة المركزية للحركة أو في المجلس الثوري. وإن كان بروز الدور السياسي للقيادات الشابة احتاج لعدة مراحل كي يبرز في حياة حركة "فتح" السياسية، إلا أن الدور الشبابي كان أبرز في حركة "حماس". كان واضحاً عقب الفوز في الانتخابات التشريعية الثانية في عام 2006 في قطاع غزة. حركة "فتح" أو حماس، فقد مثل الشباب نسبة ليست بالقليلة من بين نواب المجلس التشريعي الذين فازوا في مقاعد المجلس، وهو ما يوضح وجود توجه واضح نحو السماح لجيل الشباب بأن يكون لهم دور مؤثر، وخصوصاً إذا كان متمشياً مع السياسة المتبعة. لقد تأرجح جيل الشباب عبر الست عشرة سنة الماضية ما بين المشاركة السياسية والمقاومة العنيفة ضد الاحتلال. واعتمد ذلك الخيار على ما إذا كان هناك إحساس بوجود التقدم في العملية السياسية. وفي اعتقادي أن الشباب، إذا ما أتيح لهم الاختيار، فسيختارون اليوم المسار السياسي لتأسيس القيادة وبناء الحكومة الفلسطينية. حسام عز الدين صحفي وبرلماني فلسطيني ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©