الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

التصويت العقابي يهدد الأحزاب الإسلامية

16 مايو 2007 01:30
الجزائر- حسين محمد: فور حدوث العمليات الانتحارية التي ضربت قصر الحكومة ومقرين للأمن بالجزائر يوم 11 أبريل الماضي، سارعت الأحزاب الإسلامية إلى التنديد بها منذ الساعات الأولى لحدوثها، أملاً بأن لا تؤثر سلبا في شعبيتها فتتعرّض لـ''تصويت عقابي'' في انتخابات 17 مايو التشريعية، فهل ينفعها موقفها المعارض للتفجيرات ويجنِّبها السقوط في الانتخابات المرتقبة؟ أم أن الناخبين سيعزفون عنها بذنب غيرها من المحسوبين على الإسلاميين؟ بعبارة أخرى: ما مدى تأثير التفجيرات الإرهابية لـ11 أبريل في شعبية الأحزاب الإسلامية؟ الناخبون والأزمات للرد على هذه التساؤلات المطروحة في الساحة السياسية بالجزائر بعد تفجير قصر الحكومة لا مناص من العودة إلى فترة التسعينيات التي اشتد فيها الإرهاب وبلغ أوجه لمعرفة مدى تأثيره في شعبية الأحزاب الإسلامية في مختلف الاستحقاقات الانتخابية التي أجريت آنذاك· في 12 يونيو 1990 جرت أول انتخابات تعددية بالجزائر بعد إقرار الديمقراطية بموجب دستور 23 فبراير ،1989 وكانت الانتخابات خاصة بالمجالس المحلية البلدية والولائية، ففازت''الجبهة الإسلامية للإنقاذ'' التي كانت تتمتع بالشرعية حينها، بحوالي 4,5 مليون صوت مكنتها من الحصول على أغلبية 60 بالمائة من المجالس المحلية، ودفع هذا الانتصار الكبير جبهة الإنقاذ إلى الاغترار بقوتها فقررت في أواخر يونيو 1991 اللجوء إلى إضراب عام والاعتصام والتظاهر في الشوارع لإجبار الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد على إلغاء قانون انتخابي قالت ''الإنقاذ'' إن ''جبهة التحرير'' وضعته على مقاسها للفوز بالإنتخابات التشريعية، وكذا للمطالبة باستقالة الشاذلي وإجراء انتخابات رئاسية مسبقة أملاً بالهيمنة الكلية على الحكم، لكن الإضراب الشهير انتهى بتدخل الجيش وسُجن زعيمَا الجبهة عباسي مدني وعلي بلحاج في 3 يوليو 1991 حيث حُكم عليهما بـ 12 سنة نافذة· وفي 26 ديسمبر 1991 جرت الانتخابات التشريعية ودخلتها ''جبهة الإنقاذ''، وتوقع محللون في السلطة والمعارضة عدم فوزها بالأغلبية بسبب لجوئها إلى العنف في إضراب يونيو 1991 ، بيد أن الإنقاذ خالفت التوقعات وفازت بالأغلبية، فتدخلت القوى الفاعلة في النظام لإلغاء نتائج الانتخابات التشريعية في يناير 1992 ليقرر مناضلو ''الإنقاذ'' اللجوء إلى العنف والإرهاب كرد فعل، فدخلت الجزائر في أزمة دموية لم تنته إلى حد الساعة· اللافت للانتباه في انتخابات 26 ديسمبر 1991 التشريعية، أن عدد الأصوات التي تحصلت عليها ''الإنقاذ'' بلغ 3,2 مليون صوت؛ ومع أن هذا العدد يعبِّر عن شعبية كبيرة مكًّنتها من الفوز بالأغلبية، إلا أن الملاحظ أنه يقل بحوالي 1,3 مليون صوت عن الانتخابات المحلية التي جرت في 12 يونيو 1990؛ مما يعني بوضوح أن لجوء جبهة الإنقاذ إلى العنف ومجابهة النظام والتسبب في أحداث يونيو 1991 جعلها تخسر 1,3 مليون صوت، وكان ذلك مؤشرا بالغ الدلالة على مدى نفور الجزائريين من العنف وسياسة ''المغالبة'' التي اعتمدتها ''الإنقاذ''· ديموقراطية محلقة تسبَّب اندلاع الإرهاب في يناير 1992 إلى تعليق المسار الديمقراطي لمدة ناهزت الأربع سنوات منحت خلالها السلطات الأولوية لمكافحة الإرهاب والبحث عن حل تحاوري سلمي للأزمة الدموية، إلا أن الرئيس الأسبق ''اليامين زروال'' قرر العودة إلى المسار الانتخابي وإجراء انتخابات رئاسية في 16 نوفمبر 1995 أملاً بإيجاد حل سياسي آخر للأزمة بعد فشل حواره مع قادة ''الإنقاذ'' المسجونين في إيجاد حل سلمي· وكان العنف قد بلغ درجة عالية من الخطورة آنذاك، إذ قُتل عشرات الآلاف من الجزائريين في هذه السنوات الأربع، فقاد العلمانيون حملة سياسية وإعلامية شعواء على الأحزاب الإسلامية القائمة، ودعوا السلطات إلى حظرها، ولما رفضت الاستجابة لهذا المطلب حتى لا تغلق المجال السياسي أمام القواعد الإسلامية وتدفعها إلى التطرف، طالبوا الناخبين بمقاطعة محفوظ نحناح مرشح الإسلاميين في الانتخابات الرئاسية المقررة في 16 نوفمبر ،1995 رئيس''حركة المجتمع الإسلامي'' آنذاك، وعدم التصويت له والاعتبار مما حدث للبلد حينما صوتوا لصالح ''الإنقاذ'' في 26 ديسمبر ·1991 في الموعد المحدد فاز الرئيس ''اليامين زروال'' بالأغلبية على حساب مرشح الإسلاميين، إلا أن الأصوات التي حصل عليها ''محفوظ نحناح'' ناهزت 3 ملايين صوت وهو رقم غير بعيد عن الأصوات التي تحصلت عليها 3 أحزاب إسلامية مجتمعة في 26 ديسمبر ،1991 حيث بلغت 3,8 مليون صوت؛ أي بخسارة 800 ألف صوت، وبخسارة 1,5 مليون صوت منذ انتخابات 12 يونيو ·1990 غير أن بعض المتتبعين رأوا أن تأثير العنف في نتيجة مرشح الإسلاميين لم يكن كبيراً، إذ كانوا يتوقعون نتيجة أدنى من ذلك بكثير بالنظر إلى إقصاء ''الإنقاذ'' من الحياة السياسية وتوجيهها الدعوة إلى أنصارها للمقاطعة، فضلا عن دعوة الشيخ عبدالله جاب الله رئيس ''حركة النهضة'' آنذاك بدوره لمقاطعة تلك الانتخابات· وجرت بعدها الإنتخابات التشريعية، ثم المحلية، في عام ،1997 ففازت مجمل الأحزاب الإسلامية بقرابة 3 ملايين صوت اقتسمتها ''حركة مجتمع السلم'' و''النهضة''، مما يعني أن الوعاء الانتخابي الإسلامي كان ثابتاً تقريباً، وقد استقر في حدود الثلاثة ملايين مناصر طيلة التسعينيات، رغما عن تفاقم الإرهاب وحدوث مجازر مهولة ضد آلاف المدنيين العزل بين سنوات 1996 و·1998 ألفية التراجع الغريب أنه بمجرد تراجع حدة الإرهاب بفضل ضربات قوات الأمن وسياسة الوئام المدني والمصالحة التي انتهجها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة منذ وصوله إلى الحكم في 15 أبريل ،1999 بدأت شعبية الإسلاميين بالتراجع، وتجلى ذلك في الانتخابات التشريعية والمحلية التي جرت عام 2002؛ إذ حصل الإسلاميون على 2 مليون صوت فقط منها 1,2 مليون صوت لـ''الإصلاح'' بقيادة رئيسها جاب الله و740 ألف صوت ''حركة مجتمع السلم'' مقابل 3 ملايين للحزبين معاً في انتخابات ،1997 أي أنهم فقدوا مليون صوت في ظرف 5 سنوات· واستعصى الأمر على الفهم لأن التراجع لم يتم في التسعينيات حتى يُربط بالوضع الأمني بل حدث بعد استتبابه، وكان التفسير الأقرب إلى المنطق أن التراجع ينحصر في ''حركة مجتمع السلم'' تحديداً باعتبارها فقدت 75 بالمائة من أنصارها في ظرف 5 سنوات؛ فمن 3 ملايين صوت فاز بها رئيسها ''نحناح'' في انتخابات 16 نوفمبر 1995 الرئاسية، خسرت الحركة نصفها في الانتخابات التشريعية لـ ،1997 ثم نصفها الآخر في الانتخابات المحلية لأكتوبر ،2002 ليتوقف رصيدها في 740 ألف صوت فقط، وأوعز محللون عديدون سبب هذا التراجع الكبير إلى اعتماد سياسة ''المشاركة في الحكومة'' منذ ديسمبر 1995 وتخليها عن المعارضة لتخسر بذلك أصوات الإسلاميين الذين انفضوا عنها، والتحق الكثير منهم بجاب الله الذي ارتفع رصيده الشعبي من 150 ألف صوت في انتخابات 26 ديسمبر 1991 الملغاة إلى 1,2 مليون صوت في الانتخابات المحلية لأكتوبر ·2002 حظوظ ضئيلة بعد 5 سنوات من انتخابات 2002 التي خسر فيها الإسلاميون مليون صوت، حان الآن موعد إجراء الانتخابات التشريعية، كما ستُجرى الانتخابات المحلية في أكتوبر القادم، لكن الأجواء تختلف حالياً وبشكل كلي عن أجواء 2002 لبروز عاملين اثنين بالغي الأهمية؛ الأول: أن السلطات قررت في آخر فبراير الماضي إقصاء عبدالله جاب الله من رئاسة حركة ''الإصلاح'' والاعتراف بخصمه محمد بولحية رئيسا جديداً لها، مما دفع جاب الله، وهو ذو شخصية كارزماتية كبيرة، إلى توجيه نداء لأنصاره بمقاطعة انتخابات 17 مايو وبخاصة في المناطق التي رفضت فيها الإدارة ترشيح أنصاره في قوائم حرة أو قوائم أحزاب أخرى· والعامل الثاني: يتمثل في تفجيرات 11 أبريل التي يعتقد بعض الملاحظين أنها ستلقي بظلالها على حظوظ الإسلاميين في الانتخابات القادمة· الواقع أن حظوظ الإسلاميين في الانتخابات التشريعية القادمة ضئيلة فعلا، ولكن ليس بسبب تفجيرات 11 أبريل التي استنكرها كل الجزائريين وخرجوا في مظاهرات صاخبة للتنديد بها، فالناخبون يدركون جيدا أن الأحزاب الإسلامية القائمة معتدلة ولا علاقة لها بالخطاب المتطرف المتشدد الذي كانت تتبناه ''الإنقاذ'' - في عهد الشرعية - ولا خوف منها ولو وصلت إلى الحكم··· العامل الحقيقي الذي يجعل حظوظ الإسلاميين هزيلة في الانتخابات القادمة هو أن عدم وجود أحزاب إسلامية قوية تحظى بمصداقية حقيقية وتأثير في القواعد الإسلامية العريضة؛ إذ أن''حركة مجتمع السلم'' ضيعت 75 بالمائة من أنصارها في ظرف 7 سنوات بسبب اعتمادها سياسة ''المشاركة في الحكومة'' كما أسلفنا، وعلى الرغم من التفاؤل المفرط الذي يبديه رئيسها الشيخ أبو جرة سلطاني، وتصريحه بأن حركته ستفوز بـ 30 بالمائة من مقاعد البرلمان القادم، إلا أن ذلك قد لا يكون سوى حملة انتخابية مسبقة· أما الحزب الإسلامي الثاني ''حركة النهضة'' فقد انهارت في انتخابات 2002 بعد أن هجرها الشيخ جاب الله سنة 1999 كرد فعل على محاولة تقليص صلاحياته فضلا عن التحاقها بالحكومة وتطليق المعارضة، فلم تظفر سوى بمقعد واحد في البرلمان الحالي مقابل 34 مقعدا في انتخابات 1997 التشريعية، ويصعب توقّع عودتها الآن بعد أن انحسر أداؤها الميداني منذ هزيمتها في ،2002 وقد تلقى''حركة الإصلاح'' نفس مصير''النهضة'' لافتقار قيادتها الجديدة إلى الكارزماتية، كما أن قواعد ''الإصلاح'' ستنظر إليها على أنها صنيعة السلطة التي نصبتها بدل الشيخ جاب الله رغم أن القضية لم تُحسم في العدالة بعد· وباختصار، فإن حظوظ الأحزاب الإسلامية في انتخابات 17 مايو ستكون على الأرجح ضئيلة؛ وحتى إذا فازت بعدد من المقاعد في البرلمان بسبب اعتماد نمط الاقتراع النسبي، فإن عدد الأصوات الذي ستتحصل عليه سيكون ضئيلاً بالمقارنة مع انتخابات 2002 في ظل توقع حدوث بنسبة مقاطعة عالية في صفوف الناخبين الإسلاميين بسبب التركيبة القيادية للأحزاب الإسلامية القائمة، والتي تميل إلى مهادنة السلطات، مما يجعلها تفتقر إلى التأثير والمصداقية لدى القواعد الإسلامية التي تميل بطبعها إلى الأحزاب المُعارِضة، ولكن الأحزاب العلمانية التي ينتظر أن تعود بقوة في الانتخابات القادمة على حساب الإسلاميين لن تتحدث عن هذا العامل، وستركز على عامل الأزمة كسبب لتراجع الإسلاميين لسببٍ في نفس يعقوب·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©