الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

ولد الهدى

ولد الهدى
18 ديسمبر 2015 19:38
يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول عام الفيل على المشهور عند أئمة السِّيَر كانت البشرية في استقبال ظهور إمام الهدى سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، كانت الأرض تَحِنُّ إلى هداية الله بعد أنْ أرهقها الجور، وُلِدَ صلى الله عليه وسلم يتيماً بعد أن توفي والده عبد الله. يا له من يوم عظيم صدقَ فيه قول أحمد شوقي: يَوْمٌ يَتيهُ عَلى الزَّمانِ صَبَاحُهُ... وَمَساؤُهُ «بِمُحمَّدٍ» وَضَّاءُ كانت البشرية على موعد مع الصلة بالله، على موعد مع التوحيد والعدالة والرحمة والحياء والسماحة والتواضع وصلة الرحم والعطف على المسكين وإنصاف المرأة ونُصْرَة الضعيف والأخوة والتعاون على الخير والبناء، فأكرم الله الإنسانية ببعثة إمام الْهُدَاة، وأستاذ الأخلاق، صاحب القلب الرحيم والخلق القويم صلى الله عليه وسلم، قال الحق سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]. دخل علينا ربيع الخير فزادت الأشواق، وانبعثت الذكريات العطرة لميلاد خاتم النبيين وحبيب رب العالمين، وحقيق بالمسلم أن يجعل هذه الشهر محطة لدراسة السيرة، وموسماً للتذكير بسنة النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه، وقد قام الملوك والخلفاء ومعهم القضاة والعلماء بالاحتفال بالمولد النبوي الشريف كلَّ سنة في ربيع الأول، وألَّفَ العلماء لتلك المناسبة المؤلفات الكثيرة، ووضَّحَ الإمام شيخ الإسلام أبو شامة المقدسي أن الاحتفال بالمولد النبوي من الأمور الحسنة التي أُحدثت، وأنَّ ما يحصل فيه من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور مشعرٌ بمحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه، وفي ذلك شكرٌ لله على ما منّ به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين. كما وضَّح الإمام شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر العسقلاني أنَّ الاحتفالات بالمولد النبوي قد اشتملت على محاسنَ وضدِّها، فمن تَحَرَّى في عملها المحاسن وتجنَّب ضدَّها كان مُحْسِنَاً. وأما منع الاحتفال بالمولد الشريف بحجة أنَّ الصحابةَ لم يفعلوه أو أنه أمر حادث، أو أنَّ الذي أحدثه هو الفاطميون فكلُّ ذلك في الحقيقة لا يصلح مستنداً للمنع، فإن الأمر الجديد إنما يُمْنَع إذا خالف الشريعة، وأما إذا وافقها وحقق مقاصدها واندرج تحت أصولها فهو مقبول، قال الإمام الشافعي: (المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما ما أحدث مما يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً، فهذه البدعة الضلالة. والثانية: ما أحدث من الخير مما لا خلاف فيه لواحد من هذا هي محدثة غير مذمومة). ومتى حكمنا للأمر الحادث بالانسجام مع قواعد الشريعة فلا يؤثر على حُكْمِنَا بقبوله كون الصحابة رضي الله عنهم فعلوه أو تركوه، أوْ أنَّ الذي ابتدأ بفعله صالح أو طالح، وقد وجد النبي صلى الله عليه وسلم اليهود يصومون عاشوراء شكراً لله لنجاة موسى فقال: (فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ) رواه البخاري. ثم إنَّ الصحابة كانوا على عناية تامة بأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته، وكانوا يعلمون ذلك لأبنائهم كما يعلمونهم السورة من القرآن، وكانوا يعقدون المجالس لتذكر نعم الله عليهم ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء في مسند أحمد وسنن النسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سألهم عن سبب جلوسهم فقالوا: (جلسنا ندعو الله ونحمده على ما هدانا لدينه، ومن علينا بك). فما كان الصحابة بحاجة لمناسبات يتدارسون فيها حياة نبيهم صلى الله عليه وسلم. وأما منع الاحتفال بحجة ما يقع فيه من مخالفات في بعض البلاد فغير سديد، بل ينبغي أن يقتصر المنع على المخالفات لا أنْ يُمنع المولد نفسه. وقال بعضهم إنَّ يوم مولده هو يوم وفاته، فكيف نفرح في يوم وفاته، فجوابه ما قاله الإمام السيوطي: (إن ولادته صلى الله عليه وآله وسلم أعظم النعم، ووفاته أعظم المصائب لنا، والشريعة حثت على إظهار شكر النعم، والصبر والسكون عند المصائب). أسبغَ الله على قلوبنا محبته ومحبة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©