السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دوت كوم

17 مايو 2007 01:23
عندما يتطفل "جوجل إيرث ".. مع إشراقة كل شمس يلعن الوحدويون العرب السير مارك سايكس والمسيو جورج بيكو· ومع مغيب كل يوم سوف يلعن أبناء تشيلي ''جوجل إيرث'' وقد تصل اللعنة إلى مؤسس برمجيات الكومبيوتر بيل جيتس· ما الذي يجمع بين أبناء الضاد ومواطني الدولة التي ترث الديكتاتورية من رحم الديمقراطية والعكس بالعكس؟ الذي يجمع بين هؤلاء وأولئك، هو بالضبط الذي يجمع بين سايكس ـ بيكو و''جوجل إيرث''· وحتى نزيل التقطيب عن وجه هذه المسألة نسارع إلى التوضيح· ففي مطالع القرن العشرين، قام وزيرا خارجيتي بريطانيا وفرنسا، بإعادة رسم خرائط المشرق العربي وفق أهوائهما الاستعمارية، ما فوّت على القوميين العرب حلم الدولة الواحدة من شط العرب إلى شواطئ الأطلسي· وما فعله ''جوجل إيرث'' في مطالع القرن الحادي والعشرين هو أنه نقل قرية تشيلية أطلق عليها اسم بطل الاستقلال الوطني برناردو أوهيجينز إلى الأرجنتين· إذ تظهر الصورة الملتقطة بالقمر الاصطناعي القرية الصغيرة الواقعة على بعد ألف ميل جنوب العاصمة التشيلية سانتياجو على الجانب الآخر من الحدود مع الأرجنتين· طبعا حكومة تشيلي سارعت إلى التحرك للمطالبة بإعادة الحق إلى نصابه، على عكس ما فعله العرب، حيث لجأ بعضهم إلى ''التطنيش'' المبكر على ما أصاب بلادهم بشطحة قلم استعمارية، فيما وجد الباقون بعد عشرات السنين إن ''التطنيش'' هو الوصفة السحرية للتغاضي عن الحقوق القومية· سيقول قائل مستهجناً: هذا حديث سياسة فما دخل التكنولوجيا بالأيديولوجيا وشعوبها وأحزابها؟ وللقائل نقول: إن استهجانه في محله، لو أن شركات التكنولوجيا العالمية لم تضع أطراً سياسية لعملها، تمنح وتمنع، تحتكر وتجيز، تصادر العقول المتفتحة أو تمنع تفتح العقول المستعدة·· وكل ذلك يبقى في خانة المقبول والمحتمل، حتى ولو تحولت ''مايكروسوفت'' إلى حكومة ظل عالمية، تتحكم بالبرمجيات وبالمبرمجين (بفتح الميم)، تبيع لكل شعب ما تراه مناسباً له· لكن أن يصبح ''جوجل إيرث'' في هذه الألفية هو خليفة حكومة بريطانيا العظمى التي كانت الشمس لا تغيب عن مستعمراتها، فيستخدم مقص القمر الاصطناعي لاقتطاع قرية هنا، وإلحاق ولاية هناك، وتغيير معالم الجغرافيا الوطنية لهذا الشعب أو ذاك، فهذا ما يحول العلم الحديث ومبتكراته التكنولوجية إلى استعمار ''ما بعد حداثي'' بحسب نظريات نقاد الأدب· لكن الأهم من كل ذلك، هو أن يرفع ''جوجل إيرث'' تطفله عنا كأفراد، فلا يهدد كل واحد منا بأن يجعله مكشوفاً في جيئاته وغدواته وغزواته، خصوصاً أمام ''الحكومات المنزلية'' الطاغية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©