الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

برلسكوني... «الفارس» الغائب الحاضر

7 ديسمبر 2013 23:29
بعد يومين على تجريده من مقعده في مجلس الشيوخ الإيطالي، وسخرية الصحافة المحلية والعالمية منه، وتخلي نصف البرلمانيين وأعضاء مجلس الشيوخ من حزبه عنه، عاد سيلفيو برلسكوني، الملقب إعلامياً بالفارس، كالعادة لشعبيته من جديد. وقد ارتفعت نسبة تأييده 6 في المئة لتصل إلى 26 في المئة. وحصل ائتلافه الذي ينتمي إلى يمين الوسط على نسبة غير متوقعة بلغت 35 في المئة في استطلاعات الرأي، متقدماً بفارق طفيف على الحزب الديمقراطي المنتمي إلى يسار الوسط. وتبدو قصة سيلفيو مثل فيلم كونتين تارانتينو الذي يطلق فيه البطل الرصاص على الشخص الشرير، ويتخلص منه في خزان ثم يدفنه في مدفن للنفايات المسمومة، ولكن الشرير يعود ليطارده مرة أخرى. وبالحديث عن سقطاته، أدين رئيس الوزراء الإيطالي السابق على مدار ثلاث فترات في قضايا تهرب ضريبي، وجُرد من جواز سفره وحصانته السياسية، وبات أي قاض من خصومه الكثر داخل أروقة النظام القضائي يمكن أن يأمر باعتقاله في أي وقت. وعلى رغم ذلك، حتى الآن لن يسجن برلسكوني، إذ ينص القانون الإيطالي على إمكانية أن يختار السبعينيون عقوبة بديلة، واختار برلسكوني «خدمة المجتمع»، وهو ما دعاه إلى التذمر علانية قائلاً «يريدونني أن أجثو على ركبتي أنظف المراحيض». وبينما يغادر البطل العجوز الآن ساحة المعركة السياسية مترنحاً، لا يزال المشجعون يهتفون تأييداً له. وقد وصف جناح اليسار وكثير من المراقبين الدوليين خلال العقدين الماضيين، برلسكوني وحزبه «فورزا إيطاليا» بأنه «حزب بلاستيكي» دفعه إلى السلطة الناخبون من الجهلة والحمقى، الذين غيبتهم المخدرات والجرعات اليومية من البرامج التلفزيونية التجارية التي تبثها بالطبع إمبراطورية برلسكوني التلفزيونية.والآن، تغير التحليلات الأكثر دقة هذا الوصف، مقدمة صورة أكثر تركيزاً لإيطاليا المعاصرة. وبدوره حرك المؤرخ جيوفاني أورسينا، نائب مدير كلية الحكومة في جامعة لويس في روما والأستاذ الزائر في كلة العلوم السياسية في باريس، المياه الراكدة في كتابه الجديد «برلسكونيزمو» الذي يتناول فيه تاريخ رئيس الوزراء السابق. ويرى أورسينا أن برلسكوني لم يكن «مصادفة عارضة» في السياسة الإيطالية، وإنما كانت دعايته الشعبوية التي تضم مزيجاً غريباً من الرضا بالوضع الراهن والتردد في تنفيذ إصلاحات اقتصادية قوية، جزءاً من التركيبة الوطنية لإيطاليا منذ اتحادها في عام 1861. ولم تكن «معجزة برلسكوني» ـ أعني إنشاء حزب سياسي في غضون أسابيع في عام 1994ـ نتيجة لإمبراطوريته الإعلامية الضخمة فحسب، وإنما كانت الشرارة الحقيقية، حسب أورسينا، تكمن في الوضع الثقافي الوطني القديم. ويعتقد هذا المؤرخ أن برلسكوني لامس شيئاً عميقاً داخل الروح السياسية الإيطالية بقوله «أيها الناس إنكم لا تحتاجون إلى إصلاحات، وكل شيء على ما يرام، ولا تنصتوا إلى الخطب الأخلاقية، لستم بحاجة لأن تكونوا أفضل .. استمتعوا بحياتكم». وفي الحقيقة، على رغم أن أغلبية الناخبين العاملين في قطاعات الحكومة يصوتون ليسار الوسط، دائماً ما كان العمال المستقلون والعاملون في القطاع الخاص وأصحاب الأعمال الحرة يمثلون القاعدة الشعبية لبرلسكوني، ويدلون بأصواتهم مخلصين لـ«سلفيو»، وخصوصاً في الشمال وفي الأعوام العشرة الأولى من رحلته السياسية. وهؤلاء ليسوا ربات منازل يشعرن بالملل أو أشخاصاً كسولين، وإنما كثير منهم مثقفون ومواكبون للابتكارات التكنولوجية والاجتماعية، وعلى رغم ذلك لا يزالون متشككين في الأجندة اليسارية. ولكن ترى إلى من سيتحول تأييد هؤلاء الآن؟ لقد أضحى برلسكوني الآن قائداً مصاباً بجراح غائرة، وقد رحل عن المشهد السياسي على الأقل رسمياً، وربما أن أفضل عزاء سياسي له هو حليفه السابق جيوليانو أورباني، رفيقه في تأسيس «فورزا إيطاليا». ففي عام 1993، ذهب أورباني، أستاذ العلوم السياسية المعتدل في فلورنسا إلى ياني أنجيلي الذي كان آنذاك رئيساً لمجلس إدارة شركة «فيات»، وأخبره بأن «جميع أحزاب الوسط في إيطاليا ضعفت، وإذا لم نخلق حزباً يمينياً وسطياً، فإن الحزب الشيوعي السابق، الذي يقوده أتشيلي أوكتشيتو، سيفوز في الانتخابات المقبلة، ويجب أن تصبح أنت زعيمنا الجديد». ولكن أنجيلي رفض بأدب العرض، ومن ثم أخذ أورباني المشروع إلى برلسكوني الذي تحمس للأمر، وبدأ في تعزيز قواعده الشعبية ليبصر «فورزا إيطاليا» النور. وأضاف «كانت النتيجة أننا أوقفنا بالفعل الشيوعيين، ولم يعد هناك زعيم في الحزب الديمقراطي الآن يمكن وصفه بالشيوعي، وكان هذا نجاحاً، لكننا أخفقنا في تطبيق الإصلاحات». وبات الآن الناخبون في إيطاليا منقسمين إلى ثلاث فئات، إذ يتمتع بيبي جريلو وحزبه المتفرد «فايف ستار» بنسبة تتراوح بين 20 و25 في المئة من الأصوات، ويبقى هو المدافع عن الحمائية الاقتصادية والمناهض للاتحاد الأوروبي في إيطاليا. وفي هذه الأثناء، يحتفظ يسار الوسط بنسبة الـ 34 في المئة، بينما يتسابق الآن عمدة فلورنسا ماتو رينزي في انتخابات الثامن من ديسمبر على رأس الحزب الديمقراطي، وأصبح الآن بالفعل يتحدى رئيس الوزراء إنريكو ليتا على السلطة، ومن ثم أصبح الرئيس الإيطالي جورجيو نابوليتانو الآن يتحكم في المتسابقين اليساريين الطموحين، وسيكون واحداً منهما فقط حامل راية الحزب ورئيس الوزراء الجديد. وفي جبهة يمين الوسط، يوجد نائب رئيس الوزراء أنجيلينو ألفانو، وحلفاؤه البرلسكونيون السابقون الذين سيحاولون كسب الوقت، على الأقل. جياني ريوت إستاذ بجامعة برينستون ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©