الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

منصب الرئيس.. رمز الأمة التركية

18 مايو 2007 00:23
أنقرة: سيد عبدالمجيد: لا يهم ما إذا كان المنصب شرفيا أو كونه ذا صلاحيات محدودة، فليس هناك سياسي في عموم الأناضول إلا وتمنى أن يكون جالسا في ''شنكاياي كشك'' القصر الجمهوري بالعاصمة أنقرة، متبوئا هذا المنصب الرفيع· أنه الرئيس، رمز الأمة التركية وحافظ وحدتها، وحامي علمانيتها، والقائد الأعلى لقواتها المسلحة· أربعة وثمانون عاما تقريبا هي عمر الجمهورية، وبالتالي عمر الرئاسة، خلالها تناوب على شغل ''الكشك'' عشرة رؤساء آخرهم الرئيس الحالي ''أحمد نجدت سزر'' الذي سيستمر في منصبه إلى ما بعد الثاني والعشرين من يوليو القادم، وحتى ينعقد البرلمان الجديد، عندئذ سيتم تسمية الرئيس الحادي عشر الذي كان يفترض أن يكون من نصيب اردوغان، إلا أن الأخير تراجع وهو يتجرع كأس السم تاركا عبدالله جول- صديقه ورفيقه في تأسيس حزب العدالة والتنمية- يحدوه الأمل، ولكن كيف السبيل ؟ ورغم بعض الأزمات التي صاحبت عملية اختيار الرئيس في فترات سابقة - وهو ما سوف نأتي إليه في حينه- إلا أنه لم يحدث وأن واجهت الجمهورية الكمالية تلك الأزمة الرئاسية العاتية، والتي أخذت عنوانا كبيرا ألا وهو تهديد علمانية الدولة· إن صرخات الآلاف ومشاركة العجائز -نساء ورجال على السواء- وهم يرفعون الأعلام وملصقات لمؤسس تركيا الحديثة لا يمكن اختزالها في رفض شخوص بعينهم بقدر أنها عبرت عن خوف متأصل من المساس بالقصر الجمهوري، وعكست في الوقت نفسه متغيراً في غاية الأهمية ألا وهو تعلق الشارع بالمؤسسة العسكرية وقبوله ضمنياً مشاركتها في حل الأزمة الرئاسية بالبلاد· وخلافاً للأعراف الديمقراطية السائدة في أوروبا، بدا الناس وكأنهم يعيشون حالة رعب فريدة في أن يحتل القصر الجمهوري شخص ما قيل عنه أنه كان في يوماً ما ضد العلمانية، أو أنه دافع في مناسبة من المناسبات عن أي مظهر وسلوك يدخل في خانة الرجعية (طبقا للتوصيفات التركية) كالحجاب على سبيل المثال لا الحصر· المظاهرات الصاخبة وما صاحبها من مناقشات هائلة لم تكتف بذلك فحسب بل جنحت بعيدا، معلنة رفضها لرموز العدالة والتنمية حتى وإن أنكرو ماضيهم وتبرأوا منه وأعلنوا جهاراً أنهم علمانيون حتى النخاع، في هذا السياق بات لازما على الشخص الذي يرشح نفسه لمنصب الرئيس يجب أن يكون علمانيا حقيقيا، وبعبارة أخرى أن يكون على نهج أتاتورك وفي نفس الوقت لا يكون مثل أتاتورك··· صلاحيات مطلقة هل كان احد يستطيع أن يتكلم عن صلاحيات الرئيس حتى ولو كانت هناك مبررات ؟ وهل كان أحد يمكنه إثارة الجدل حول مدة بقاء الرئيس على سدة السلطة ؟ صحيح أن حدود تحرك الرئيس تنفيذياً على مستوى النصوص الدستورية لم تكن مطلقة، إلا أن خطوات مصطفى كمال ورؤاه، بدت وكأنها فوق البنود القانونية ومواد الدستور، الغريب أن مؤرخي تلك الفترة أكدوا أن مؤسس الجمهورية التركية الجديدة لم يكن ميالاً في أن تكون كل خيوط الحكم بيده وحده، بل ذهب البعض إلى القول بأن أتاتورك كان حريصا على جعل منصب الرئيس رمزياً وشرفياً أكثر منه شيء آخر وبحيث يتولى البرلمان ومعه الحكومة إدارة دفة الأمور في عموم البلاد وخارجها· غير أن الواقع بدا عكس ذلك، المؤرخون أنفسم قدموا تفسيرات عديدة منها أن الكاريزما التي لم يسع إليها أتاتورك فرضت نفسها لتكون قدره، يأمر فيطاع، أحاديثه في مجالات الحياة ترجمت على الفور لتكون أشبه بالنقاط فوق الحروف، وعندما يتكلم في السياسة الخارجية وما يجب على تركيا أن تفعله سرعان ما يقوم مساعدوه بتحويل المقولات إلى آليات عمل ترسم القواعد العامة للعمل الدبلوماسي، وتحدد في الوقت ذاته مواقف أنقرة من القضايا الإقليمية والدولية والعلاقات مع بلدان العالم، وبعد قليل ستصبح هناك ''الأيديولوجية الكمالية'' السائدة حتى تلك اللحظة، ولأنه كاريزما، لم يحدث أن تبرم رؤساء الحكومات من سلطاته المطلقة· ورغم انتمائه إلى البيروقراطية العسكرية -التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من النسيجين الاجتماعي والثقافي للمجتمع التركي قبل وبعد الجمهورية- إلا انه كان رافضا وبشكل مطلق اشتغال العسكريين بالسياسة، ومن كان يرغب عليه أن يخلع بزته العسكرية· لكن أتاتورك سيترك توصية ستجد لها سنداً من الدستور والقانون والشارع ملخصها ''أن الجيش يحق له التدخل في الحياة السياسية في حال أصيبت بالفوضي أو أن هناك خطراً يهدد مبادئ الدولة، وما أن يحل الاستقرار على الجيش أن يعود فوراً إلى الثكنات تاركاً الحياة السياسية للمدنيين'' وسيظل مضمون هذه التوصية سارياً حتى هذه اللحظة وأن اختلفت طرق التدخل وسيظهر أن الحياة المدنية نفسها يمكن ان تستنجد بالمؤسسة العسكرية· مات فغابت الكاريزما مع بداية عام 1938 راح ''عصمت أينونو'' رئيس الحكومة آنذاك يمارس بعض صلاحيات رئيس الجمهورية والتي كانت تزداد مع زيادة التدهور في الوضع الصحي لأتاتورك، وفي نوفمبر وعقب وفاة ''اتاتورك'' عقد البرلمان جلسة استثنائية عين فيها ''عصمت أينونو'' رئيسا للجمهورية ولأن ''إينونو'' كان رفيق أتاتورك فقد ظل قابضا على الرئاسة والحكومة مع الفارق في أن ''أينونو'' لم يكن يمتلك أي كاريزما، أضف إلى ذلك الأوضاع المحيطة بتركيا الآخذة في التغير ورياح الديمقراطية التي بدت بدورها لا تستسيغ مفاهيم القائد المعلم، وكان على تركيا الراغبة في أوروبا أن تدخل فضاء الديمقراطية ومع عام ،1950 وبدء التعددية السياسية وصعود جلال ''بايار'' إلى ''بشنكاياي'' ليكون الرئيس الثالث للجمهورية عاد المنصب ليتواءم مع النصوص لا يبارحها تاركا السلطات الحقيقية لرئيس الحكومة المنتخب ''عدنان مندريس'' ولأسباب -ليس مجالها الآن- تدخل الجيش في السابع والعشرين من مايو عام 1960 لوأد الفوضى وإعادة ضبط إيقاع الحياة السياسية ويصبح قائد الانقلاب الأول في عمر الجمهورية ''جمال جورسيل'' هو الرئيس الرابع خلفا لـ''جلال بايار'' الذي كاد أن يشنق لولا تدخل عصمت ''إينونو'' متذرعاً في ''كيف لرفيق نضال أتاتورك أن يعلق في حبل المشنقة''· وفي عام 1964 وبعد معاناة مع مرض عضال يرحل ''جمال جورسيل'' ليحل محله دون معوقات الجنرال المتقاعد ''جودت صوناي''· داخل دائرة الضوء المنصب الرئاسي وحتى بعد الانقلاب العسكري الثاني عام 1971 لم يصادف عقبات تذكر، غير أن الأمور صارت تنحو منحى لم يكن مألوفا من قبل، وكانت البداية مع ''سليمان ديميريل'' رغم أنه لم يكن مرشحاً آنذاك للرئاسة، فقط كان رئيساً للحكومة· فقبل أن تنتهي بقليل مدة رئاسته للجمهورية اعتباراً من مارس 1973 بدا ''جودت صوناى'' يمهد الطريق لتمديد فترة رئاسته، وفي لقاء مع ''ديميريل'' الذي عاد إلى ''الباشباكلنك'' رئيساً للحكومة المح ''صوناي'' إذ لم يتم التمديد له فالجيش سيعين ''فاروق قيورلير'' رئيس الأركان في ذلك الوقت رئيساً للجمهورية، إلا أن ديميريل ''وانطلاقاً من إخلاصه للديمقراطية عارض ان يصبح منصب الرئيس حكراً على الجنرالات وتحديداً رؤساء الأركان''· لكن الحقيقة أن معارضة ديميريل كانت تحمل ثأراً شخصياً، فهو لم ينس أن خبر عزله من رئاسة الحكومة وحرمانه من العمل السياسي سمعه من الإذاعة وهو يهم بالذهاب إلى مكتبه، وكان ''فاروق قيورلير'' قائد القوات البرية وصاحب اليد الطولى في انقلاب 1971 ومهندس توقيف السياسيين وحرمانهم من العمل السياسي، وسيتمكن ''ديميريل'' من رد الصفعة، بيد أنه أجهض حلم الجنرال ''قيورلير'' الذي أحيل إلى التقاعد على أمل ان يكون رئيسا للجمهورية، ومن خلال الإذاعة أيضاً عرف أنه لن يكون رئيساً للجمهورية، وبعد ماراثون استغرق خمس عشرة جلسة بالبرلمان اتفقت الأحزاب على انتخاب جنرال متقاعد ألا وهو ''فخري كورتورك'' ليكون الرئيس السابع للجمهورية· مسألة الثأر هذه ستكون عنوان ماراثون الرئيس في عقدي الثمانينات والتسعينيات، فحزب الوطن الأم لم ينس أن ديميريل حاول عرقلة صعود ''تورجوت أوزال'' مؤسس الحزب للرئاسة، وبعد ان تمكن الأخير من الجلوس على سدة الرئاسة في ،1989 عاد ''ديميرل'' ليجهض حلم ''أوزال'' في ان يتم انتخاب الرئيس من خلال الاقتراع الشعبي المباشر وعندما دارت عقارب الساعة ووقف ''ديميريل'' نفس الموقف في مستهل الألفية الثالثة تمكن أعضاء الوطن الأم من عرقلة التمديد له الأكثر إثارة أن مشروع القانون الذي قدمه ''بولنت إجيفيت'' كان من خلال حكومة ائتلافية كان حزب الوطن الأم شريكا فيها غير ان ''مسعود يلماظ'' زعيم الحزب آنذاك لم يستطع إقناع أعضائه من التصويت لصالح ديميريل الرئيس التاسع للجمهورية الكمالية، ''واردوغان'' نفسه لا ينسى ثأره الشخصي ليس من الجنرالات فحسب بل من العلمانيين، لقد أجبر على الاستقالة من منصبه كعمدة منتخب لمدينة اسطنبول، ومضي نحو أربعة أشهر في السجن لاتهامه بالرجعية والتحريض على الفتنة، وها هو يحاول، مثلما حاول ''اوزال''، بتعديل الدستور حتى لا يكون اختيار الرئيس تحت رحمة البرلمان، وكأن الأخير نبت شيطاني لم يأت بطريقة ديمقراطية!! فهل سيكتب له النجاح ؟ هذا سيكون محور موضوع آخر··
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©