الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«تأنيث» المدارس الابتدائية تجربة محفوفة بمحاذير تربوية ومخاوف سلوكية

«تأنيث» المدارس الابتدائية تجربة محفوفة بمحاذير تربوية ومخاوف سلوكية
1 يناير 2012
أعلن مجلس أبوظبي للتعليم منتصف الأسبوع الماضي، أنه سيستكمل تأنيث مدارس “الحلقة الأولى” الابتدائية في أبوظبي، العام المقبل، بعد أن أثبتت الهيئات الإدارية والتدريسية النسائية كفاءة في الارتقاء بمستوى الأداء في المدارس التي تم تأنيثها خلال السنوات الماضية، بنسبة “40 في المئة من المدارس”، وأن هذه التجربة تتيح مزيداً من فرص العمل للخريجات المواطنات في اطار خطة المجلس للتوطين، على اعتبار أن تأنيث المدارس ليست عملية جديدة على الميدان التربوي، وتهدف إلى فتح مجالات العمل أمام المواطنات حيث يتوفر عدد كبير من الخريجات القادرات على العمل في سلك التعليم، في ظل عزوف الذكور عن هذه المهنة. بعيداً عن الحيثيات التي طرحت لتنفيذ عملية “التأنيث”، ومنها التحديات التي تواجه المدارس من وجهة نظر المعلم، والبيئة الصفية، ورصد الواقع الميداني بكل موضوعية، لمواكبة النموذج المدرسي الجديد الذي يواكب أرقى نظم التعليم في العالم، فإنَّ أهمية الأمر قد تتعدى حدود الاعتبارات التنظيمية، أو الموارد البشرية، أو معالجة ظاهرة وظيفية، وسد الشواغر هنا أو هناك، أو معالجة خلل الرغبات المتباينة بين الكوادر التعليمية “معلمين ومعلمات”، وإنما هو أمر تربوي محض في المقام الأول، يتعلَّق بجوهر العملية التعليمية نفسها، وبجوهر العلاقات والتفاعلات الإنسانية الطبيعية بين الأطفال في هذه المرحلة، وبين القائمين على العملية التعليمية من معلمين ومعلمات. وبغض النظر عن المآثر الإيجابية التربوية العديدة لدور المعلمة كأم ومربية للصغار، ومدى قدرتها الفطرية على القيام بهذا الدور، فان علاقة المعلم أو المعلمة بالأطفال الصغار، ليست مجرد “وظيفة” شاغرة، أو فائضا من الإناث في حاجة إلى عمل، في الوقت الذي لا يحبذ فيه الذكور العمل كمعلم، إنما هي علاقة تفاعلية تربوية وتعليمية تلقي بظلالها، وتأثيراتها - أياً كان لونها وطبيعتها وكثافتها - على مخرجات العملية التعليمية بشكل مباشر، بل تلعب طبيعة العلاقة بين “المعلم أو المعلمة” من جانب، والصغار من جانب آخر دوراً مهماً ومؤثراً وحيوياً في تشكيل شخصية الأطفال في المستقبل، وأن حرمان الطفل من التفاعل “الطبيعي” الفطري مع الجنسين من المعلمين والمعلمات، من الممكن أن يسبب له الكثير من التشوه، والاضطراب والغموض المعرفي، بل وانحراف الميول والاتجاهات الفطرية التي تصيب الشخصية بالتصدع والارتباك والضبابية. هناك وجهات نظر متباينة بين القبول والتحفظ على تأنيث مدارس الحلقة الأولى، وتساؤلات عديدة تطرح، ويظل الأمر في حاجة إلى المزيد من الدراسات العلمية المتأنية - بحسب - بعض الآراء، وهو ما نحاول رصده في هذا التحقيق. فكرة ناجحة يقول عيسى المناعي، “موظف”: “تأنيث مدارس البنين الابتدائية، فكرة ناجحة، وتسهم في حل مشكلة الخريجات خاصة في المناطق المتكدسة، وتساعد على عملية التوطين، فضلاً عن كون الأنثى أكثر ملاءمة لمهنة التدريس من الرجال، لأنها تتعامل مع الصغار كأم”. تؤيده نسمة الغيلاني، “ربة أسرة”، وترى أن الأنثى أكثر كفاءة من الرجل في تعليم الصغار، وأنها أكثر صبراً ومثابرة في التعامل مع مشاكله اليومية في المدرسة، وأنها أكثر تأثيراً عليه لأنها تلعب دور الأم والمعلمة معاً. وهو ما تتحمس له عائشة العافي، “موظفة”، وتقول: “هذا الحل يسهم في القضاء على مشكلة بطالة الإناث، في الوقت الذي لا يتحمس فيه الذكور من العمل كمعلمين، وإن قبل، فإنه غالباً غير راض أو قانع بها، فالتدريس مهنة وليس وظيفة، وأنا أفضل أن يقوم بها الإناث، فهن أكثر قدرة من الذكور لممارسة مهنة التدريس، وأعتبرها مهنة “أمومية” تؤدي فيها الأنثى دورها كأم”. وتكمل العافي: “بالنسبة للسلبيات التي نسمعها عن الوقت الذي تستغرقه المعلمة في اللبس أو الزينة، أو الانهماك في قضايا تشغلها عن عملها أثناء الدروس، أو مشاكل تتعلق بأيام إجازاتها المرتبطة بكونها أنثى، فانها أمور يمكن أن تحسم إدارياً وتنظيمياً”. ويكمل رائد صديق “محاسب”: “الأنثى أكثر قدرة على ممارسة عمل المعلمة خاصة للأطفال الصغار، لما تتمتع به من صفات الأمومة، وطبيعة عواطفها التي تمكنها من أداء رسالتها بحب واقبال ورغبة وحماس، لأنها جبلت على الصبر والتحمل والقدرة على التعامل مع الصغار بعيداً عن العصبية أو التبرم أو فقدان الصبر، فالرجل غير مؤهل نفسياً لهذا العمل، وكثير من الشباب لا يتحمسون لمهنة المعلم، وليس لديهم الصبر والجلد لذلك، وكثير منهم ينظر إلى مهنة معلم المرحلة التأسيسية نظرة متدنية، وبالتالي ليس بوسعه أن يقدم فيها ما هو منتظر منه”. تحفظ ورفض من جانب آخر، يقول بشير الوضاحي “مدرس”: “ما من شك أن هناك فروقا فردية بين الرجل والمرأة تتعلق بطبيعة كل منهما، فالأنثى تتسم بالضعف والرقة والصبر والقدرة على التحمل والعاطفة الجياشة، مقارنة بالرجل، فضلاً عن طبيعتها الأنثوية، وهذا لا يعتبر عيباً في حد ذاته، إنما يعينها على تأدية عملها على الوجه الأكمل مع الأبناء في دور الحضانة ورياض الأطفال والمدارس الابتدائية، ومن الطبيعي أن يتأثر التلميذ بهذه الطبيعة في معلمته، أو يتوحد بها، وقد ينشأ مقلدا لهذه التصرفات الأنثوية، الأمر الذي ينعكس على شخصيته سلباً بكل تأكيد وخاصة في ممارسة حياته اليومية المستقبلية، ولا سيما في حالة فقدانه التواصل مع والده لانشغاله الدائم، أو لعدم وجود معلم له في المدرسة، وفي المقابل، فإن التلميذ الذي يتعلم على يد مدرس، فإنه يكتسب منه عادات الرجولة في كل تصرفاته، فينشأ على هذه الصفات التي تؤسس شخصيته منذ نعومة أظافره، وكلنا مازالنا نتذكر مواقف أساتذتنا رغم مرور عشرات السنوات عليها، والكثير منا عندما تسأله عن سلوك إيجابي معين فيها، يقول لك تعلمته من أستاذي فلان الذي كان يفعل كذا كذا”. ويضيف سالم سعيد، “مدرس”: “من المحاذير الأخرى التي قد تفرزها تجربة تأنيث المدارس - كما حدث في الدول التي سبقتنا فيها - فإن هذه التجربة وبعد مرور سنوات عليها ثبت فشلها من الناحية التربوية، حيث تؤسس التلميذ على سلوكيات الأنوثة فيظل متأثراً بها مدى حياته، ومن الأهمية أن تراجع وزارة التربية نفسها وأن تعيد النظر فيها، وأن تخضعها لدراسات ميدانية متعمقة”. جانب المعلم ويؤيده الرأي مجيد الهاجري، “موظف”: “أنا ضد أن يقتصر التدريس لولدي على معلمة فقط، فمن الناحية التربوية يفترض وجود معلمة إلى جانب المعلم، لأن الفطرة التي خلق الله عليها البشر أن يتعاملوا منذ طفولتهم، ونعومة أظافرهم مع الذكر والأنثى على حد سواء “الأب والأم”، وأي تغيير في هذه الفطرة أراه لا ينسجم مع الأمر التربوي أو التعليمي، ولعلنا نتأمل كثير من الخريجين الناجحين في حياتهم لنجدهم قد تعلموا تحت أيدي معلمين ومعلمات معاً، واكتسبوا من معلميهم عادات الرجولة والخشونة، فالمدرس يعرف أن يتعامل مع طبيعة الأطفال الذكور كأب، ولا يجب بأي حال أن نحرم الصغار من اكتساب مهارات الحياة الطبيعية دون قصرها على بيئة يتواجد فيها الإناث فقط”. محاذير ومخاوف وتجارب سابقة يوجز استشاري الصحة النفسية الدكتور محمود رشاد، إيجابيات وسلبيات قصر مهنة التدريس في المرحلة الابتدائية والأساسية على الإناث فقط، ويقول: “إن كان هناك إيجابيات لتأنيث التعليم يدعيها البعض ويبرر بها صلاحية الإناث فقط إنما يستند إلى أن الأطفال في هذه المرحلة بحاجة إلى من يقوم بدور قريب من “الأم المعلمة”، وأن المرأة بطبيعتها أميل للعمل مع الأطفال، وتمنحهم الحب والحنان في هذه السن من عمرهم أكثر من الرجل، وإذا كان هناك مطلب مجتمعي يدعو إلى عمل المرأة كمعلمة أمام عزوف الذكور عن العمل في هذا المجال، ربما لأن المرأة هي الأقدر على تعليم الأطفال الذكور في مرحلة الصفوف المبكرة، ولو أتيحت لها الفرصة لذلك بشكل رسمي فسوف تحدث نقلة نوعية في معالجة بعض جوانب قصور التعليم، ويرون أن الجهد والعطاء الذي تبذله المعلمة أكثر مما يعطيه المعلم في المدرسة، وتدريس النساء أفضل من تدريس الرجال، لكن هذه المبررات وغيرها ثبت بالتجربة والمشاهدة عدم صحتها، ولو فرضنا صحتها، فإنها لا تقارن بالسلبيات الناجمة عن تطبيق قضية تأنيث التعليم، فطول تعامل الطفل مع المرأة قد يسبب له مشاكل نفسية واجتماعية لاحقة، لأنه يخالف الفطرة التي خلقنا عليها، فالطفل تفتحت عيناه على الأب والأم، والأخ والأخت، وعليه أن يعتاد وجود الجنسين معا في كافة مراحل حياته، فتأثير أسلوب المعلمة على الأبناء البنين يعد شيئاً سلبياً، بالإضافة إلى الانعكاس السلوكي على الطالب نفسه، وميله إلى الليونة والميوعة وعدم تحمل المسؤولية، فالطفل في هذه المرحلة يتصرف ويتأثر بشخصية من يدرسه، ويتخذه قدوة ويحاكيه بحركاته، فعندما يقوم بهذه المهمة رجل فالتلميذ يحاكي رجولة المدرس ويتعلم منه. فمن الممكن أن يسبب هذا النظام له الكثير من التشوه، والاضطراب والغموض المعرفي، بل وانحراف الميول والاتجاهات الفطرية التي تصيب الشخصية بالتصدع والارتباك والضبابية. ولعلنا نستفيد من تجربة الفلبين في هذا السياق، حيث أعلن وزير التعليم الفلبيني أنه يرغب في إعادة النظر، وتعيين أكبر عدد من المدرسين الذكور لتدريس التلاميذ الذكور، حتى يتحلوا بصفات الرجولة بدلاً من الصفات الأنثوية التي يكتسبونها من مدرساتهم، وبرزت في السنوات الأخيرة عدة أبحاث تربوية تحذر من “آثار غياب المعلم الرجل على شخصية الطالب في الصفوف الدنيا في بريطانيا”، ولا زالت المسألة محل جدل حتى الآن”.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©