الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

نوافذ بالغة الحساسية في العلاقة بين العرب المسيحيين والمسلمين

19 مايو 2007 02:19
كما لو أن كتاب وزير الثقافة اللبناني الدكتور طارق متري ''سطور مستقيمة بأحرف متعرّجة''، دعوة بالصوت العالي والعميق إلى نوع آخر من الحوار في زمن يحاول فيه كثيرون فرض القطيعة الكاملة بين العقل والعقل· المؤلف لا يقلّل من شأن الاختلاف في فهم العلاقة بين الدين والدنيا والدولة بين المسيحية والإسلام على الصعد النصّية واللاهوتية، لكنه يقف ضد إضفاء الصفة الجوهرية والقطعية على الاختلاف·· يقول الباحث الإسلامي الدكتور رضوان السيّد في مقدّمة كتاب الدكتور طارق متري ''سطور مستقيمة بأحرف متعرّجة'': ''انه خلال فترة لا تتجاوز عمر الإنسان الواحد حدث انقلاب هائل في حياة المسيحيين ومصيرهم في المشرق، بحيث ما عاد من الممكن التعزي بالقياس أو بالاستراحة إلى النبوءة والرؤى· كانت الحواضر في الشام والعراق قد تعرضت لتخريب كبير في الصراع بين إمبراطوريتي فارس وبيزنطية (604 - 826م) والذي خرجت منه المسيحية الأرثوذكسية منتصرة ظاهراً، بيد أن أحداً ما حسب حساباً للحدث الهائل - بحسب تعبير كاتب سرياني من القرن الثامن الميلادي - وهو خروج بني إسماعيل، أو الهاجريين أو السّرازانيّين من صحرائهم، وانسياحهم في عوالم الشرق والغرب بطرائق ما عرفتها غير نشوريّات العهد القديم ورؤاه للممالك الأربع· منذ ذلك الحين، وإلى أحقاب وآماد ينقضي الزمن ولا تنقضي، ارتبطت مصائر المسيحية بالمشرق، بل مسيحية العالم القديم كلها بالدين الجديد، والإمبراطورية الجديدة التي صنعت عالماً آخر تحتشد فيه وتمتزج الألفة بالغرابة، والتسليم بالتحدّي والتواصل بالقطيعة''· الحضور الحاضر يضيف الدكتور السيّد: ''إنه مع هذه التأملية التاريخية، فإن نظرات الدكتور متري ليست في الماضي وعنه، بل في (الحضور الحاضر) إذا صحّ التعبير، فالمسيحية الشرقية (أو العربيّة) ما اعتبرت الإسلام يوماً نداً لها من الناحية اللاهوتية رغم كثرة (الردود على النصارى) لدى المسلمين، بل أرعبتها (وربما لدى السريان أكثر من الأرثوذكس) الدنيوية الزاحفة، التي أغرت بتشبيهات بالممالك المنقضية، لكن ممالك بابل ومصر التي عرفتها ذاكرتها النصية أو صنعتها، ضاهى صعودها تحطمها، بينما توالت وقائع وأحداث النهوض واحيائياته بصورة تتقطع لها الأنفاس لدى اتباع الهرطقة أو العقيدة الجديدة''· وفي رأيه أن الوعي بالجماعة الواحدة لدى المسلمين أقوى بكثير منه لدى المسيحيين في المشرق، وربما في الغرب أيضاً، وقد اعتادت مسيحية القرون الأربعة الأولى على الانسحاب إلى الكنيسة إذا ضاقت عليها الدنيا في حقبة ما، بيد أن البشر - بحسب مسيحية الشرق بالذات - لا يحضرون إلا بالشهادة، أي بالدنيا، ولذلك جاءت دراسات الدكتور متري بالذات عن هذا الشهود أو الشهادة، وهذه هي المساحة الوحيدة اليوم التي يبدو فيها مسيحيو العرب والشرق في صورة الجماعة الواحدة في الوعي على الأقل، إن لم يكن في الواقع· في نظر صاحب المقدمة أن المؤلف يفتح نوافذ بالغة الحساسية في علائق المسيحيين العرب بالمسلمين العرب· ليسوا كاليهود·· الدكتور متري يرى أن المسيحية لم تكن غريبة عن العرب قبل الإسلام، وقد ازدادت معرفتنا بها بشكل ملحوظ، فإلى جانب الملكانيين والسريان في سوريا هناك جماعات ''يعقوبية'' في اليمن والبحرين، وفي شمال الجزيرة العربية أقام عدد من القبائل المتنصّرة نزح بعضها من أواسط الصحراء· ويشير المؤرخون كابن قتيبة إلى أن النصرانية كانت في غير قبيلة، كما في مكة والطائف، ومنها مجموعات انتمت إلى ''مسيحيّات'' اندثرت في ما بعد· وتومئ بعض المؤشرات القرآنية والنصوص الأدبية إلى أن هذه ''المسيحيات'' تغذت من أساطير غير مسيحية وعقائد ''هرطوقية''، بالإضافة إلى المعارف الكتابية· وهناك أخيراً الفرق المسيحية - اليهودية وأبرزها الابيونية· ويلاحظ المؤلف أن المسيحيين لم يؤلفوا جماعة متماسكة كاليهود الذين تعامل معهم النبي محمد ''صلى الله عليه وسلم'' على النحو المعروف: ضمّهم إلى الأمة كما جاء في الصحيفة والمواجهة معهم كما جرى لاحقاً، ليشير إلى أن لقاء النبي ''صلى الله عليه وسلم'' الهادئ مع مسيحيي نجران ''في السنة العاشرة للهجرة'' والذي تخللته المباهلة التي يشير إليها القرآن، يشهد للطور الأول من العلاقات الإسلامية - المسيحية والتي لم تعرف، بداية، منظومة واضحة تحدد الحقوق والواجبات· إلا أن الفتوحات المتعاقبة والعهود التي أعطيت للمسيحيين بوصفهم ''أهل كتاب'' سرعان ما حددت، في الواقع، وضعيتهم كأهل ذمّة· وبدا أن ذميتهم هذه أقرب إلى العقد منها إلى الوضع الثابت· ويعزز هذا القول ما بيّنه لاحقاً فقهاء عديدون وصولاً إلى يومنا هذا، حيث يؤكد عدد من الإسلاميين المواطنة، ويفسرون فكرة أهل الذمّة تفسيراً تاريخياً يحرّرها من المطلق أو المؤبد· الغساسنة والسريان والأقباط ويؤكد الدكتور متري أن تلك العهود أو العقود تستوحي المبادئ القرآنية لكنها تعكس، في الوقت عينه، الظروف المحيطة بالفتوحات وخصائصها، فمعظمها كان ''يسيراً'' حسب ما جاء في وصف البلاذري لفتح بلاد الشام· ولا ريب في أن بعض العوامل التي يسّرت أمر الفتوحات يتّصل بأوضاع المسيحيين من حيث علاقاتهم بعضهم ببعض وبالسلطة البيزنطية، فالغساسنة، مثلاً، خرجوا عن الولاء الثابت للدولة البيزنطية، ولم يكن اختلافهم المذهبي عنها بعيداً عن ذلك· وما يصحّ في موقف الغساسنة يصحّ في مواقف مجموع السريان والأقباط، حيث لا يمكن إغفال التأثير المتبادل بين الاختلاف المذهبي عن الحكام والأحاسيس ''شبه القومية'' وإن لم يعن ذلك بالضرورة كما يرى البعض أن الخلافات الكنسية ليست إلا تعبيراً دينياً عن النزوع إلى الاستقلال الثقافي والسياسي· أما المسيحيون الآخرون في سوريا الذين كانوا على مذاهب الدولة، فاستاؤوا غير مرّة من الحكم البيزنطي، وتعدّدت أسباب الاستياء، فمنها ازدياد الضرائب وانحياز الحكام ''أو بعضهم'' إلى مَن هم في نظرهم هراطقة ''كأصحاب المشيئة الواحدة''· وعلى الرغم من أن هذا الاستياء لم يؤدِ بهم إلى الخروج عن الطاعة، فإنه عزّز ميلهم إلى الواقعيّة عند استقبال الحكام المسلمين والدخول في خدمة دولتهم· تعريب الدواوين ويرى الدكتور متري أن هذه الواقعية نجدها عند ''يوحنا الدمشقي'' ـ منصور بن سرجون ـ وعند أبيه وسائر أفراد عائلته من قبل، ونتبين في استقراء حياته وفكره أنها تقوم على التمييز بين الرابطة الدينية والولاء السياسي· المؤلف يشير إلى أن الحكام المسلمين اصطفوا الأكفأ للوظائف من دون تفريق في الجنس أو الدين· في دولة الأمويين كان للمسيحيين الذين يتمتعون بخبرة اكتسبوها في عهد الدولة البيزنطية حضور بارز إلى أن عزم الخليفة عبد الملك على تعريب الدواوين، ودون أن يؤدي ذلك إلى الاستغناء عن خدمات المسيحيين بل اقتصر على إدخال العربية في قيد حسابات الدولة وإبدال النقد الذهبي البيزنطي بالدينار العربي· البلاط كان مفتوحاً أمام الشعراء كالأخطل· وفي الدولة العباسية، لعب المسيحيون دوراً كبيراً في التعريف بالتراث اليوناني، ويشهد على ذلك ما جاء في ''طبقات الأطباء والحكماء'' لابن جلجل الأندلسي وفي ''باب الفلسفات والعلوم القديمة'' عند ابن النديم في الفهرست· أورينت برس
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©