الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

المشروع النووي المصري يصارع للعودة إلى الحياة

19 مايو 2007 02:19
القاهرة - حلمي النمنم: مر أكثر من نصف قرن على مشروع مصر النووي، ومازال يراوح البدايات الأولى، وتعرض للإخفاق والتوقف أكثر من مرة، إلى أن أعلن الرئيس المصري حسني مبارك نهاية العام الماضي إحياء ذلك المشروع، وقد تناول الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد القضية في كتابه الأخير ''قدرة مصر النووية·· أسباب الإخفاق وتحديات المستقبل''، وتكمن أهمية هذا الكتاب في أن مؤلفه تابع عن قرب المشروع المصري منذ بدايته وحتى اليوم، وهو واحد من قلة في مصر كانوا يلحون طوال السنوات الأخيرة على ضرورة مواصلة مصر للمشروع النووي· البداية كانت في عام 1955 حين شكل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لجنة الطاقة النووية واختير لرئاستها د· ابراهيم حلمي عبدالرحمن وهو العالم وخبير التخطيط، ونجح في أن يجمع المبعوثين المصريين الذين تخصصوا في الكيمياء والفيزياء والإشعاع النووي، ووصل إلى مصر أول مفاعل نووي تجريبي، وصار هناك فريق علمي متكامل عاد أفراده من الخارج لبناء وتجهيز مفاعل ''أنشاص''، وسار العمل بقوة، خاصة مع إعلان الرئيس عبد الناصر في خطاب شهير له سنة 1960 إصراره على أن تلحق مصر بالبرنامج النووي الإسرائيلي، حتى وإن ''اقتطعت لقمة الخبز من أفواه أبنائها، وبات في الامكان أن يتم بناء أول محطة نووية لتوليد الكهرباء في مصر، وصارت هناك أربع مؤسسات نووية، وكان الأمل يتحرك بسرعة، خاصة انه ارتبط بحالة طموح وطني عام، وسط هذا كله جاءت هزيمة يونيو ،1967 فتبدلت الأولويات ليتحول الهم الأكبر إلى ''إزالة آثار العدوان''· يقول مكرم محمد أحمد: ذهب الحلم إلى سراب، وبدأت مجموعة العلماء المصريين التسرب إلى الخارج للعمل في بلادنا العربية أو أوروبا والولايات المتحدة الاميريكية، بينما تواصل المشرع النووي الهندي الذي كان توأما للمشروع المصري في ظل علاقة وثيقة بين الزعيمين عبدالناصر ونهرو، وصار لدى الهند الآن أكثر من 30 قنبلة نووية، ويمكنها تصنيع محطة نووية كاملة دون حاجة إلى خبرة الخارج، أما القدرات النووية الإسرائيلية فحدث ولا حرج، وقد بدأ مشروعها النووي في نفس توقيت تأسيس الدولة العبرية في مايو ·1948 فرصة أخرى تجددت الفرصة أمام مصر مرة ثانية بعد حرب أكتوبر سنة ،1973 وكانت هناك خطة لتنفيذ مشروع نووي ''سلمي'' بهدف إنشاء ثماني محطات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية، كل محطة قدرتها ألف ميجاوات، والتوسع في الاستخدام النووي في مجالات الطب والهندسة والزراعة وتكون فرصة أمام مصر للحاق بركب العصر، بعد أن فاتها العصر الصناعي والكهربائي، وهذه المرة تدخلت الولايات المتحدة بثقلها في سبيل التصديق على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، بينما رفضت إسرائيل مجرد التوقيع عليها، فتراجع المشروع أو الحلم النووي المصري للمرة الثانية·· وهذه المرة لم يتوقف المشروع، ولكن صار محدود الحركة والأهداف، ثم جاء حادث تسرب الإشعاع النووي من مفاعل ''تشرنوبيل'' السوفيتي سنة 1986 ليجعل الرئيس مبارك يتخوف ويطلب التريث في هذا المشروع· كان تخوف مصر مبالغا فيه لأن ''تشرنوبيل'' كان ينتمي إلى طراز روسي عتيق في المفاعلات النووية، وهو المفاعل الوحيد حتى في روسيا الذي بني دون قبة خرسانية ضخمة تحوي داخلها قلب المفاعل وتحول دون تسرب الإشعاع إذا خرج المفاعل عن حدود الأمان والسيطرة، أو إذا وقع خطأ إنساني في تشغيله، ورغم هذا ظلت الهيئات النووية في مصر تعمل ولكن على مستوى الأبحاث النظرية وبعض التجارب العملية، إلى أن وقع زلزال عام 1992 وتم تحويل ميزانية المشروع النووي لمعالجة آثار الزلزال وأصيب المشروع بالسكتة، ولم يتبق سوى بضعة علماء يعملون بشكل فردي وحس وطني عال مثل الراحل د· فوزي حماد ورفاقه· في السنوات الأخيرة ارتفعت عدة أصوات في مصر تطالب وتلح على ضرورة العودة إلى المشروع النووي وتعددت الأسباب، ومنها العنصر الوطني الذي يشعر بغضاضة من أن تمتلك إسرائيل وهي على الحدود الشمالية الغربية لمصر ترسانة نووية ضخمة، مما يعني انعدام التكافؤ في ميزان القوة بين البلدين اللدودين، حتى وان كانت هناك معاهدة سلام بينهما، فمشروع السلام في المنطقة متعثر، يضاف إلى ذلك أن جنوب أفريقيا لديها قدرة نووية هائلة، وكذلك الهند وباكستان وإيران في الطريق وتركيا تفكر· فهناك ضرورة عملية تفرض على مصر مواصلة المشروع النووي تحسبا لأزمة طاقة قادمة، إذ يرى فريق من الخبراء أن الاحتياطي المصري من البترول سوف ينفد خلال عشر سنوات على الأكثر، بينما ينفد الاحتياطي من الغاز الطبيعي خلال 16 عاما، وتذهب التقارير الرسمية إلى أن ذلك الاحتياطي أمامه 40 سنة، وحتى لو صح ذلك فإن 40 سنة في عمر شعب تعد رقما هزيلا للغاية، يضاف إلى ذلك أن أسعار البترول العالمية في ارتفاع شديد، وبلغ سعر البرميل الآن حوالي 70 دولارا، والتوقع أن يقفز الرقم إلى مائة دولار خلال سنوات قليلة، الأمر الذي يعني أن مصر لن تكون قادرة اقتصاديا على استيراد النفط أو الغاز، ويقول الخبراء أن استهلاك مصر من الطاقة يزداد سنويا بمعدل 7 في المائة، بينما مصادر الطاقة لا تزيد بعكس الدول الكبرى التي تحرص على معدل زيادة سنوي يقدر باثنين في المائة· مقومات في اليد ولدى مصر الآن مجموعة محطات توليد الكهرباء الحرارية، ولكن طاقة هذه المحطات لا تتجاوز 75 في المائة، بينما ترتفع النسبة في المحطات النووية إلى 90 في المائة، وتم تجهيز المفاعلات بإمكانات رفعت عمرها الافتراضي إلى 60 في المائة، بالإضافة إلى التطور الكبير عالميا في خفض تكلفة التخلص من النفايات النووية التي صار من الممكن إعادة تدويرها في دورات تشغيل جديدة، لأن ما يتم استهلاكه من كميات البلوتونيوم المخصب في دورة التشغيل لا يزيد على 2 في المائة من حجم الذرات الانشطارية، وباستخدام تكنولوجيا جديدة في بناء المحطات النووية تم خفض زمن تشييد إقامة المحطة إلى النصف، ففي اليابان يتراوح زمن بناء محطة نووية سعة ألف ميجاوات بين أربع وخمس سنوات وكانت من قبل عشر سنوات على الأقل، وتم مؤخرا ابتكار مفاعلات اقل حجما وكلفة للاستخدام الاقتصادي في الدول النامية التي لا ترتبط بشبكة توزيع عالمية للكهرباء تنقل الفائض عبر الحدود ليشتريه الآخرون· مصر لن تبدأ من الصفر، لديها قاعدة علمية جيدة من باحثين وخبراء وعلماء تخصصوا في الطاقة النووية وبناء المفاعلات النووية وتشغيلها، وهناك مناطق تم اختيارها وجرى المسح الجيولوجي عليها لإقامة المفاعلات، ففي زمن الرئيس الراحل السادات حين كانت هناك نية لإنشاء 8 محطات نووية اختار الخبراء منطقة الضبعة بعد دراسات واسعة شملت ما يقرب من 12 موقعا بديلا على امتداد البحر الأحمر جنوبا حتى الغردقة، وعلى امتداد الساحل الشمالي من رشيد إلى السلوم، وما زالت هذه الدراسات موجودة والمناطق محددة· الجانب المهم هو ما قامت به هيئة المواد النووية من عملية مسح جيولوجي واسع للصحاري المصرية بحثا عن امكانات وجود اليورانيوم، وقد انتهت إلى امكان استخراج اليورانيوم اللازم لبناء ثماني محطات من الجرانيت الوردي الذي يتوفر بكميات هائلة في منتصف الطريق بين قنا وسفاجا وفي منطقة أسوان وأماكن أخرى· وقالت الدراسات إن مصر يمكنها الحصول على 30 طنا من اليورانيوم في العام من بعض عروق الجرانيت الوردي ويمكنها أيضا الحصول على 15 طنا أخرى قابلة للتضاعف من صخور الفوسفات في مناطق البحر الأحمر· نسبة مؤيدة حدث أن جرى في مصر أول استطلاع عام للرأي العام لقياس مدى رغبة الشعب أو مخاوفه من بناء محطات نووية بهدف توليد الكهرباء أولا، ثم تحلية مياه البحر سواء في البحر المتوسط أو البحر الأحمر، والقصد أن تحلية مياه البحر سوف تتيح إمكانية بناء مجتمعات بشرية كبرى، ومدن في صحاري مصر ومشاريع للتنمية، وقد جرى الاستطلاع في أربع مناطق تتباين في درجة تطورها الاقتصادي والاجتماعي شملت شرق القاهرة تحديدا في مدينة نصر ومصر الجديدة، والمنطقة الثانية هي الضبعة ذاتها التي وقع عليها الاختيار لإقامة المفاعل النووي، والثالثة منطقة بلبيس القريبة جدا من انشاص، حيث اقيم المفاعلان النوويان التجريبيان الروسي الذي استوردته مصر سنة 1961 بقدرة 2 ميجاوات، والارجنتيني الذي استورد سنة 2001 بقدرة 22 ميجاوات، والمنطقة الرابعة قرية في محافظة الدقهلية حيث الريف المصري· وجاءت النتائج مفاجئة، فقد تبين أن 77 في المائة من سكان بلبيس يؤيدون إنشاء محطات نووية لتوليد الكهرباء وتحلية المياه، وهي نفس النسبة في الريف المصري، وفي الضبعة جاءت النسبة 76 في المائة، في حين هبطت النسبة في القاهرة إلى 67 في المائة· وتقترب نسبة تأييد بناء المحطات النووية من 90 في المائة بين أصحاب المؤهلات الجامعية وفوق الجامعية وتهبط إلى 62 في المائة بين غير المتعلمين لكن المفاجأة الحقيقية للاستطلاع هي أن 28 في المائة فقط يعرفون أن مصر لديها أنشطة نووية ومفاعلات· وأوضح المعترضون على بناء المفاعلات أنهم يتخوفون من إمكانية حفظ وتخزين النفايات النووية، والواقع أن هذا التخوف ليس لدى أفراد الاستطلاع في مصر فقط، لكنه موجود أيضا داخل البلدان المتقدمة، والمتوقع أن الأبحاث العلمية سوف تصل خلال عقد إلى حل نهائي لمشكلة النفايات النووية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©