الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الوجه الآخر لمانديلا: كيف غيّر أفريقيا؟

الوجه الآخر لمانديلا: كيف غيّر أفريقيا؟
8 ديسمبر 2013 23:02
سيكون من السهل تذكر نيلسون مانديلا، هذا الناشط والمناضل من أجل الحرية. وبطبيعة الحال فإن الانعكاسات حول شخصية مانديلا سوف تركز على الجانب الذي يتعلق بالدفاع عن حقوق الإنسان في حياته: بدءاً من السنوات التي شهدت سجنه ظلماً في عهد الفصل العنصري، ووصولاً إلى هوسه بتحقيق المصالحة العرقية في بلد يبدو بعيداً كل البعد عنها. وبينما تحرك السيرة الذاتية لمانديلا الروح، وغالباً ما تكون أيضاً بمثابة وصفة للتغير الاجتماعي الملهم، فإنها ليست المساهمة الوحيدة له. فهناك ميل إما إلى إغفال أو التقليل من قدر حنكته التنفيذية وأسلوبه في القيادة. لقد تطلب الأمر مهارة كبيرة وحنكة سياسية وتجارية لإنجاز ما اعتبره الكثيرون مستحيلاً: فقد تمكن بطريقة أو بأخرى من توجيه أكبر وأقوى اقتصاد في أفريقيا بأسلوب سلمي خلال مرحلة التحول السياسي الجذري. لكن حتى أثناء فترة ولايته الوحيدة كرئيس لجنوب أفريقيا، فإن بقية العالم بدا وكأنه لم يفكر ملياً بالطريقة التي كان يتصرف بها مانديلا كرئيس دولة. كما بدا وكأننا راضون عن عدم معرفة أي شيء أكثر من الأساطير والحكايات التي جسدته ككائن ميتافيزيقي أو صوفي. ورغم ذلك، فإن مانديلا الحاكم أو الرئيس التنفيذي ربما كان أكثر بروزاً وسمواً من مانديلا الناشط الثوري. من المهم جداً ملاحظة ذلك لأن أفريقيا تتناثر بها العديد من القصص حول الثوار في فترة ما بعد الاستعمار، ممن أطاحوا بالأنظمة الاستبدادية فقط ليكتشفوا أن زعامة الدول أصعب بكثير من شن حركات التمرد والحروب الأهلية. إن البناء أصعب بكثير من الهدم. ومن هذا المنطلق، فإن مانديلا كان فعلاً بمثابة الماسة في القارة المقحلة. كما أن المنصة الأسطورية التي نضعه عليها بشغف تجرده من جوهره كزعيم وإداري بارع. ومباشرة عقب الإعلان عن وفاة مانديلا، قمت بإعادة مشاهدة فيلم «انفيكتوس»، وهي كلمة لاتينية تعني «من لا يقهر»، حيث تدور هذه الدراما الغريبة وشبه الملحمية حول الزعيم مانديلا وفريق الرجبي بجنوب أفريقيا الذي فاز بكأس العالم عام 1995، وقد أدهشني كيف تمكن المخرج كلينت ايستوود من التقاط أسلوب الحكم الذي يتميز بأنه فعال أكثر منه روتيني لرجل معروف مثل مانديلا. فهناك نموذج رائع ومؤثر للغاية للحكم في قصة الرئيس مانديلا والذي يتم التغاضي عنه لعدة أسباب. فالمرجعية الثقافية السائدة لمانديلا قد تكون خاملة على نحو مزعج وذات بعد واحد بشكل عنصري، والأكثر سهولة هو إبعاد العوامل التاريخية للتغير الأسود إلى لا شيء سوى الكتاب الذين يتسمون بالصراحة الكبيرة والذين يقدمون خطباً جيدة وينظمون احتجاجات كبيرة. فمثلاً يعتبر ذلك جزءاً من المشكلة التي يعانيها أوباما منذ أن كان مرشحاً. وهناك شريحة قصيرة النظر ثقافياً من السكان ممن هم ليسوا على استعداد لأخذه على محمل الجد كمسؤول تنفيذي وطني أو ممن ينظرون إليه كشخص أكثر بكثير من مجرد «ناشط مجتمعي»، ولا يملكون الثقة لجعل رجل أسود يدير أي شيء. كان هناك ثمة شيء جديد في أسلوب مانديلا في الإدارة الوطنية والذي كان مختلفاً بشكل جذري عن أقرانه في جميع أنحاء القارة الأفريقية، مثل جاره العنيد روبرت موجابي في زيمبابوي. لقد اختار مانديلا نهجاً عملياً، إذا ما تمت دراسته عن كثب، والذي كان بمثابة الجسر من النموذج الفاسد والطاغية الشائن في فترة ما بعد الاستعمار في أفريقيا إلى ما نشهده اليوم كاقتصاد أفريقي ديناميكي ومعيار للحكم الرشيد. وقد حث ذلك على ظهور فترة من النمو غير المسبوق في القارة السوداء، والتي من المتوقع أن ينمو اقتصادها بما يقرب من 6 بالمئة عام 2014، بينما تتوسع قوتها العاملة بنحو 122 مليون بحلول عام 2020. وفي إشارة إلى واقعية نمو الطبقة المتوسطة في أفريقيا، فإن شركة متاجر التجزئة «ماسمارت»، وهى فرع «وول مارت»، أكبر عملاق في عالم الهايبر ماركت، في جنوب أفريقيا، تعتزم افتتاح 90 متجراً جديداًَ في جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وبالطبع، فإنه لا يزال هناك الكثير للقيام به في القارة التي تحاصرها الحروب الأهلية، وكذلك الطغاة الجشعون ممن يرغبون في نهب ثروات القارة من الماس والذهب والنفط. غير أنه يوجد الكثير من النقاط المضيئة التي تحظى باهتمام قليل من قبل الصحافة. فهناك مثلا مجتمعات الطبقة الوسطى المستقرة والمزدهرة مثلما هو الحال في بوتسوانا، كما أن هناك دول ضخمة ناشئة مثلما هو الحال في كينيا وتنزانيا وأوغندا ورواندا وبروندي، والتى تخطط لتشكيل اتحاد سياسي بشرق أفريقيا، بهدف ربط اقتصادات القارة بعملة واحدة. لقد بدأت مثل هذه الاتجاهات في الظهور والانطلاق في عهد الزعيم الراحل مانديلا، الذي احتضن نماذج الحكم الديمقراطي، طارداً بسرعة أي أثر للحكم الاستبدادي الذي اجتاح الشعوب الأفريقية لفترة طويلة. قد تكون الدعوة الحقيقية لمانديلا هي العلامة التجارية للزعامة في القرن الحادي والعشرين والتي قدمها لأفريقيا في أواخر القرن العشرين. وعلى صعيد آخر، أصدرت عائلة الزعيم الوطني الأفريقي الراحل مانديلا بياناً تصف فيها صعوبة اليومين الماضيين والأسبوع المقبل. وقال المتحدث باسم العائلة، الليفتنانت جنرال ثيمبا ماتانزيما: «عماد عائلتنا رحل، لكنه سيبقى حاضراً في القلب والروح». وقد استمر محبو مانديلا بالتجمع في الأمسيات إحياءً لذكراه. وسيجوب جثمانه شوارع بريتوريا لمدة ثلاثة أيام قبل تشييعه إلى مثواه الأخير الأحد القادم. وكان مانديلا فارق الحياة يوم الخميس عن عمر يناهز 95 عاماً. وقد قضى 27 عاماً في السجن، ثم أصبح في عام 1994 أول أسود يرأس جنوب أفريقيا. تشارلز اليسون محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©