السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الروائيات السعوديات يحطمن التابوهات

20 مايو 2007 02:01
تحقيق - محمد نجيم: شهدت السوق الروائية العربية وفرةً ملحوظةً في العرض من الروايات السعودية التي تكتبها المرأة، فقد ظهرت دفعة واحدة روايات نشرت عن طريق دور نشر عربية عريقة مثل: ''الآداب - الريس - الساقي'' واكتسحت هذه الأعمال معارض الكتب العربية، وبعض هذه الروايات حقق أرقاماً خيالية في الطبع وعدد الطبعات، كما هو الحال عند رجاء الصائغ وروايتها ''بنات الرياض''، وكذاك ظهرت أصوات أخرى زاحمت الرواية التي كتبها روائيون ''ذكور'' من بينها: ''جاهلية'' لليلى الجهني، ورواية ''الآخرون'' لصبا الحرز، ورواية ''الأوبئة'' لوردة عبد الملك، وكل هذه الروايات ـ كما قلنا ـ زاحمت أعمال كبار الكتاب ممن راكموا تجربة طويلة في كتابة الرواية، ويقول نقاد سعوديون: ''إن سبب هذه الوفرة من الروايات ''النسائية'' يعود إلى كون المرأة السعودية وجدت ضالتها إبداعياً في الجنس الروائي باعتباره الأكثر قدرة على تجسيد المرأة، كما هي في مجتمعنا دون إكليشيهات أو روتوش''· ''الاتحاد'' حملت العديد من الأسئلة لتقف عن قرب على أسباب النجاح والانتشار الكبيرين للرواية النسائية السعودية، وذلك من خلال التعرف إلى آراء عدد من المهتمين بشأن الرواية العربية، وكان التحقيق التالي: تحولات اجتماعية وثقافية يقول الناقد السعودي محمد الحرز: ليست الرواية النسائية السعودية ذات طابع خصوصي، وذات سمات تكوينية تعكس طابع التسمية، هي رواية تستجيب بالدرجة الأولى للتحولات الاجتماعية والثقافية التي طالت جميع أوجه الحياة في المملكة العربية السعودية، كما هو عليه الحال في الرواية الذكورية، إذا جاز لنا الفصل ولو مجازياً· إن المرأة وجدت ضالتها إبداعياً في الجنس الروائي باعتباره الأكثر قدرةً على تجسيد المرأة كما هي في المجتمع السعودي دون أكليشيهات أو رتوش، لذلك جاءت رواية رجاء الصانع ''بنات الرياض'' لتعطي هذا الانطباع الذي يفتح الباب على عوالم كانت إلى حد قريب من ''التابو''، وإن كانت الرواية ''الذكورية'' حاولت من جهتها أن تفتح هذه العوالم مثل روايات غازي القصيبي، أو تركي الحمد، أو في بعض روايات عبده خال، إلا أن الفرق يكمن في اللحظة التاريخية التي تشكلت فيها تلك الروايات، وتلك التي تحاول أن تقولها المرأة في سردها الروائي، إنها تسرد على خلفية ثقافية لجيل من مقوماته الأساسية سهولة الانفتاح على العالم والتأثر به حد الجذور· وهذه إحدى السمات التي يجب مناقشتها من العمق لأنها جعلت المرجعية الفنية لتقييم الأعمال الإبداعية في السعودية تحت طائل الشك، حيث فكك مد التغيير والتحول البنيوي كل ثقافة ساكنة تطمئن بدرجة أو بأخرى لمسلماتها حول ذائقتها الجمالية· وأصبحت الرواية النسائية إشكالية من هذا المنطلق، وليس بسبب عوامل فنية كما يشاع غالباً· في رواية ''الفردوس اليباب'' لليلى الجهني رغم المنظور الرومانسي الذي ظهرت به المدينة في الرواية، غير أنها مثلت عالم المرأة بامتياز أي أن التقاط الحياة السرية للمرأة هو اختصاص أنثوي لا يمكن أن يكون للرجل دور فيه مهما أبدع فنياً، رغم ما يمثل أمامنا من نماذج روائية ليست سعودية فقط وإنما عالمية، أبدعت شخصيات نسائية على مستوى عال من التقنية الفنية والحياة الخلاقة، إلا أن ذلك يبقى استثناءً· إن اللافت للنظر من جهة أخرى، هو اللهاث السريع في الإنتاج النسائي لرواية، وهي تشكل في ظني ظاهرة ثقافية وليست فنية إبداعية، تعود إلى محاولة كسر الثقافة السائدة التي أخفت بآلياتها بطريقة أو بأخرى صوت المرأة على المستوى الإبداعي التعبيري، لذلك رأينا كيف بدأت الأصوات النسائية تكسر قشر البيضة لتخرج إلى العلن، فعدا رجاء عالم، وأميمة الخميس، هناك نورة الغامدي، وزينب حفني، وبدرية البشر، وقماشة العليان، وهي أصوات متباينة فنياً، إلا أن مرحلة تشكل العمل الفني على خلفية ثقافية في إطار التشكل والتجدد، وهذا بالنسبة لي مربط الفرس الذي ينبغي إبرازه في اللحظة الراهنة من تحولاتنا الثقافية والاجتماعية المهمة لأجيالنا القادمة· ضمير ''الأنا'' أما الروائية والناقدة المغربية الدكتورة زهور كرام فتدافع عن هذه الرواية بقولها: الكاتبة السعودية عبرت بالجنس الروائي قبل هذه الفترة، ونذكر هنا الروائية رجاء عالم التي أنتجت تجربة روائية متميزة عربياً، وأخريات أيضاً، كما عبرت المرأة السعودية بالقصة القصيرة والشعر، يعني المرأة السعودية حاضرة باعتبارها صوتاً منتجاً عبر اللغة الرمزية، لهذا فالمسألة لا أعتبرها ظاهرة ولا تثير الاستغراب بحكم تطور التعبير عبر لغة الحكي· إن الاستغراب من دخول الكاتبات السعوديات بقوة إلى مجال ''الحكي الروائي''، ونعت التجربة بالفورة التي قد تذوب مع الأيام، ثم حالة الاستغراب الإعلامي والنقدي، هي حالة تعبر عن وضعية التلقي العربي والنقد بصفة خاصة، هذا النقد الذي قد يقبل أن تكتب المرأة في أشكال كتابية تقريرية، وفي مواضيع عامة، ولكن عندما تكتب عبر ضمير الأنا، ومن خلال فعل البوح، بل عندما تشخص ذاتها داخل النص، وتجعل منها موضوعاً حاكياً ومحكياً، فإن ردود الفعل تجاه هذا الوضع هي التي تعبر عن طبيعة الذهنية الاجتماعية التي لا تزال ـ مع الأسف ـ تتحكم في أسلوب تناول النص الأدبي، مما يجعل فعل القراءة ـ أي النقد ـ فعلاً لازماً للبعد الاجتماعي، وليس إنتاجاً معرفياً وتقنياً نصياً· كما يعبر هذا الانطباع الاستغرابي على كون فعل المجيئ إلى كتابة المرأة لا يزال فعلاً إسقاطياً، بمعنى أننا نسقط على العملية الإبداعية مكونات غير إبداعية، مما يعطل إمكانية تأمل التجربة النسائية الروائية ومدى تطويرها للكتابة، ومن ثم النقد· لماذا نستغرب من كتابة المرأة السعودية للرواية، ولم نستغرب عندما كتبت القصة القصيرة والشعر والنقد أيضاً، ولم نستغرب عندما كتبت بضمير الغائب؟ ولماذا لا نطرح التساؤل نفسه على التجربة الروائية السعودية بشكل عام، ألا نلاحظ انخراطاً مهماً من قبل الروائيين السعوديين وبتجارب جد متميزة في الإنتاج الروائي؟· ألا نقرأ من هذا الاستغراب طبيعة القارئ، وفعل التفكير في نص تبدعه المرأة، وهو وضع تكشف عنه الروايات النسائية؟· ألا يعني هذا ـ ومرة أخرى ـ أن التفكير يقبل أن تكون المرأة موضوعاً يُنظر إليه، ولكن يصعب أن تُقرأ المرأة فاعلاً ومنتجاً وذاتاً حاكياً؟· لماذا لا نتعامل مع ما تكتبه الكاتبة السعودية حسب مقتضيات الخطاب النقدي، ونشتغل على نصوصها ونبحث في مستوى اللحظة الإبداعية؟· ''حكي نسوي'' وللناقد والروائي السعودي ناصر بن سالم الجاسم رأي مخالف إذ يقول: مجمل السرد في الروايات هذه ''حكي نسوي''، جاء نتيجة عملية مقارنة أنثوية بين حال الفتاة السعودية وحال غيرها من فتيات الدنيا، هي حالة أقرب ما تكون إلى حسد الفتاة للفتاة، أو غيرة الفتاة من الفتاة، ''حكي نسوي'' أظهره للسطح الكتابي غضب الفتاة وحقدها على المؤسسة الاجتماعية المغلقة، وعلى المؤسسة الدينية المتشددة، إذ كانت هاتان المؤسستان تعلنان خوفاً كبيراً ومبالغاً فيه على الجسد الأنثوي السعودي، لذلك لا غرابة في أن يكون الجسد موضوعاً رئيساً في أغلب هذه الروايات، أو يكون الممنوع اجتماعياً ودينياً مادة لهذه الروايات· هذه الحالة الروائية النسوية هي أشبه بالفورة الهرمونية التي تتعرض لها أجساد الإناث، حالة سرعان ما تهدأ، و يحدث النضج في الجسد الأنثوي، وسيأتي الهدوء الروائي لدى الروائيات السعوديات ويتحقق لهن النضج الروائي لا محالة؛ لأن الكتابة الروائية كتابة تبتغي الهدوء وتشوهها السرعة ورغبات الحقد والانتقام وموجات الغضب· وأخيراً تظل هذه الروايات مفصلاً مهماً في تاريخ نهضتنا الروائية السعودية، وتظل كاتباتها مصدر فخر و اعتزاز لنا نحن السعوديين·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©