منذ كنا أطفالاً، ونحن نسمع كلمة الجشيد تتردد بين النساء، وهن يستمتعن بالحديث عن هذه الوجبة، فمنهن من ''تطري'' لذة الوجبة، ومنهن من تمدح رائحة البهارات التي تطيب بها، وثالثة تزيد على ذلك وتنصح بالإكثار من الليمون المجفف (اللومي الأسود) والهال·
حين كانت الوجبة تقدم لنا ونحن أطفال، كنا نجدها عبارة عن فتات نبحث عنه وسط الأرز(العيش) الكثير، ولم نعرف سرّ تلك الكمية البسيطة من لحم السمك وما تحويه من المواد الغذائية المفيدة التي كان يتحدث عنها الأهالي في الإمارات· وحين يتقابل الجيران بعد صلاة العصر، تكون وجبة غداء أحد الجيران من الجشيد حديث الجلسة (جرت العادة أن توزع الأسرة التي تطبخ الجشيد على الجيران ولو مقدار كوب)، حيث يتبادلون الهمس وبعض الكلمات المبهمة· ولم نكن كأطفال نفهم مغزى الهمس عند الحديث عن وجبة الجشيد حتى كبرنا، وأصبحنا أزواجاً وزوجات، وبات من الطبيعي أن تفك الأمهات الحصار الذي فرضنه حول سر الوجبة وهي ''مقوي جنسي'' طبيعي·
وبصرف النظر عن سرها وما يتناقله الناس حولها، تبقى وجبة الجشيد من الوجبات الشهيرة والمفضلة لدى مواطني الإمارات، وهي تزود الجسم بالطاقة والعناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم· كما أنها لا تطبخ بشكل متكرر بل ربما تمضي عدة شهور بين كل مرة ومرة، وربما يعود ذلك لموسم توافر مواليد سمك القرش الصغير الذي تعد منه هذه الوجبة·
ولد الولد
يشتري الأهالي صغار سمك القرش المكتمل النمو في بطن الأنثى، ويطلق عليه (ولد الولد)· ويذكر الأهالي أنه مقوي عام، وينشط الرغبة الجنسية، ويعالج أنواعاً من البرود· ولعلهم توصلوا إلى مثل هذه النتيجة التي أكدها العلم الحديث بالخبرة العملية، حيث تجمع أبحاث كثيرة على القيمة الغذائية الكبيرة التي يحتوي عليها لحم سمكة القرش، ولعل هذا هو السبب في صيد أسماك القرش للحصول على زعانفها التي تشترى ضمن مزاد يقام على موانئ الصيد، وتباع بمئات الدراهم أو الدولارات، حيث يصل سعر زعانف سمكة القرش إلى 700 دولار لكل كيلوجرام، ولا عجب في ذلك، فهذا الطبق الذي يقال إن له ميزات طبية ومقوي جنسيا، يعتبر من الوجبات المرتفعة الثمن، وهو يقدم في المناسبات، ويعادل ارتفاع سعره ثمن الكافيار·
يقدم طبق الحساء ضمن المآدب عالميا، وهو مصدر ربح للصيادين ولأصحاب المطاعم، ولذلك يعتبره الكثيرون فياجرا طبيعية، مما أدى إلى شن ''حرب صيد'' شرسة ضد أسماك القرش بما في ذلك الأنواع الرديئة منها، لكن هناك فارقا كبيرا بين الصيد الجائر من أجل طبق والصيد في مواسم محددة من أجل الاستمرار والتكاثر· ويعرف أهالي الإمارات ومن تتلمذوا على أيديهم من بحارة جاؤوا من بلدان مختلفة، أن هناك موسما لجمع مواليد معينة من أنثى القرش، وبأعداد محددة، فالكل يسعى للمحافظة على أسماك القرش، رغم وجود مصادر تجارية تسعى لجمع هذه الأسماك ومواليدها بكميات تجارية·
الفك المفترس
تسعى منظمات بيئية في الغرب وفي آسيا إلى حماية أسماك القرش من خطر الإنسان، لأن هذه الأسماك تقتل وبأعداد هائلة كي تحول إلى أطعمة تشبع رغبات البشر، حيث كشفت منظمة (إنقاذ البيئة) عن أن حوالي 100 مليون من هذه الأسماك يتم صيدها سنويا، ومن اشهر مراكز تجارة الزعانف: تايوان وسنغافورة وهونج كونج، وبذلك فإن الفك المفترس الحقيقي لهذا الحيوان المائي هو الإنسان، ولذلك فإن جمعية حماية البيئة البرية والبحرية في الإمارات تراقب عملية الصيد بدقة، خصوصا وأن معظم صيادي السمك في السنوات الماضية قد تخلوا عن مهنتهم للأيدي العاملة الآسيوية، مما جعل هؤلاء العمال يصيدون بطرق جائرة دون مراعاة لمواسم التكاثر· ورغم ذلك هناك إقبال دائم على شراء أسماك القرش المولودة حديثا في الإمارات من أجل طبق الجشيد، الذي تتناقل الأجيال سره كطبق تراثي صحي، ويتم إعداده كل عدة شهور داخل الأسرة الإماراتية·
عدد اليوم
