الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النشاط الزائد لدى الأطفال.. اضطراب علاجه تعديل السلوك

النشاط الزائد لدى الأطفال.. اضطراب علاجه تعديل السلوك
20 مايو 2007 02:15
جلس الطفل ذو الخامسة من عمره، ينظر بعينين تائهتين بين جدران غرفة الانتظار في احدى العيادات الصحية، كأنه يبحث عن ضالته أو شيئاً ما فقده، وما لبث أن قفز من مكانه وأخذ يجري في أروقة العيادة مطلقاً الأصوات المزعجة، فارتسمت على وجوه القابعين في غرفة الانتظار علامات الاستنكار من سلوكه الذي ابتلعته والدته بخجل ومرارة، مشيحة بوجهها للخادمة التي انطلقت بسرعة البرق كي تحد من هذا التصرف وما أن استكان الطفل حتى عاد مجدداً إلى ما كان عليه· هذه واحدة من المشاهد التي كثيراً ما نراها في المرافق العامة، ويقف الوالدان عاجزين عن وضع حلول مناسبة لها، فما هو السبب وراء هذا السلوك؟ هل هو خطأ في التربية؟ هل هو مرض؟ وما هي أسبابه وكيف نعالجه؟ خولة علي: تقول مروة عامر (ربة بيت): ''لا يمكن أن تتخيلي المشهد اليومي الذي يتكرر عند القيام بمراجعة واجبات ابني المدرسية، فبالرغم من ذكائه ومستواه التحصيلي الجيد إلا أنه كثير الحركة، لا يستطيع أن يمكث في مكان واحد، فتارة يقف على الكرسي، وأخرى يقفز من على الطاولة، وثالثة يعبث بأي شيء تقع عليه عيناه، وكل التوبيخ والصراخ المستمر لردعه عن تلك الممارسات دون جدوى''· أما نورة أحمد (موظفة) فترى أن الأطفال الذين يعانون من النشاط الزائد ليسوا مشاغبين، أو عديمي التربية كما يعتقد الكثيرون، إنما يعانون من مشكلة مرضية لها تأثير سيء على التطور النفسي للطفل وتطور ذكائه وعلاقاته الاجتماعية· وتضيف: ''يواجه أهل هؤلاء الأطفال صعوبات كثيرة، فبالاضافة إلى المجهود الكبير الذي يبذلونه في التعامل مع هذا الطفل، هم متهمون من قبل الجميع بعدم قدرتهم على التربية، وهذا بحد ذاته يشكل ضغطاً نفسياً إضافياً، مما ينتج عنه قسوة متزايدة على الطفل''· أعراض يطلق على هذه الحالة (فرط النشاط الزائد hyperactivity-)، وهو اضطراب سلوكي يجعل الطفل عاجزاً عن التحكم بسلوكه، ويتعرض بسببه للتأنيب المستمر نتيجة جهل الوالدين بهذه الحالة، فماذا يقول أهل الاختصاص؟ يشرح روحي عبدات (أخصائي نفسي) الأمر بقوله: ''النشاط الزائد لدى الطفل يعد اضطراباً سلوكياً، وهو شائع الحدوث عند الأطفال وتزيد نسبة انتشاره لدى الذكور أكثر من الاناث، ويحدث في المراحل العمرية المبكرة، لكن نادراً ما يتم تشخيصه لدى الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة· والمرض ليس مجرد زيادة بسيطة في مستوى النشاط الحركي لكن هذا العرض هو الظاهر للعيان، فهناك مجموعة من الأعراض تظهر على الأطفال الذين يعانون من هذا الاضطراب منفردة أو مجتمعة منها: عدم الجلوس بهدوء والتحرك باستمرار، التهور، الملل المستمر، تغير المزاج بسرعة، سرعة الانفعال، الشعور بالاحباط لأتفه الأسباب، عدم القدرة على التركيز، التوقف عن تأدية المهمة قبل انهائها بشكل مرضٍ، اللعب لفترة قصيرة والانتقال بسرعة من عمل إلى آخر، اللعب بطريقة مزعجة أكثر من بقية الأطفال، تشتت الانتباه بسهولة عند وجود أي مثير خارجي، وجود صعوبة في اتباع التعليمات، التكلم في أوقات غير ملائمة والاجابة على الاسئلة بسرعة دون تفكير، صعوبة في انتظار الدور، التشوش الدائم واضاعة الأشياء الشخصية، تردي الأداء الدراسي، الاستمرار في الكلام ومقاطعة الآخرين''· ويشير عبدات إلى أن علاقة هذا الطفل بالمحيطين به في أحيان كثيرة لا تكون على ما يرام، فهو يثير الازعاج والمشاكل، ولا يحافظ على علاقاته الاجتماعية، وحركته لا تروق للمعلم في الصف أو الأم في البيت· ويؤثر هذا الاضطراب على مدى تفاعل الطفل الاجتماعي مع الآخرين، فينفر منه أقرانه وينعته المعلم بالغبي مع أن ذكاءه في المستوى الطبيعي أو أفضل من الطبيعي، كما تنعته الأسرة بالشقي، فينمو وثقته بنفسه ضعيفة لأنه يُخاصم داخل البيت، وفي المدرسة، ولا يرغب به بقية الأطفال، ويفشل في دراسته، ولا يستطيع الانجاز بالشكل الجيد المناسب· وهكذا تتكون لديه صورة سيئة عن نفسه وييأس من كونه غير قادر على الإنجاز والأداء''· ويؤكد عبدات أن هؤلاء الأطفال لا يرغبون ابداً في خلق المشكلات لأحد، ولكن جهازهم العصبي يساعد على ظهور الاستجابات غير المناسبة، ولذلك فهم بحاجة إلى التفهم والمساعدة والضبط، ولكن بالطرق الايجابية· واذا لم نعرف كيف نساعدهم فعلينا أن نتوقع أن يخفقوا في المدرسة بل ربما يصبحون جانحين أيضاً· وكثيراً ما يواجهون صعوبات في التعلم خاصة في القراءة رغم أن العلاقة بين النشاط الزائد وصعوبات التعلم ما تزال غير واضحة· أسباب يصعب تشخيص هذه الحالة في أحيان كثيرة، والسبب - والكلام لعبدات- أنها تتشابه مع أمراض كثيرة أخرى· وتبدأ الأعراض عادة قبل السابعة، وإلى الآن ما تزال أسباب هذا الاضطراب غير معروفة، وتذكر الدراسات الحديثة مجموعة من الأسباب منها: وجود اضطراب في المواد الكيماوية التي تحمل الرسائل إلى الدماغ، و التسممات المزمنة أو أذية دماغية قديمة، و قلة النوم على المدى الطويل أو تردي الحالة النفسية والانفعالية للأم أثناء فترة الحمل بالطفل، و طبيعة التنشئة الأسرية التي تتبع نظام التسامح الزائد أو الحماية المفرطة· ولا تستثني الدراسات دور الغذاء خاصة أغذية الطفل التي تحتوي على المواد الحافظة والملونات والمشروبات الغازية كسبب من الأسباب· البيئة من جهتها تقول الاخصائية النفسية فاطمة السجواني: ''تلعب البيئة التي يعيش فيها الطفل دوراً هاماً في بناء شخصيته، فالتلاحم والترابط الأسري مفتاح نجاح بناء شخصية الطفل، وعلاقة الوالدين الايجابية بطفليهما تمنحانه قدراً من الاتزان في السلوك والتصرفات· ففي مرحلة ما قبل المدرسة يبدأ الطفل بالتكيف مع محيطه، لكنه يظل معتمداً في تفكيره على تصوراته الذاتية وليس على أسس موضوعية لأنه لا يستطيع القيام بالعمليات العقلية التي تمكنه من الاستنتاج والتخطيط بشكل منطقي، فيتعرض إلى لحظات من التوتر يزيد من حدتها ما قد يقدمه الآباء من عاطفة أسرية قد تكون سلبية أو مفرطة أو متذبذبة· من هنا، يجب أن يدرك الوالدان أهمية احتواء أطفالهم وكسب ودهم منذ صغرهم· وفي أحيان كثيرة يسيء الوالدان فهم أطفالهما ذوي الحركة الزائدة أو الذين لا يصغون لتعليماتهما، وينعتوهم بأبشع الألفاظ، وقد يتطور الأمر إلى الضرب وهذا من شأنه أن يولد ردة فعل عكسية تماماً· وبغض النظر عن التأثيرات العضوية التي قد تساهم في زيادة النشاط عند الطفل، فإن التأثيرات الخارجية تلعب دوراً بارزاً في الحد من هذا التأثير عبر اشراك الطفل في الأعمال التي يقوم بها الوالدان، والعمل على تفريغ هذه الشحنة الزائدة بممارسة الألعاب الرياضية، وتدريب الطفل على المهارات التي تنمي لديه عنصر التركيز والانتباه· وللغذاء دور وحول الغذاء ودوره تجيب اخصائية التغذية زهرة الدليمي: إن (hyperactivity) سلوك فوضوي يحدث تقريباً لدى الأطفال في عمر المدرسة بنسبة (2 - 5) في المئة· وأثبتت بعض الدراسات أن تناول الأطفال للسكريات البسيطة خلال وجبة الافطار يزيد من هذا النشاط الفوضوي لكنه يبقى سلوكاً غير عدواني، فإذا زادت كمية السكريات البسيطة خلال اليوم يتحول هذا النشاط المفرط إلى سلوك عدواني، وللحد من هذه الحالة يجب الإقلال من تناول السكريات البسيطة والتي توجد في جميع أنواع الحلويات والمشروبات الغازية، ومن تناول الأغذية المعلبة لأنها غنية بالمواد الحافظة والملونة· فالطعام المتوازن من حيث عناصره (الذي يحتوي على البروتينات والدهون والكربوهيدرات المعقدة بكميات مناسبة)، يعد أفضل وسيلة لكبح جماح الأطفال الذين يعانون من النشاط المفرط، لأنه يشكل حصناً منيعاً ضد الأمراض وأهمها النشاط المفرط والسكري والسمنة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©