الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التقدم والاستبداد: الثنائية المتضادة

11 ديسمبر 2011 21:31
السبب الأساسي لتخلف العرب هو الاستبداد، نعم الاستبداد، وقمع الحريات العلمية والسياسية، أين العرب من براءات الاختراع وأين ميزانياتهم للبحث العلمي وأين الحريات الأكاديمية وأين مستوى جامعاتهم من الجامعات العالمية وأين حرية التعبير في برلماناتهم ومجالسهم للشعب وأين الحرية والديمقراطية في الصحافة والإعلام والاقتصاد. ففي ظل أنظمة الاستبداد تغيب دولة القانون والمؤسسات والحريات لتحل مكانها الدولة الأمنية بقوانينها الاستثنائية، وتنتشر ظواهر الفساد والمحسوبية والتزلف والانتهازية والإحباط واللامبالاة، وتنتعش الولاءات ما قبل المدنية (الطائفية والمذهبية) الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى إضعاف الدولة والمجتمع معاً. وهو ما يشكل الأساس الذي يمكن الدول القوية من الانقضاض على هذه الدول المستبدة الضعيفة والسيطرة عليها، إما بالطريقة الكلاسيكية المعروفة أي الاحتلال العسكري المباشر، وإما بالاحتلال غير المباشر عن طريق الهيمنة الاقتصادية وغيرها من أشكال الهيمنة. النظام المستبد يستجلب استبداداً من نوع آخر هو الاحتلال، الذي تمارسه دولة بحق دولة أخرى. وفي حالة الاحتلال المباشر الذي تمارس فيه دولة الاحتلال القتل والقمع والإرهاب والنهب، تولد مقاومة الشعب الذي يتمكن طال الزمن أم قصر من هزيمة الاحتلال وانتزاع الاستقلال. فتخضع الدولة المستقلة في تطورها لثنائية الديمقراطية والاستبداد. فإن سارت على طريق الديمقراطية ضمنت تطورها وتقدمها. أما إذا اختارت الاستبداد فإنها ستسير باتجاه إعادة إنتاج خصائص الدولة الضعيفة والمفككة والقابلة للخضوع والتبعية والاحتلال. الأمثلة عن دور الاستبداد في انهيار الدول والامبراطوريات كثيرة، نذكر منها ما ترتب على الحرب الباردة من نتائج حيث انتصرت الدول (أوروبا الغربية، الولايات المتحدة) التي سارت على طريق تلك الديمقراطية، وحافظت على تقدمها واستقرارها، وعادت ألمانيا الشرقية لتلتحق بشطرها الغربي، لتكونا دولة ألمانيا الموحدة، بينما كان حصاد الأنظمة الستالينية المستبدة (الاتحاد السوفياتي، دول أوروبا الشرقية) التفكك والانهيار. كما نشير إلى تجربة أميركا اللاتينية، التي شهدت منذ مطلع هذا القرن، تقريباً، تحولات تمثلت في التخلص من الأنظمة الديكتاتورية المدعومة من الامبريالية العالمية، والسير في طريق الديمقراطية، ووصول أحزاب يسارية إلى السلطة، الأمر الذي أدى إلى تحسن ملحوظ في الأوضاع الاقتصادية، والحياة المعيشية لغالبية المجتمع. هنا لا بد من التأكيد على أن استمرار الديموقراطية الناشئة وتطويرها، وليس محاولات التضييق عليها، كما يجري في فنزويلا اليوم، هو الضمان للاستقرار السياسي واستمرار النهوض الاقتصادي، وتحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيزها. ولعل أقرب مثال حي، ما زالت فصوله ماثلة أمامنا، حول دور الاستبداد بانهيار الدول، هو ما حصل في العراق من احتلال وانهيار دراماتيكي للدولة والنظام. السؤال الذي يمكن طرحه هنا هو: هل يصح تعميم علاقة الاستبداد بانهيار الدول ورفعها لمستوى القانون العلمي؟ من الواضح أن هناك من يرفض ذلك مستشهداً ببعض التجارب، كتجربة الصين مثلا، التي تبدو وكأنها تنفي كل الكلام السابق، حول علاقة الاستبداد بانهيار الدول، حيث حافظت الامبراطورية الصينية على وحدتها، وصمد نظامها الشمولي في وجه رياح التغيير، بل إنها اليوم، تزداد قوة ونمواً وازدهاراً، في ظل نظامها الاستبدادي. يسعـى الباحـث نبيـل علـي صالح إلـى فهـم العوامـل المهيـأة لنمـو بـذور الاستبداد في الاجتماع الديني العربي والإسلامي حالياًً، وهـي: 1 - عدم قناعة النخب الحاكمة في بعض المجتمعات العربية أصلاً بفكرة التغيير السلمي والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. حيث إنه من المعروف أن الأصل في الدولة أن تكون محايدة ومستقلة كرابطة مدنية تحترم استقلالية الفرد الحر المتساوي مع غيره، والقادرعلى تسيير أموره بنفسه، وتحديد أهدافه العليا بإرادته. وأن الحكومات يجب أن تخضع للمراقبة والمساءلة. 2 - تمييع وتغييب القوانين والمؤسسات السياسية والاقتصادية كلها، وتبديلها عملياً بقانون واحد هو قانون الاستثناء والطوارئ الذي يقوم على قاعدة سوفياتية قديمة وهي: “يجب أن يفسد من لم يفسد بعد ليكون الجميع مداناً تحت الطلب”، وبخاصة إفساد الجهازين القضائي والتعليمي التربوي. وفي محصلة إجمالية لما آلت إليه النتائج المباشرة لتطبيق سياسات استبدادية في بعض مجتمعاتنا العربية، وجدنا أنفسنا جميعاً أمام واقع مدمر ومحطم نفسياً ومادياً (عنف رمزي وعضوي)، وانتقالات سريعة من أزمات إلى أخرى. وكما يقول الدكتور قاسم عبده قاسم إنه " لم يعد مقبولاً قياس التقدم " بعيداً عن الحقوق الأساسية للفرد والجماعة بمعنى أننا لا يمكن أن نتحدث مثلاً عن التقدم في ظل الاستبداد السياسي أو الخلل الاجتماعي وما يقترن بذلك حتماً من الارتباك والخلل في النظام القيمي والأخلاقي للمجتمع، فالاستبداد السياسي بطبيعته عائق أساسي في طريق التقدم لسبب بسيط يقترب من البداهة: إن الجماعة الإنسانية محرومة من حقوقها الأساسية لمصلحة فرد واحد أوجماعة واحدة. التقدم والاستبداد ثنائية متضادة متناقضة متنافرة، لا يمكن أن يحصل التقدم في ظل الاستبداد لأن الاستبداد في طبيعته قتل للتقدم باعتباره آلية معرقلة لنمو الحياة الطبيعية التي تسير إلى الأمام بخطى متكيفة مع واقعها وظروفها وملابساتها وحيثياتها ، فالاستبداد كالجدار الفولاذي المانع لنسمات الحرية التي تساهم في تقدم وتطور المجتمعات الإنسانية إلى الأمام. حواس محمود - كاتب سوري ينشر يترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©