الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

علاقات الإنس والجن.. بين الحقيقة والخرافة

علاقات الإنس والجن.. بين الحقيقة والخرافة
23 ديسمبر 2014 22:09
صراعات الإنسان في هذه الحياة كثيرة، لكن أصعبها على الإطلاق الصراع مع الجن، فكثيراً ما نجد أناساً يفقدون شهية الحياة بسبب المس الشيطاني، وما يحيط بهم من قصص تحير العقل، فكلما انزاحت فكرة الانصراف عن المشعوذين والدجالين والمعالجين بالخرافة في مكان ما، نشطت في آخر، لكن تظل ثقافة الإنسان والاعتقادات المبنية على تجارب سابقة تتعلق بالخوف والرهبة باعثاً قوياً على البحث عن طوق نجاة من براثن الوقوع في شرك الجن، ومحاولة إظهار حقيقة هؤلاء الذين يدعون قدراتهم على فعل الخوارق، ومعالجة الناس بالوهم بهدف المال. «الاتحاد» تفتح ملف الدجل والشعوذة في العالم العربي على عدة حلقات للوقوف على حقائق يفصلها الدين، ويُنظّر لها علماء النفس، ويرصدها الناس بما يروون من حكايات يشيب لها الولدان. الجائز شرعاً يقول البروفسور سمير شرف باحث في مقارنة الأديان والعلوم الكونية بجامعة السوربون في فرنسا: العلاج بالقرآن أمر جائز شرعاً لمن أراد أن يعالج نفسه إيماناً واعتقاداً بعظمة النص القرآني في قدرته على مداواة النفس البشرية من تعقيداتها، وفي حال تعرضها لمس شيطاني مصداقاً لقوله تعالي «وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا» الإسراء 82، أما فيما يتعلق بالامتهان بالقرآن، واتخاذه وسيلة للتكسب ومن ثم علاج الناس بطرق غير شرعية، فإنه من المؤكد أنه ليس في الإسلام مهنة تسمى المعالج بالقرآن أو الراقي، إنما يحدث العلاج بالقرآن على وجه الاستشفاء بكلمة الله، سواء لعالم أو عبد صالح كما فعل الإمام أحمد بن حنبل وشيخ الإسلام بن تيمية، وذلك باستقراء السنة، ولم يوجد من اتخذ ذلك مهنة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو التابعين، والرقية موجودة بدليل القرآن وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرقي نفسه. وقال: هناك بعض حملة القرآن الكريم الذين انجرّوا إلى السحر والشعوذة، بدعوى أنهم قادرون على شفاء الناس بالقرآن من أجل المال، وهذا إجرام في حق المجتمع، إذ إنهم اتخذوا من كلام الله مهنة فجنحوا إلى السحر، فضلاً عن أن بعض المشعوذين يأمرون الناس بتعليق تمائم درءاً للحسد أو الشرور والسحر، وهذا أمر موجود في الغرب الذي تأثر الكثير من أبنائه بالمشعوذين الذين قدموا من إفريقيا، واستطاعوا إغواء الناس بسحرهم، وأن لديهم القدرة على قراءة المستقبل والتنبؤ بما سيحدث للفرد في حياته المقبلة، فضلاً عن أن منهم من يدعي قدرته على معرفة الغيب والأحداث التي ستقع في أجزاء من العالم قبل وقوعها بمدة زمنية. ويشير إلى أن العالم بأسره يقع ضحية للسحرة والمشعوذين، وفاتحي المندل، وضاربي الودع، وقراء الكف، والتنجيم، ومن يشتهرون بما يسمى «العمل» لإلحاق الضرر بالآخرين، فيستجيب ضعاف العقول أو من لديهم اعتقادات خاطئة لهم، إذ إن هناك من هم في مستويات علمية عالية من أصحاب الفكر وأهل الأدب، وقعوا ضحايا لمن قرأ لهم الطالع، وظلوا في أسر ما تنبأ لهم به العرافون حتى قضوا حياتهم في انتظار المصير المتوقع. قارورة الدموع وقال أنور نجيب - بائع في أحد المحال التجارية- إنه ظل مدة من الزمن أسير اعتقاد راسخ بأن هناك أناساً «من أهل البركة» تحل فيهم صفات لا تتوافر للبشر كمنحة إلهية، جزاء لصلاحهم في الحياة، ومن هؤلاء أحد الرجال الذي كان يزعم أنه ينتقل من مكان إلى آخر مهما بعدت المسافة في غمضة عين، والذي جعله يؤمن بأن هذا الرجل خارق، عندما كان يسافر إلى مكان ما، وقبل ركوب سيارة الأجرة يشاهد الرجل بالمصادفة هو وجماعة من الناس، وفور وصولهم إلى البلدة التي يتوجهون إليها يجدون الرجل أمامهم فيتعجبون لوصوله قبلهم، رغم أنه لم يركب معهم، فيكبرون ذلك، ويدعو بعضهم الرجل ليتناول الطعام وعندما كان يلبي كان يخرج قارورة يزعم أن فيها دموعه وهي تشفي من العلل والأسقام، فكان الناس تبركاً بها يضعون قطرات منها على الطعام فيقسمون بأنهم لم يذوقوا أطيب منه في حياتهم. ويذكر نجيب أنه اكتشف حقيقة هذا الرجل صاحب الوجه الذي يميل إلى الاحمرار عندما أفشى له أحد سائقي سيارات الأجرة حقيقته إذ إنه كان يتفق معهم على أن يقوم بتوصيله أسرع من الناس الذين رأوه في محطة ركاب فكان يوهم الناس بأن لديه معجزات خارقة، وأنه يمشي على الماء، فيستولي على بعض النقود طواعية منهم، أملاً بأن تحل لهم البركة وتصلح أمور حياتهم الدنيا. ما قالته العرافة ويبين إبراهيم أنور - مستشار قانوني- أن خاله الذي عمل دبلوماسياً في أكثر من سبعين دولة والذي تميز بموهبته الأدبية الكبيرة في الشعر عاش أسير ثلاثة سيناريوهات حددتها له العرافة وهو في مطالع الشباب إذ قالت له: «ستجالس الملوك والأمراء، وليس لك حظ في بنات حواء، وستموت غريقاً» ويلفت إبراهيم إلى أن خاله عندما بلغ الثمانية والستين عاماً قال له: «تحقق أمران مما توقعت لي العرافة فقد عملت دبلوماسياً ولم أتزوج رغم بلوغي هذا العمر، ولم يبق لي إلا انتظار الموت غرقاً» ويصف إبراهيم أن حالته قبل وفاته كانت غريبة إذ إنه لم يترك مكاناً «للبانيو» في الحمام، وكان يخاف السير في طريق على جانبيه ماء إذ كان يقطن قرية «الديدمون» في محافظة الشرقية بمصر إلى أن مات على فراشه وسط أهله بلا غرق. حيل الدجالين قصة أخرى ضحيتها فتاة لم تبلغ العشرين، لزمت الفراش ولم يستطع الأطباء التوصل إلى حقيقة مرضها، إذ أجمعوا أنه ليست بها علة معروفة حتى يشخصها الطب، فذهب أهل الفتاة إلى رجل يفك السحر، ويبطل مفعول «العمل» وتروي ماجدة إبراهيم - معلمة- قصتها مع ذاك الرجل البدين الذي يحضر الجن في غرفتها ويتحدث إليه أمام الجميع فكان الجن يحدث هزة في البيت ثم يصرفه، مؤكدة أنه طلب منها أن تذبح للجن ذبيحة، وأن تمسح بالدم على جسدها ثم تدفن هذا الذبح في مكان ما، وتشير إلى أنه في الجلسة الأخيرة من العلاج شعرت بأنها تود أن تتقيأ فخرجت إلى الشرفة وتقيأت، وبالمصادفة كانت على الشرفة فوطة منشورة فتناولها أخوها الصغير ووجد عليها دودة، وذهب بها إلى الرجل الذي قال إن الفتاة تقيأت السحر الذي هو هذه الدودة وأنها شفيت. وتقول إنها لم تكن مريضة لكنها متكاسلة عن الذهاب إلى المدرسة فادعت المرض، وأن الدودة كانت موجودة بالمصادفة على الفوطة، لكنها لم تشأ أن تفضح الرجل خوفاً من أن تكشف حقيقة ادعائها المرض لكنها تروي هذه القصة بعد مرور سنوات طويلة عليها. غلبة الهوى يؤكد الدكتور إبراهيم الجنابي الواعظ بالقوات المسلحة الإماراتية أن المعاشرة الجنسية بين الجن والإنس محل خلاف بين العلماء، ويلفت الجنابي إلى أن المعاشرة الجنسية لا يمكن إثباتها؛ لأنها تأتي على سبيل الرواية من الأفراد الذين يزعمون حدوثها، ويرى أن القرآن فيه شفاء للناس، والرقية الشرعية تقي من مس الجن بشروط؛ تتمثل في يقين الراقي؛ ثم يقين المرقي والثالثة بصحة القراءة، ويشير إلى أن إخراج الجن قد يستغرق مدة طويلة؛ بحسب نوع المس، فالجن الذي دخل جسد الإنسان بالسحر، أو مسه لغلبة الهوى والعشق عليه، لا يخرج بسهولة وعن مسألة ضرب المعالج للممسوس يؤكد أنها تؤذي الإنسان؛ وقد تسبب له إصابات ومن ثم تفضي به إلى الموت. زواج الجن والإنس يقول الدكتور أنس قصار الباحث والواعظ بالهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف في الإمارات إن تمادي بعض الناس في توصيف طبيعة العلاقة بين الإنس والجنّ إلى درجة الاعتقاد بحقيقة التزاوج والإنجاب بينهما ما هو إلا ضرب من الخيال والأوهام، إذ إنّ طبيعة البشر تختلف عن طبيعة الجان، والله يقول: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم)، غاية ما في الأمر أنّ بعض الجنّ قد يتصور بصورة رجل، ويجامع المرأة من الإنس كجماع الرجل للمرأة، وكذا قد يتصور في صورة امرأة ثم يجامعها الإنسي، وعلاج ذلك يكون بالرقية والتحصن بالأذكار الواردة والأدعية المأثورة، وما سوى ذلك عبارة عن تخيلات وأفكار قد تحرك شهوة الإنسان رجلاً أم امرأة ولكن لا يمكن أن يطلق عليها اسم الجماع أو النكاح. الجن العاشق تعود حنان أحمد - ربة منزل - بالذاكرة عندما شعرت في بداية حياتها الزوجية باضطرابات أثناء النوم، وبأن هناك من يضغط على صدرها بقوة ويحبس أنفاسها، إلى أن تحولت الأحلام المزعجة إلى رؤية عين وهي واعية، لكنها دائما تشعر بأنها ملجمة وغير قادرة على فك نفسها، مؤكدة أنها مرت بأكبر مشكلة في حياتها عندما وجدت نفسها في قبضة جن عاشق يتعامل معها -بعد بسط سيطرته عليها- مثل الأزواج، لكنه على الرغم من ذلك كان يأتيها في أحسن حال وأجمل صورة، وظل سنوات طويلة يتحكم في حياتها هو وبعض أصحابه، فأخبرت زوجها بمصابها الأليم، فأحضر لها من يعالجها بالقرآن. وتلفت إلى أن أخاها أحضر لها معالجاً آخر وانهال عليها ضرباً مع أخيها، وفي بادئ الأمر لم تكن تشعر بالسياط ، لكنها اخبرتهما أنها هي التي تضرب في هذه اللحظة، ولم يتوقفا عن إيذاء جسدها رغم إصرارها على أن السياط توجعها، وهنا أخبرها الجن بأن هذين الرجلين سوف يقضيان ليلة لم يريا مثلها في حياتهما، وفي الصباح جاءها أخوها يشتكي من أنه كلما غفا شعر بمن يضربه على جبينه، وظل طول الليل على هذه الحالة. وتجزم حنان بأنه لم يعالجها أي إنسان حتى من ادعوا بأنهم يعالجونها بالقرآن ولكن عندما جاءها هاتف يخبرها بأن من تحمل فيه سوف يأخذه الجن، بدأت تقاوم بقوة حتى انصرف عنها، ورغم مرور سنوات على الحادثة لم تزل تشعر بأن هناك من يحاول أن يؤذيها. كلام بالأحمر مأساة أخرى عاش تفاصيلها محمد رزق - مخرج تليفزيوني - الذي وصل إلى الأربعين ثم تزوج وقبل بلوغه هذا الهدف، كان يرفض بشدة كل فتاة يعرضها عليه الأهل، لأنه لا يرى فيها فتاة أحلامه، وهو ما جعل والدته تقرر الذهاب إلى «الأولياء» الذين يفكون السحر، ومدعي العلم غير الدنيوي، ويوضح رزق أنه فوجئ بأمه تحمل في يدها ورقة مطوية على شكل مثلث، وطلبت منه أن يضعها في محفظته، وفي أيام معدودة سيجد فتاة أحلامه، لافتاً إلى أنه أخبرها بأنها لجأت إلى المشعوذين الذين يستنزفون مالها بغير الحق، لكنها أصرت على أن الرجل «الطاهر» الذي ذهبت إليه فتح لها الكتاب وأنبأها بأن قرين ابنها هو الذي يمنعه من الزواج ويصده عنه صدوداً، ويؤكد أنه فتح الورقة ووجد كلاماً مكتوباً بالأحمر، وليس فيه شيء من القرآن ولا لغة العرب وبه خطوط، فقرر حرق الورقة ونصح أمه بالابتعاد عن الخرافات والدجالين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©