الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«وينن» سرد سينمائي بتوقيع نون النسوة

«وينن» سرد سينمائي بتوقيع نون النسوة
10 ديسمبر 2013 00:05
يحسب المرء في المشهد الافتتاحي لفيلم «وينن» اللبناني لستة مخرجين لبنانيين شبان أنه أمام مدينة فارغة تقريبا وحراك مديني بطيء إلى حدّ أنه يكاد يكون حراكا عاجزا، الأمر الذي يولّد إحساسا بفراغ ما لدى المتلقي، خاصة في تلك الالتقاطات العجولة حيث تتكدس الظلال ويخفت الضوء. عرض الفيلم مساء أمس الأول في سينما 2 في مول الامارات بمنطقة الجميرا بدبي، في إطار مسابقة «المهر العربي» للأفلام الروائية الطويلة لمهرجان دبي السينمائي الدولي الذي يستمر حتى الرابع عشر من هذا الشهر، وهو من إخراج طارق قرقماز وزينة مكي وجاد بيروتي وكريستال اغنيادس وسليم الهبر وماريا عبد الكريم وناجي بشارة. قضية المخطوفين لجهة الحكاية في «وينن» فإنها تتناول واحدة من أقسى ما خلفته الحرب الأهلية على الاجتماع الأهلي اللبناني من قضايا شائكة ما تزال شرخا يقسم نسيج هذا الاجتماع إلى طرفين نقيضين، هي قضية المخطوفين، بالمعنى السياسي للكلمة، إبان تلك الحرب والذين يبلغ عددهم سبعة عشر ألف شخص من نساء ورجال، حيث الطرف الخاطف واضح تماما والطرف المخطوف منه كذلك، بحسب الفيلم، والذي يتضح جليا بسبب تلك الإشارات عن الانتهازية السياسية في استخدام هذه القضية كورقة ضغط اجتماعي. المخرجون، وسابقا عليها الكتّاب الثلاثة للسيناريو: جورج خباز ودياموند أبو عبود ونيكولا خباز، تناولوا هذه القضية بطريقة ناعمة ومباغتة وشديدة التأثير في دفاعها عن تلك الأمهات والزوجات والبنات اللواتي ما زلن يبحثن عن المخطوفين. إنهم في «وينن» يكشفون عن الجانب السرّي أو الآخر في حيوات تلك النساء، وهو الجانب الاجتماعي في تلك الحيوات. المخرجون، بمعنى ما تضيء الجانب المعتم من حيواتهن عبر علاقاتهن السرية وسيرورة حياتهن اليومية والتعقيدات العائلية المحيطة بها لتترك للمتلقي اكتشاف الأثر الذي خلفه فعل الخطف وذلك الفعل الذي تخلفه الانتهازية السياسية تجاه هذه القضية، إنما بالمعنى الإنساني للكلمة. يمكن القول إن الفيلم ينقسم إلى ست مشهديات، أو لوحات كلما اقتربت من الفعل المسرحي نأت عنه قليلا، في كل مشهدية منها تحضر امرأة في قلب السرد السينمائي، حيث لكل امرأة حكايتها السرية الخاصة بها والتي تعيشها بمعزل عن واقعها الاجتماعي والظرف الشخصي كونها ترتبط برجل مخطوف بطريقة أو بأخرى: الأم، والأخت، والزوجة، والابنة، وتلك التي كان المخطوف استاذها الجامعي الذي تأثرت به. وعبر هذا السرد السينمائي لا يكتشف المتلقي أية صلة تربط أيا من الشخصيات ببعضها البعض، كما لو أننا بإزاء أوضاع اجتماعية منفصلة، إلى أن يكتشف في آخر الفيلم أن أربعا منها ينتمين إلى أسرة واحدة. سرد سينمائي قد جرت صياغته بمستوى ذكي بدءا من الكتابة إلى أن انتقل إلى الشريط، وذلك ما يجعل المرء يدرك لماذا حدث هذا الانشداد كله في متابعة التفاصيل. أيضا، ميزة هذا السرد في «وينن» أنه متعدد الإيقاع، إذ مَنْ يتابع المشهد الأول في إيقاعه، سواء على مستوى التمثيل، أي علاقة الملفوظ بحركة الممثل وبردّ فعل الممثل المقابل في المشهد، أم على مستوى سرعة الكاميرا التتابع في اللقطات، يهبط كثيرا هذا الإيقاع في مشهد الأب والأم، ثم تتفاوت سرعاته، لتتناسب مع كل شخصية وعلاقاتها بالحدث داخل المشهدية ذاتها. وفي داخل هذا السرد قسوة؛ قسوة في العلاقات الانسانية مثلما في الواقع المحيط بكل شخصية نسائية. هو سرد سينمائي لشخصياتهن القاسية وحكايتهن التي تؤلم وتوجع. ولعل الأكثر قسوة من بين هذه المشاهد، هو مشهد الأب والأم. أب صامت تماما وأم لا تكف عن إعادة قول الحكاية؛ حكاية ابن اختطف وأنه مفقود وما من أحد يعرف إن كان ميتا أم حيّا. الأم هي التي تنقل تفاصيل حياة الابن إلى الشاشة وعبر صوتها «نسمع» صورته إذا جاز التوصيف. إذ أن حديثها إليه منذ أن كان طفلا إلى أن اختفى هو حديث إلى غياب وحيدها وظلال هذا الغياب الذي يمتد الآن إلى عشرين سنة. إذ بعد مرور هذا الزمن «من حقنا نعرف إن كان حيّاً أو ميتاً» هذا ما تنطق به جميع الشخصيات النسائية في «وينن». مواقف وتفاصيل وبصدد التمثيل في هذا المشهد، فهو يجعل المرء أكثر اقتناعا بأن جذر التمثيل السينمائي في المسرح، ليس بسبب حضور كارمن لبّس وندى أبو فرحات مثلا، وهما ممثلتان مسرحيتان عربيتان وليستا لبنانيتين فحسب، بل بسبب هذا الثنائي في المشهد. المشهد الصادم الآخر هو مشهد الابنة، تؤدي دورها ديما بو عبود. «بكرة نازلة إشحد بيي» تقول المرأة الشابة متعددة العلاقات التي لا تعرف ماذا تريد إلى صديقها الذي سبقها إلى الحانة. القسوة التي في المشهد ليست حكاية المرأة وحدها إنما بل ذلك التجسيد للألم الذي تقدم الممثلة عبر حكاية المرأة الضائعة التي في نهاية العشرينيات ولم تستقر بعد عاطفيا أو عائليا. لا تكف هذه المرأة (بحسب ديما بو عبود) عن الألم وتفعل ذلك بإقناع شديد كما لو أنها لا تمثّل، كما لو أنها المرأة ذاتها. ثمة تفاصيل أخرى كثيرة يمكن قولها عن امرأة واحدة تتعدد في نساء ست؛ تفاصيل عن اليأس وكل ما لا رجاء منه ويتسرب بهدوء إلى المتلقي. المرأة التي تقيم علاقة خارج نطاق الزواج أو بالأحرى خارج نطاق عودة الغائب وتلك التي لم تتزوج بعد وما تزال تنتظر «غودو» ترمز إليها عودة الغائب وتلك الأخرى إذ تقيم علاقة مع مصور فوتوغرافي وتنسى تفاصيلها الخاصة، وأخيراً المرأة البرجوازية التي تذكرت بالصدفة أستاذها المخطوف. جميعهن متبلورة في الصورة السينمائية ومتبلورة وناجزة تماما على مستوى اللفظ والفعل. يبقى القول، إن الدلالة الواسعة لهذا الفيلم تكمن في أن تبني قضية ما والانتصار لها ليس في الصراخ بل في الكشف عن التفاصيل الانسانية والأوضاع الاجتماعية التي جعلت من أمر ما أو شيء ما قضية.
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©