الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الانتخابات التشريعية الجزائرية.. ورسائل 12 مليون مُقاطِع

23 مايو 2007 00:56
الجزائر- حسين محمد: كما كان متوقعاً، احتفظت أحزاب التحالف الحكومي بالجزائر بالأغلبية النيابية في الانتخابات التشريعية- التي جرت في السابع عشر من مايو الجاري- لتكرس بذلك هيمنتها على السلطة التشريعية للعهدة الثالثة على التوالي، ولكن دون سند شعبي حقيقي بعد أن شهدت نسبة مقاطعة عالية غير مسبوقة؛ إذ امتنع 12 مليون جزائري عن التصويت، ولم تتجاوز نسبة المشاركة العامة 35,65 بالمائة، وهي أعلى نسبة امتناع عن التصويت منذ استقلال الجزائر في يوليو ·1962 فما هي رسائل القراءة في نتائج الانتخابات التشريعية التعددية الرابعة بالجزائر، وأسباب عزوف قرابة ثلثي الجزائريين عن المشاركة فيها؟· لعل أبرز نتيجة في هذه الانتخابات هي حصول أحزاب التحالف الحكومي الثلاثة ''جبهة التحرير الوطني'' و''التجمع الوطني الديمقراطي'' و''حركة مجتمع السلم'' على أغلبية مُريحة تمكِّن الحكومة من تمرير كل مشاريعها القانونية، كما حصل خلال السنوات العشر الماضية مع البرلمانين السابقين؛ إذ فازت مجتمعة بـ249 من أصل 389 مقعداً· لكن الملاحظ أن ''جبهة التحرير'' التي يتزعمها عبد العزيز بلخادم رئيس الحكومة، فقدت أغلبيتها المطلقة التي كانت تمكِّنها من تمرير أي مشروع قانون وحدها ودون حاجة للاستعانة بأي حزب آخر؛ إذ لم تحصل سوى على 136 مقعداً في البرلمان الحالي، مقابل 199 في البرلمان السابق؛ أي بخسارة 63 مقعداً، مما يعني أنها مجبرة على التحالف مع ''التجمع الوطني الديمقراطي'' الذي استفاد من تراجعها وظفر بـ61 مقعداً، مقابل 47 فقط في البرلمان السابق، وكذا التحالف مع ''حركة مجتمع السلم'' التي ارتفع رصيدها النيابي من 38 إلى 52 مقعداً· وبمعنى آخر، فإن جبهة التحرير باتت الآن بحاجة إلى أصوات نواب شريكيها في التحالف لتمرير مشاريع الحكومة التي ترأسها، بينما كانت تملك وحدها الأغلبية المطلقة في البرلمان السابق· وأدى احتفاظ ''التحالف الحكومي'' بأغلبيته المطلقة إلى تغذية مخاوف المعارضة من تكريس شكلية وجودها في البرلمان الذي تحوَّل إلى مجرد ''غرفة تسجيل'' لمشاريع قوانين السلطات وتمريرها طيلة السنوات العشر الماضية، مما أفقده الكثير من وهجه وألقه السياسي، وأفقد الأقلية المُعارِضة أي قدرة لها على التأثير· نكبة ''الإصلاح'' تميزت هذه الانتخابات أيضاً بهزيمة قاسية لحركة ''الإصلاح'' الإسلامية التي بات يقودها الشيخ محمد بولحية بعد إقصاء الشيخ عبدالله جاب الله من رئاستها في أواخر فبراير الماضي، إذ لم تظفر ''الإصلاح'' في البرلمان الجديد سوى بـ3 مقاعد فقط، مقابل 43 مقعداً في البرلمان السابق تحت قيادة جاب الله، مما يعني بوضوح أن الانقلابيين قد قادوا هذا الحزب الفتي- الذي كانت شعبيته تتصاعد باستمرار- إلى الانهيار والإفلاس السياسي، ليكرروا بذلك خطأ انقلابيي حركة ''النهضة'' الذين انتزعوا القيادة من جاب الله في 1998 فتسببوا في انهيارها التام في الانتخابات التشريعية والمحلية لعام ،2002 وخرجوا منها صفر اليدين· وقد استفادت ''حركة مجتمع السلم'' الإسلامية من ''تغييب'' جاب الله ذي الشخصية الكارزماتية الكبيرة وضعف خلفه، فرفعت رصيدها داخل البرلمان إلى 52 مقعداً، مقابل 38 فقط في البرلمان السابق، وعادت بذلك الحركة إلى قيادة التيار الإسلامي بالجزائر بعد أن فقدتها منذ سنوات لصالح جاب الله، إلا أنَّ العودة المُحتملة لجاب الله إلى ''الإصلاح'' بعد اندحار خصومه، يهدد ''حركة مجتمع السلم'' بفقدان هذه الزعامة سريعاً ما دامت الانتخابات المحلية ستُجرى في أكتوبر القادم· تقدم ''الأحرار'' وشهدت انتخابات 17 مايو أيضاً تقدم المرشحين الأحرار الذين فازوا بـ 33 مقعداً في البرلمان الجديد ليحتلوا بذلك المرتبة الرابعة مباشرة بعد أحزاب التحالف الثلاثة، وهي نتيجة ملفتة للانتباه، وأدت إلى طرح تساؤلات عديدة عن أسبابها ودوافع الناخبين للتصويت لصالح المرشحين الأحرار وتجاهل 21 حزباً جاء ترتيبهم بعد ''الأحرار'' في نتائج الانتخابات؟ ويُعتقد أن نوعية الحملة الانتخابية التي قدمتها الأحزاب السياسية الـ 24 المشاركة في الانتخابات، أقنعت المصوِّتين على قوائم ''الأحرار'' أنهم باتوا أفضل من أغلب الأحزاب المرشحة والتي قدم ممثلوها برامج انتخابية غير مقنعة ومليئة بالوعود المعسولة والمثالية، فصوتوا لصالح الأحرار، بينما يوعز متتبعون السبب الرئيس إلى أن أغلب قوائم ''الأحرار'' تستند إلى عامل ''العشائرية'' حيث تضم شخصيات معروفة ورجال أعمال تم إقصاؤهم من أحزابهم فلجأوا إلى الترشح أحراراً بدعم من عشائرهم القوية وكسبوا نتائج جيِّدة· وحل ''حزب العمال'' المُعارض خامساً بمجموع 26 مقعداً، مقابل 12 في انتخابات ،1997 و21 مقعداً في انتخابات ،2002 مما يعني بوضوح أن شعبية هذا الحزب اليساري المعارض تتصاعد باستمرار بفضل كارزماتية رئيسته ''لويزة حنون''، بينما ظفر ''التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية'' بـ 19مقعداً فقط، وقد كان مرشحاً لحصد 40 مقعداً في منطقة القبائل في غياب غريمه التقليدي الذي ينافسه عليها وهو ''جبهة القوى الاشتراكية'' المُقاطِعة للانتخابات· لكن ''جبهة التحرير'' و''التجمع الوطني الديمقراطي'' انتزعا منه نصف المقاعد تقريباً ببجاية وتيزي وزو، والأسوأ من ذلك أن التجمع لم ينتزع إلا مقعداً واحداً بولاية البويرة على كثرة القبائل بها، وتفرقت باقي مقاعدها السبعة بين عدد من الأحزاب والأحرار، وتدنت شعبية الحزب من قرابة نصف مليون ناخب إلى 192 ألفاً فقط، وهو ما يُعد مؤشراً واضحاً على نهاية عهد ''احتكار'' هذا الحزب لتمثيل منطقة القبائل منذ فتح المجال للتعددية الحزبية في ،1989 لكن فوزه ببعض المقاعد خارج منطقة القبائل لأول مرة منذ 18 سنة قد يرضيه، لأنه يبعد طابع ''الجهوية'' عن حزبه· وشهدت هذه الانتخابات أيضاً ظفر 15 حزباً صغيراً بمقاعد تتراوح بين 1 و13 مقعداً، وبلغت في مجموعها 62 مقعداً، وأرضت هذه النتائج أغلبها باعتبار أنها المرة الأولى التي تدخل فيها البرلمان منذ 1989 بعد أن ظل حكراً على مجموعة محددة من الأحزاب الكبيرة؛ إذ مكنت النتائجُ 22 حزباً من مجموع 24 حزباً دخل الانتخابات، من دخول البرلمان مقابل 12 حزباً في الانتخابات التشريعية لـ ·2002 مقاطعة واسعة وإذا كانت هناك ملاحظة أخرى بارزة في انتخابات 17 مايو فهي المقاطعة الواسعة للناخبين المسجلين؛ إذ فضَّل أزيد من 12 مليون جزائري البقاء في بيوتهم والامتناع عن التصويت، وكان ذلك دلالة على تغير السلوك الانتخابي للجزائريين الذين كانوا يشاركون بكثافة في مختلف الاستحقاقات الانتخابية في التسعينات ولا يكترثون بدعوات المقاطعة المتصاعدة من هنا وهناك، فماذا جرى هذه المرة حتى تشهد الجزائر مقاطعة قرابة ثلثي الناخبين لهذا الموعد الهام؟ الواقع أن الأسباب عديدة، ومنها دعوات المقاطعة التي أطلقتها ''جبهة القوى الاشتراكية'' المُعارضة، وكذا الشيخ جاب الله إلى أنصاره كرد فعل على إقصائه، ودعوة بعض قادة ''الجبهة الإسلامية للإنقاذ'' المحظورة وفي مقدمتهم عباسي مدني وعلي بلحاج· واتضح أثرُ مقاطعة أنصار جاب الله الذين تعدى عددهم 1,2 مليون ناخب في عام ،2002 من خلال عدم التصويت على خصومه في ''الإصلاح'' الذين انهاروا في الانتخابات، كما أسلفنا، بينما ظهر أثرُ دعوة ''جبهة القوى الاشتراكية'' في تسجيل نسبة مقاطعة عالية في منطقة القبائل التي يهيمن عليها منذ 1989 رفقة ''التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية'' حيث بلغت نسبة الاستجابة لدعوتها 84 بالمائة في بجاية، و85 بالمائة في ''تيزي وزو''، ونسباً مرتفعة للمقاطعة في بومرداس والبويرة اللتين تعجان بالقبائل، ولم يفلح دخول التجمع الانتخابات لجلب أغلب القبائل إليها· إلا أن أثر دعوة ''الإنقاذ'' لم يتضح لصعوبة قياس شعبيتها بعد 15 سنة كاملة من حظرها، فضلاً عن مخالفة بعض قيادييها لعباسي وبلحاج، ودعوتهم إلى المشاركة في الانتخابات· وإضافة إلى دعوات المقاطعة التي استجاب لها مليونا ناخب على الأقل، فإن الحملة الانتخابية الباردة التي أدتها الأحزاب المشاركة وضحالة خطابها وسطحيته ولجوئها إلى التستر بـ''دعم برنامج رئيس الجمهورية'' للتغطية على ضعف برامجها، كان لها مفعول عكسي، وأقنعت الجزائريين بافتقار هؤلاء إلى برامج حقيقية يمكنها أن تكون بديلاً لبرنامج أحزاب التحالف الحكومي ولا سيما من ناحية حل مشكلاتهم المعيشية المتفاقمة كالسكن والبطالة وغلاء المعيشة··· ففضلوا مقاطعة الانتخابات· ويُضاف إلى الـ 12 مليون مقاطع، حوالي مليون ناخب صوتوا بأوراق بيضاء، مما خفض العدد الحقيقي للناخبين إلى 5,7 مليون فقط من مجموع 18,7 مليون ناخب مسجل· وقد أتضح جليّاً أن النزر الأكبر من الـ 6,6 مليون مواطن الذين خرجوا إلى صناديق الاقتراع هم من المسنين والعجائز الذين تعوَّدوا على عدم التخلف عن أي موعد انتخابي، بينما كانت مشاركة الشباب من الجنسين محدودة جداً، علماً بأنهم يشكلون نسبة 65 بالمائة من الجزائريين وفقاً لإحصائيات رسمية· ومن خلال حديثنا إلى بعض الشبان المقاطعين، تبين أن سبب مقاطعتهم يعود إلى عدم شعورهم بتحسن الأوضاع العامة بشكل محسوس، وخاصة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، بعد أن شاركوا في استحقاقات انتخابية مختلفة طيلة التسعينات دون فائدة، مما أدى إلى فقدانهم الثقة تماماً في الطبقة السياسية الحالية التي باتت تفتقر إلى المصداقية والتأثير والإقناع، وتغلب عليها الانتهازية والرغبة في الوصول إلى المناصب المُدِرَّة للمكاسب على حساب آلامهم ومعاناتهم التي تجعلهم يفكرون في الهجرة غير الشرعية في ''قوارب الموت'' إلى أوروبا· وإلى جانب ذلك، شاعت لدى هؤلاء الشباب فكرة أن نتائج الانتخابات ''محسومة'' و''معروفة مسبقاً'' وتصويتهم لن يغير من الواقع شيئاً، مما جعلهم يعزفون عنها، على الرغم من أن الانتخابات العامة، التشريعية والمحلية لعام ،2002 كانت نزيهة وشفافة باعتراف الأحزاب المُعارِضة نفسها· ومهما يكن من أمر، فإن المتتبعين يأملون أن تستخلص الطبقة السياسية الجزائرية العبر من نتائج الانتخابات ونسبة المقاطعة العالية وتقرأ رسائل المقاطعين قراءة صحيحة استخلاص العبر والدروس والعمل على تحسين صورتها المهتزة لدى الناخبين وإنقاذ الاستحقاقات الانتخابية القادمة من توسع دائرة مقاطعتها، وفي مقدمتها الانتخابات المحلية، البلدية والولائية، التي ستُجرى بعد أربعة أشهر فقط من الآن·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©