الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إدنا أوبراين تستعطف قلب «إيرلندا الأم» وتكشف أسرار المدينة الجميلة

إدنا أوبراين تستعطف قلب «إيرلندا الأم» وتكشف أسرار المدينة الجميلة
27 فبراير 2010 20:20
تسعى إدنا أوبراين عبر كتابها “إيرلندا الأم” إلى إبراز العادات والتقاليد المحلية والمعرفة المكتسبة لمسقط رأسها إيرلندا، فتحاول من خلال عيني فتاة صغيرة رصد سلوكيات ذلك المجتمع المغلق، وسرد زواياه وعيوبه بقلب محب وبعتاب العاشق لأرض وطنه. على الرغم من خروج إدنا أوبراين من وطنها الأم قسراً بسبب آرائها غير التقليدية في مجتمع مغلق، كما وصفته، فإن ذلك لم ينل من اعتزازها به، ومحبتها له ولتاريخه وأساطيره، وهو ماتشير إليه عدة مقالات احتوتها دفتي كتاب “إيرلندا الأم”، قامت جميعاً على تجربة ذاتية لمؤلفة استطاعت وببراعة متناهية، وفي شكل من أشكال الوفاء أن تعبر عن عشقها لهذا الوطن. وتقول أوبراين في بداية الكتاب: “البلدان هي أمهات أو آباء وهي تثير في الجسم قشعريرة الانفعال العاطفي المخصص سراً لكلا المخلوقين المبجلين، ولطالما مثلت إيرلندا امرأة رحما، كهفاً، بقرة، أنثى خنزير، عروساً... في الأصل كانت أرض الغابات والأدغال كما شاهدها أورفيوس عندما نصح بقيام جيسون برحلته. من خلال غلالة من الضباب، ويعتقد أنها تعرضت للغزو منذ انتهاء العصر الجليدي وسمح المناخ للأيائل بالاحتشاد في الغابات الكثيفة”. فيضان نوح من العصر الجليدي تنتقل المؤلفة إلى فترة تاريخية أحدث، فتتحدث عن أيرلندا خلال الأيام التي واكبت فيضان النبي نوح، قائلة: “عندما سمعت امرأة عبرانية، وكانت سيدة محترمة اسمها قيصرية نسيبة نوح، نبوءة قريبها حول حدوث فيضان شامل. قررت أن تفتش عن ملجأ في أرض أجنبية، علّها تعثر على بلد غير مأهول، وبالتالي غير ملوث بالإثم، وانطلقت مع مجموعة مؤلفة من ثلاثة رجال وخمسين امرأة بحراً تمخر البحر الأحمر، مارين بمعابد الفلسطينيين، ومتخذين من أعمدة هرقل “مضيق جبل طارق” منارات يستضيؤون بها، وتجاوزوا ساحل إسبانيا ومنها إلى أيرلندا”. ومن هنا كانت تلك المرأة “قيصرية” ومن صحبها هم أول شعب يطأ تلك الأرض، وكانوا أول سلسلة من الأرواح الأيرلندية الجسور. خرافات وأساطير تضيف أوبراين أنه بعد تلك الحقبة بنحو 300 عام، احتل أيرلندا أتباع الملك بارثولان، من سلسلة أبناء يافث الذين وصلوها عبر البحر المتوسط، والمحيط الأطلنطي، حيث وصلوا إلى كنمير في غرب منستر، ويعتقد أنهم نشروا فنون الأدب والتجارة والزراعة. وبعد عملية استعراض طويلة لتاريخ أيرلندا تمتزج فيها الخرافات والأساطير بالحقائق، تعرّج أوبراين على الحديث عن أيرلندا في العصر الحديث، والفترة التي صاحبت مولدها، فتقول عن البلدة التي نشأت فيها، ومثلت مسقط رأسها: “لقد ولدت ونشأت في بلدة تقع على حدود بلدات أخرى توازيها بعدم تميزها، إنها أرض خصبة جداً، بعض الحقول محروثة وغالبيتها مزروعة بطاطا، البطاطا تبذر مرتين في العام، والنتيجة أوراق خضراء نضرة، كريش الطاووس إلى أن تهطل الأمطار وتزيل كبريت النحاس، وخلال فصل الصيف يرى المرء من أي نافذة رصيف، تحميل السفن وزهرة الشيخ مزدهرة، شامخة، وآلة زراعية صدئة غارقة وسط الأعشاب وأحياناً ثعلبا يشق طريقه بسعة نحو خمّ الدجاج. وكانت هناك خممة دافئة، لطيفة وخنزيرة وثور مسيطر يثير رعب الجميع في حقل أو فناء مزرعة جُلبت إليه الأبقار البنية الكارهة التي في الجوار كلها”. ساكنو الأكواخ تستعرض أوبراين الحياة بكل مفرداتها داخل تلك البلدة، عبر حديثها التالي: “يومان أو ثلاثة في العام، كانت تعتبر أحداثاً كبرى، وليس كثير منها كان يمر دون مطر أو نبأ عن جنازة. ودرس الحنطة كان حدثاً ويخرج ساكنو الأكواخ إلى الفناء مع حميرهم وعرباتهم لكي يحضروا التبن من أجل إعداد الحشية، وتبن الحيوانات؛ بينما أكياس الذرة المدروسة حديثاً تربط وتكدس معاً استعدادا لإرسالها بسيارة النقل إلى المطحنة وكسب النقود”. وتضيف: “كان على العمال أن يتناولوا ثلاث وجبات دسمة بغض النظر عن نوع الحصاد، وغالباً ما كان الشعير ممزوجا بماء المطر بالإضافة إلى وجبات خفيفة كالشاي مع رغيف من الخبز. وكان الناس يتعاونون، وقد أرسل والدي اثنين من رجاله إلى المعلم ميك من أجل إنقاذ التبن وعندما وجدا المعلم يمرح بصخب، رفعا قيمة الفاتورة، وكذا فعل اللحامون وصاحب الحانة، واستسلما لقيلولة بعد الظهيرة في شاحنات التبن بكسل واستمتاع إلى درجة أن المعلم ميك قال مشيراً نحو الاتجاه التقريبي لفندق كيلسايد: من الأرخص إرسالهما هناك”. مشهد ليلي في موقع آخر من الكتاب تنجح الكاتبة في تصوير مشهد ليلي لقريتها يتلمس منه القارئ مدى براعتها في نقل أدق التفاصيل وهو ما ينم عن شغفها الجم بكل ما يتعلق بمسقط رأسها واعتزازها الذي فاق الحدود، فترسم أوبراين ذلك بتلك الكلمات “ليلاً تبدأ التسالي ويتحول المكان إلى قبلة تضم أشياء شتى متعددة الألوان، من ضوء ومصابيح جميلة تومض وكافة أنواع التسالي التي تخطر على البال كالسيارات المتصادمة التي يركبها الناس وتصطدم وتطلق شرراً من زميلاتها وأعدائها، وكانت هناك أيضاً قوارب مترنحة، وقطار صغير مملوء بالصارخين يقومون بجولة دورانية لكي يحصلون على الإثارة”. وتضيف المؤلفة: “تتعجب عندما تسمع رجلا يأكل شفرات الحلاقة دون أن يتأذى لسانه أو حنجرته، وتخلص في دخيلتك إلى أنه مخلوق عجيب وليس مركباً مثل بيري التي ابتلعت ساعة يدها الصغيرة، واضطرت إلى شرب زيت سيارات”. وأسهبت أوبراين في وصف مشهد الليل الإيرلندي بقولها، إن الذين كانوا يتاجرون بالأساور ومناديل المائدة وأواني المهرجان الزجاجية كانوا باعة جوّالين، أو غجراً مزيفين يتنقلون بسرعة في عرباتهم الصغيرة من بلدة لأخرى يسوطون الأحصنة إذا ما تباطأت. الرقص الإيقاعي من ليل البلدة التي نشأت فيها الكاتبة إلى نهارها، وحيث دروس الرقص الإيقاعي في أيام الخميس لتلميذات المدرسة التي كانت تتلقى فيها تعليمها، إلى ذلك تقول أوبراين: “جاءت سيدة لتعلمنا الرقص الإيقاعي وحاولت أن تعرفنا لغز الإيقاعات الراقصة، ولما لم تكن هناك موسيقى مرافقة طلبت منا أن ندندن اللحن، وكانت ربلتا ساقاها متينتين وجميلتين، وترتدي جوارب قاتمة اللون وتنتعل حذاءً بشريط جميل يصل حتى مشط القدم. وكانت كلفة الدرس بنساً واحداًَ. عدد قليل من الفتيات قبلن التعلم بينما جلست الأخريات على مقاعدهن بالدرس، يعدن قراءة كل شيء عن معركة كينسل أو وصفاً لصباح يوم منعش في نيو انجلاند”. وتضيف أوبراين: “كان ذلك يفوق إمكاناتنا لذا سُررت وإن كنت شعرت بالحرج لجلوسي جانباً وعجزي عن المشاركة. وفي أعماق قلبي كنت ممتنة إلى أقصى مدى، معتقدة في الوقت نفسه أن الرقص يزعج الجسد. ويمكن عند وصوله إلى مرحلة متطرفة أن يدفع بالسوائل كلها والدماء والأحشاء نحو الخارج. كانت معلمة الرقص عاشقة وكان ذلك حال عدد كبير مثلها، كان الحب هو علاج كل شيء، لقد كان يصنع المعجزات”. المدينة الجميلة عبر كثير من الحكايات التي ترد في صفحات الكتاب تنتقل المؤلفة إلى محطات مختلفة داخل المجتمع الأيرلندي وصولاً إلى العاصمة دبلن، والتي تعتبرها أوبراين “درة” مدن إيرلندا، واصفة إياها بالـ “المدينة الجميلة” ذات المباهج التي لا حصر لها، مشيرة إلى أن ذروة الأسبوع في دبلن كانت تتألف من الذهاب إلى دار سينما معينة يجري فيها عرض مسرحي قبل الفيلم، وهناك توجد كل الأشياء التي تصبو إليها، وكان ذلك يحدث في فترة العصر. أما في النصف الثاني من النهار، وفقا لأوبراين، فإنها كانت تذهب وحدها إلى تلك الوليمة السرية، حيث الأضواء فضية أو فضية مغزولة بالذهب، والفرقة الموسيقية التي تعزف ألحاناً عذبة وقائدها الذي يرتدي سواداً مهيباً وعلى خشبة المسرح تلك المخلوقات هشة مفعمة بغموض لا يمكن بلوغه. وفي نهاية الكتاب تتحدث المؤلفة عن مغادرتها القسرية لأيرلندا فتقول: “إنني أعيش خارج أيرلندا لأن شيئاً في يحذرني من أنني قد أتوقف إذا عشت هناك، أني قد أكف عن الشعور بمعنى أن أحمل مثل هذا الإرث، قد أزداد هدوءاً في حين أني في الواقع أريد من جديد ولأسباب غير محددة أن أقتفي أثر ذلك الدرب نفسه، درب الطفولة الواضح المعالم ذاك، على أمل أن أعثر على حل اللغز الذي يمكن أن يجعل من الممكن إنجاز القفزة التي تعيد المرء إلى مكانه ووعيه الأصليين، إلى البراءة الأصلية للحظة السابقة للمولد”. باستيل أوروبا في سجن كيليمناهم أو “باستيل أوروبا” رحب الحرس بنا ترحيباً شديداً ومطولاً، قائلين إنه لكي نستحسنه ينبغي ألا ننظر إليه كركام من الحجارة، بل كرمز وكتذكار للقسوة التي مورست على بلدنا الصغير على أيدي عدو غريب. والزوار الذين يأتون لمشاهدته يتضمنون بعضاً من أعدائنا الغرباء، والأميركيين، والسكان المحليين الذين يمكن تمييزهم فوراً لأنهم يتجمعون معاً. الغرف باردة، مبلطة بالحصى ومملطة، وتحمل أسماء أشهر نزلائها. لمحة عن المؤلفة ولدت إدنا أوبراين في 15 ديسمبر من العام 1930 في غرب إيرلندا وهي تعيش اليوم في لندن وتعد من أكثر كتاب بريطانيا شعبية وتقديراً، من مؤلفاتها: “فتيات الريف”، و“ذات العينين الخضراوين” (في طبعتها الأولى كانت بعنوان “الفتاة الوحيدة”)، و“فتيات في نعيم زواجهن” (هذه الروايات الثلاث طبعت في كتاب واحد تحت عنوان “ثلاثية فتيات الريف”، و“آب شهر خبيث”، و“مكان وثني”، و“زي وشركاه”، و“إيرلندا الأم”، و“ليل”، و“امرأة شائنة وقصص أخرى”، و”أكاد لا أعرفك يا جوني”، و”الفرسان العرب”. ونالت إدنا أوبراين جوائز عديدة، منها جائزة الرواية من صحيفة يوركشير بوست. من مؤلفاتها الأخيرة “سيرة حياة جيمس جويس” (1999)، و”في الغابة” (2002)، و”ضوء المساء” ( 2006) وسيرة حياة لورد بايرون تحت عنوان “بايرون العاشق” عام 2009.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©